الأحد، 18 ديسمبر 2011

مقتطفات الخامس والعشرين من العمر

مقتطفات الخامس والعشرين من العمر

في هذا اليوم يجد قلمي مادة خصبة يجول فيها، لينقل بعضًا مما يتزاحم في عقلي: أفكار وأحلام وآمال لا أجد أفضل من تلك الذكرى كي أدونها فيها، فقد لبثت في هذه الحياة لمدة ربع قرن كامل، لا أحسبها بالفترة الزمنية الطويلة، أو أنها كافية حتى أمنح نفسي الحق في التحدث عن حياتي فيها، غير أني أحسبها مناسبة خاصة ليعود فيها قلمي ليكتب من جديد.
الطفل هو تلك الأرض الخصبة التي يحل للوالدين أن يزرعا فيها ما شاءا من البذور، تبدو هذه الأرض ملكًا لهما في سنوات الطفولة الأولى، ورغم هذه الملكية في التصرف فإن عليهما أيضًا أن يخضعا للقوانين والضوابط الأخلاقية والدينية والإجتماعية في اختيار البذور التي ستبذرها أيديهما فيها، إن الكثير من المهارات يكتسبها الإنسان بالتعلم ، وقليل ما يرثه عن والديه، وربما كانت الموروثات هي أقل القليل من المهارات اللازمة للتعايش والحفاظ على البقاء، أما مهارات التعايش السلمي والتفاعل البناء فللطفل أن يكتسبها من والديه ، ثم من أسرته على اتساعها، ثم من مدرسته ومن ثم مجتمعه، وفي إعتقادي لا يدرك الطفل اللذات مالم يتعرف عليها، فما قيمة الشيكولاتة لشخص لم يتذوقها يومًا، إنه لم يعرف بها أو بروعة مذاقها، وبالتالي لن تمثل له أي قيمة تذكر، وماذا يعني الخوف من الكهرباء لدى إنسان بدائي لا يدرك ماهي الكهرباء، ولم يسمع بها من قبل، الأمر ذاته ينطق على الطفل، لهذا أعتقد أن بإمكان الأب والأم يناء رغبات الطفل، وعلى كل حال الأمر يحتاج للتخطيط السليم، فابنك هو المشروع الذي يستمر إلى ما لا نهاية، أو أن نهايته بالنسبة لك هي مفارقتك لهذه الحياة، ومن منا يحب أن يسعى للفشل بقدميه؟ هكذا فكر في أسلوب تربيتك لطفلك وأعتقد أنك ستغير الكثير.
"من لم يؤدبه والداه فسوف تؤدبه الأيام والليالي" هذا مثل نذكره كثيرًا، والموروثات القديمة لها قيمتها، ومع ذلك فإعادة النظر لهذه الأمثال وتحليلها ضرورة، فإن كان المجتمع يكمل مشوار الأسرة وبخاصة الأبوين في التربية؛ فإن الإنسان البالغ عليه أيضًا أن يكمل مشواره الخاص في تأديب نفسه وتهذيب سلوكه، لقد منح الله الإنسان العقل والحس والقدرة على التمييز ، وهو جل جلاله لم يمنحه تلك القدرات لكي يصبح عجينة لينة تشكلها الأيدي من حوله، وإنما جعله أيضًا قادرًا على إعادة تشكيل نفسه، وربما أن أسوأ كلمة يتفوه بها البالغ الراشد هي "لن أتغير وهكذا أنا وعليك أن تقبلني" إن هذا لأسوأ وأصدق دليل على السلبية، وإن كنت تؤمن بهذه الكلمات فعليك ألا تطلب من الآخرين إحداث تغييرات في سلوكهم، فلست بأفضل من الآخرين، ومبدأ المساواة يحتم عليك أن تقبل ما يسري على الآخرين بصدر رحب، وهذا لا يعني بالطبع أن تكون مرنًا لدرجة تفقدك الثبات، أو أن يكون من اليسير تغيير مبادئك ومعتقداتك وافكارك، لكن المقصود أن تحتفظ بمبادئك متى ثبت لك صحتها، وأن تخضعها لإعادة التقييم إذا قوبلت بالرفض الشديد، وتذكر أن أصحاب الفكر والمبادئ القوية معرضون لهجوم المجتمع، ليس لأن معتقادتهم خاطئة؛ وإنما لأن المجتمع ليست لديه الشجاعة الكافية لقبولها وتطبيقها.
