السبت، 9 مارس 2013

لعبة التكوينات الفردية

لعبة التكوينات الفردية

"البازل" أو لعبة التكوينات تلك اللعبة الشهيرة والتي تتسم بالتشويق والمتعة، تحتاج لعبة البازل إلى الصبر والتفكير والتجربة كي تحقق النجاح، فالقطع قد تكون متشابهة لدرجة كبيرة جدًا وقد تضع قطعة في غير مكانها مخطئًا ثم تبني عليها، ومن ثم تفاجأ بالخطأ وتهدم ما بنيت لتعود من جديد للبداية، وتنتهي اللعبة بحصولك على لوحة جميلة هي نتيجة صبرك ومجهودك، وكذلك حياة الواحد منا.
حياة الفرد ليست إلا لعبة بازل، مجموعة من القطع المتناثرة والمختلطة بقطع الآخرين، وعلى كل لاعب أن يعرف كيف يستعيد قطعه ويرتبها حتى يصل في النهاية للوحته الكاملة، وحين تعرف القطعة الأخيرة مكانها في لوحته يكون هو قد وصل لنهاية حياته بالفعل، وتبدأ اللعبة منذ الميلاد، إذ يضع الوالدان أول قطعة في اللوحة وهي اسم المولود، وشيئًا فشيئًا يضيفان قطع أخرى مجتهدين قدر المستطاع في انتقاء القطع الصحيحة، ثم يبدأ الطفل في الإدراك ويكتسب من المحيطين به، ويقتني قطع لنفسه ويرفض أخرى، وتظل اللعبة مستمرة، ومع تقدم الإنسان في العمر سنة تلو الاخرى تزداد صعوبة اللعبة.
إن القطع المتناثرة في الحياة والتي تجمعها لتكون لوحتك الخاصة تشمل:الدين، الأخلاق، الأفكار، السلوكيات، أسلوب الكلام، طريقة اختيار الملابس، المعارف والعلوم، الأصدقاء والزملاء، شريك الحياة، الأهداف، النجاحات، الطموحات، الإنتاج المادي والفكري والأدبي.
ولأن قطع البازل متشابهة وليست متطابقة فما يناسب لوحة شخص ما قد لا يناسب غيره، ولهذا تبطل فكرة الموضة والتوحد في ارتداء زي ذي لون معين أو شكل معين، وإنما يكون من الأفضل أن لا تشذ عن المجموع بشكل كبير وأن تختار ما يلائمك كشخص، فقد خلقت مختلفًا عن غيرك كي تظهر بشخصك لا كي تذوب وتختفي في المجموع كما يذوب السكر في الماء، وفرق بين الذوبان والاتحاد.
على كل حال أنت ستلعب طويلاً مادمت حيًا، تنتقي قطعة وتثبتها في لوحتك، وتبني عليها، وقد يتبين لك سوء الاختيار في مرحلة لاحقة، فتهدم مابنيت وتستبدل القطعة الخاطئة بغيرها، وكذلك أفكارك وسلوكياتك، وبعض القطع صعبة الاستبدال كقطعة الدين أو شريك الحياة مثلاً، ومهما كانت صعوبة الاستبدال فالأفضل أن تلعب باخلاص حتى تتم لوحتك لتبدو على أفضل حال.
وعندما تضع القطعة الأخيرة في لوحتك تفارق روحك الحياة المادية، ويبقى للآخرين لوحة إما جميلة مشرقة، وإما قبيحة قاتمة، بعض الأشخاص تكتشف لوحاتهم بعد أن تتم كشأن مشاهير الشعراء والأدباء والرسامين مثلاً، واللوحات الجميلة قد تقتنى لتزين حياة الآخرين من بعد، والوحات القبيحة قد تعدم حتى من الذاكرة، أما القسم الأعظم من اللوحات فيتراكم بعضه فوق بعض ويغطيه الغبار للأبد.
من أجل هذا اعتن بلوحتك، واختر مصيرها بعد رحيلك.

نسمة السيد ممدوح
9 مارس 2013


اتبعني على Facebook