الأحد، 17 فبراير 2013

سجناء

سجناء


من حكمة الخالق عز وجل أن جعل الكون متسعًا بما يتجاوز مدركاتنا وتصوراتنا وأفكارنا وقدراتنا وحواسنا، وجعل لنا في الحياة سجون عدة، حتى تضيق بنا الدنيا من حين إلى حين فيصحو داخلنا إنسان قد جبل على الفطرة صارخًا "يارب".
نعم, للحياة سجون, فلا تحسبوها نظرة سوداوية وإنما هي شيء كثير من الواقع، فنحن سجناء أجسادنا، وكم تعذبت أرواحنا وضاقت بها الأجساد، وكم تمنينا الأحلام حيث تنطلق أرواحنا من أسرها فتلتقي ساعة بمن تحب وتشتاق، وتشفى من آلامها، وتحقق بعضًا من آمالها، ونحن سجناء عقولنا وأفكارنا، وللرافعي شيء من هذا القبيل، فعنده من أشد السجون سجن الفكرة التي لا تقدر أن تتخلص منها ولا تقدر أن تحققها، فأنت موثق بها، وعندي أيضًا أن الأفكار من أقسى السجون وأشدها إيلامًا، وأنت فيها سجين وسجن وسجان.
ومنا من هو سجين آماله ورغباته وقد تكون مشروعة لكن أبوابها موصدة ومفاتيحها لدى البارئ وحده، وهو لا يملك سوى الصبر أو الجزع واليأس، والصبر فضيلة وكل الفضائل شاقة صعبة الإتيان، ولولا صعوبة منالها لما كانت فضيلة يمتاز بها القلة عن الكثرة.
ومن الناس من هو سجين لحواسه كالقعيد على كرسيه والأعمى وراء ستاره الأسود والأصم والأبكم، ومنهم من هو سجين ضعفه ونقص فطري به، والعالم على اتساعه لا تشعر به إلا لو انتقلت من بقعة إلى بقعة، فتدرك كم من الفرق والاختلاف يكمن بين زواياه وأرجائه، وإن ضعفت حاستك أو ضمرت شعرك بسجين الحواس.
وسجين المال وسجين الحزن وكلهم سجناء ليس لهم غير الصبر، وكلمة تتردد في أعماقهم "يارب"

نسمة السيد ممدوح
17 فبراير 2013

الأربعاء، 13 فبراير 2013

بين حب المادة.. وحب الروح

بين حب المادة.. وحب الروح

"البعيد عن العين بعيد عن القلب" في قرارة نفسي لا أجد لتلك العبارة صدى ولا تأييد ولا رضا، فالحياة لذتان: لذة المادة وهي أسهلهما وأقصرهما، ولذة الروح وهي أصعبهما وأطولهما، ونحن تلتمس ممن نحب إما لذة المادة أو لذة الروح أو كليهما.
ولذة المادة قد لا تطلب لذة الروح من بعدها، وتلك تزول بزوال المادة بفراق مؤقت أو أبدي، والحرمان منها ألم موجع يزول مع الأيام وللنسيان سلطان عليه، كألم الجرح الدامي قبل أن يبرأ، أما لذة الروح فقد تطلب المادة من بعدها لتزيد من كمالها وقوتها، لكنها أبدًا ما تزول بزوال المادة، وهي دومًا موجعة منهكة ، والحرمان منها أقوى من النسيان.
والعين لا تبصر غير المادة، إذ هي مادة في حد ذاتها، عضو ذو أنسجة وخلايا، فلا تدرك في المحبوب غير المادة، وكأنها تلتقط له صورًا فترسلها للقلب ليواصل الخفقان ويجدد الحب، فإذا غابت المادة غابت الصورة وبرد الحب أو كاد، أما الروح فتتقارب مع روح غيرها فيمتزجان ويصبحان شيئًا واحدًا، فينسكبان في قلبين فلا يجريان مع الدم إذ هما من الدم، فإذا غابت صورة المحبوب بقيت روحه منسكبة في الروح، وتلك لا تضمحل أو تضمر أو تزول إلا إذا زالت الروح من الجسد، فتفنى المادة وتعود الروح لبارئها.
فإن صدقت العبارة صدقت على حب المادة، أما حب الروح وهو الأنفس فهي عنه بمنآى.

نسمة السيد ممدوح
13 فبراير 2013


اتبعني على Facebook