لكل إنسان مواهبه وإمكانياته، بعض تلك المواهب يكون صريحًا ظاهرًا، وبعضها مطمور تحت الرماد، إنه كالنار المشتعلة تحتاج لمن يرفع عنها الرماد حتى تضيء ما حولها، ويعم دفئها وخيرها مبددًا سحب الظلام، تكثر المقالات من تناول موضوع المواهب بالنسبة للأطفال وطريقة اكتشافها، وقد تكتفي بعبارة "ما من إنسان لم يخلق بلا مواهب وطاقاات" هذا كلام حسن لكن ينقصه الوصفة المساعدة على اكتشاف المواهب للصغار والكبار، والأمر بسيط جدًا، فإن تحدثت عن الصغار قلت أن على الأسرة والمدرسة دور هام في توفير الإمكانيات، وتحفيز الطفل على دخول العديد من المجالات، مع تشجيعه والثناء عليه، ومن ثم دفعه للمجال الذي يظهر فيه تقدمًا ملموسًا، أما عن الكبير فالأمر يختلف، عليك أنت أن تبحث عن مواهبك، كيف؟ جرب أن تخوض التجارب على تنوعها، حاول أن تمسك قلمًا وأن تكتب شيئًا: خاطرة، قصة، مقالة، لا تطلع الآخرين على إنتاجك في التجارب الأولى، فغالبًا ما سيكون دون المستوى المطلوب، قد تقصر المشاركة على صديق مقرب، وقد تخوضا التجارب معًا، ابتعد عن المميزين جدًا ، ففي خطواتك الأولى قد تصدمك مواهب الآخرين وتصاب بالإحباط نتيجة لرغبتك وتعجبلك، ثم جرب أن تشتري لوحًا للرسم وفرشًا وألوانًا، ابحث عن مصدر يلقنك أساسيات الرسم، استهلك وقتًا في التجربة ولا تيأس فربما أصبحت رسامًا في المستقبل، خض في برامج الكومبيوتر على اختلافها ولا تفكر في احتراف برنامج واحد في البداية، ولكن خذ من كل علم بمقدار يسير، ثم انتقل لمجال آخر وهكذا، إنك في كل مرة تتعلم شيئًا جديدًا، وتتعرف على الفنون واحدًا تلو الآخر، وفي لحظة ما ستكتشف أنك تملك موهبة الكتابة أو الرسم أو العزف الموسيقي أو...الخ، وهنا ابحث عن شخص يجسد أحلامك في المستقبل وابدأ مشوارك، وابحث عمن يشاركك هواياتك ومواهبك.
الإنسان مخلوق يجمع بين القوة والضعف، أودعه الله إمكانيات وطاقات هائلة، وكذلك وضع فيه من الضعف الكثير، إن إدراكك لهذه الحقيقة كفيل أن يعينك على تقويم أسلوبك في التفكير والتعامل مع الآخرين، اغفر لحظات الضعف لمن حولك، ولك أيضًا، البعض يثور لشعوره بالضعف والمرارة في لحظة ما، البعض يكمن ضعفه في رغبة لا يستطيع تحقيقها، ولكل ما يثيره ويؤلمه، لهذا تعلم أن تغفر للآخرين حتى يغفر الله لك، وأنت أيضًا ارتكبت في الماضي أخطاء أثرت على حاضرك اليوم، بعضها أو الكثير منها لا يغفره غير صغر السن، وهو ليس إثمًا، وإنما تعلم مما فات درسًا، وامنح نفسك الفرصة والوقت الكافي لأخذ مشورة الآخرين.
في علم النفس هناك نظرية تقول بأن الإنسان ينظر إلى نفسه من زاوية تختلف عن نظرته للآخرين، إنه يرى نفسه كتركيبة معقدة تستحق من الآخرين مواساتها ، احترام رغباتها، مغفرة زلاتها، ومساعدتها لتحقيق ما تصبو إليه، في حين ينظر للآخرين باعتبارهم أكثر بساطة منه، فهم لا يعانون بما يكفي، وليس لديهم مشكلات أو مبررات حقيقة للتغاضي عن أخطائهم وهفواتهم، ومن هنا تنبع الأنانية، حيث قد يتطور الشعور لدى الفرد ليرى أنه محور المجتمع أونقطة المركز فيه، وأن على الآخرين أن يدوروا في فلكه خاضعين لظروفه وحاجاته ومزاجه الخاص أيضًا، وعندما تواجه نفسك بتلك الحقيقة تصدم وتنهار هذه الصورة الوهمية وتعيش في سلام مع نفسك ومع الآخرين من حولك.
ابتسم حتى تسعد الآخرين، ولا تنسى أن لكل شخص ما يبكيه، وليس الباسم غير إنسان ناجح في إخفاء آلامه وليس في محوها.


نسمه السيد ممدوح
18 ديسمبر 2011

اتبعني على Facebook