السبت، 12 يناير 2013

شيء في فلسفة الحب

شيء في فلسفة الحب



ألا إن الوردة عندي ليست سوى جزء جميل من أجزاء النبات قد أهدته الطبيعة لبني البشر، وهي في ذاتها تملك بعض الجمال، أما حين يهديها الرجل لامرأة يودعها سر من أسرار روحه فيربو فيها الجمال، فما الوردة وما الجمال فيها؟ وأين موضعها في الرومانسية عندي؟

الوردة والتي هي رسول الطبيعة ـ هي بحد ذاتها بعيدة عن الرومانسية بعد القمر عن الأرض، لا يرى الواقف على الأرض من القمر سوى ضوء جميل ينبعث عن بعد، وهيهات له أن يرى القمر عن قرب، فيظنه جميلاً مضيئًا، وهو لا يعلم عن ظلمة سطحه شيئًا، وكذلك هي، تراها عن بعد فلا تبصر غير الجمال فيها، وإن لمستها بيديك وحدثتها لم تجبك سوى بصمت، لأنها بلا حبيب يودعها رسالة سحرية تبقى خرساء لا تنطق ولا تقدر على شيء، فالرومانسية فيها ضوء نراه عن بعد، وما إن نقاربها حتى لا نجد غير الظلمة والصمت، فمتى احتملها العاشق ودنت من قلبه، فأصغت لدقاته ونبضاته وتنهداته، حتى تبدلت أحوالها، واستحال اللب فيها إلى شعلة مضيئة بالحب، نابضة بالجمال، متكلمة بالألحان..

فلا أسألك وردة ما لم تجد في نفسك دافعًا ورغبة غير مفهومة لوردة تناجيها، فتبثها شيئًا من نفسك وترسلها إلي، فتتبدل ملامحها، فلا العطر هو العطر، ولا الورق هو الورق، ولا هي وردة من الأرض، بل هدية من الجنة التي هي قلبك.

لا أحسب الرومانسية محصورة على اتساعها وروعتها في وردة صغيرة، إن تهدني يومًا كتابًا اقرؤه فهو عندي من الرومانسية وأكثر، فأجد عيني تمر على ما مرت عليه عيناك، وتلمس ما لمسته يداك، ويتفتح عقلي لما تفتح له عقلك، فأشعر في كياني بشيء قد نما بداخلك يومًا، فلا أحسبه كتابًا قط، بل هو جزء من روحك أرسلتها لتؤنسني، ألا يكون الكتاب بعد ذالك رسولاً للحب بين اثنين؟!

ولا أقول كتابًا في الحب ترسله إلي، وإنما هو كتاب مهما كان قوله وموضوعه مسته عيناك وأناملك ووعيه عقلك وقلبك، فهو منك أبلغ هدية في الحب، وهو كالوردة وأعظم شأنًا، فهي وإن كانت جميلة تذبل مع الأيام ولا يبقى منها غير الذكرى، وهو باقٍ ما دام الحب باقِ حيًا مجسدًا ملموسًا محسوسًا مقروءً مفهومًا ناطقًا.

لا ولن تكون الرومانسية قصرًا على وردة أو كتاب، بل هي أوسع وأوسع، ولها عندي ألف ألف صورة ما دام الحب بيني وبينك فله في الأحياء والماديات ألف ألف رسول ينطق.

نسمة السيد ممدوح
12 يناير 2013


هناك تعليقان (2):

  1. ليس ذلك بغريب على البشر فقد جعلوا الرمز وسيلتهم للتواصل قبل الحرف ..
    والرومانسية حقا ليست " محصورة على اتساعها وروعتها في وردة صغيرة" فهي أكبر من ذا وأعظم ..لكن اللسان حين الشدائد جندي جبان ...

    رائعة دائما ..

    ردحذف
  2. حقيقةً مقال جداً رائع
    مشكورة

    ردحذف

اتبعني على Facebook