الاثنين، 16 يناير 2012

الشريكان: رياضي وشاعر

الشريكان: رياضي وشاعر

العقل والقلب شريكان لا ينفصل أحدهما عن الآخر، وإن حدث وانفرد أحدهما بالقيادة وصارت له الكلمة المطلقة وقع الخلل حتمًا، إن للعقل أن يلعب دور الرياضي الذي يؤمن بالحقائق والأرقام والحسابات والنظريات ، ويخضع كل شيء للمنطق، وللقلب أن يلعب دور الفنان والشاعر الذي يلمس المعاني ويعبر عنها، ويزن ما يراه ويسمعه طبقًا لمخزونه من العواطف، وأنت إن سلمت لعقلك فقط بت كإنسان آلي لا يعير القيم والعواطف اهتمامًا، ويقسو في قراراته وأفعاله ولا يعني معنى القسوة أيضًا، وإن أنت سلمت للقلب وحده بت كالشاعر الهائم على وجهه ليل نهار بلا عمل نافع، إذن عليك أن توازن بين الاثنين، وتعدل بين الشريكين، وتؤتي كل واحد منهما نصيبه من القيادة.
المشاعر والعواطف هبه وهبها الله للإنسان، وإن أردت أن تحترم إنسانيتك فعليك أن تحترم عواطفك ومشاعرك، وأن تفرض على الآخرين كذلك احترامها، لكن هذا لا يتحقق بإكراه الآخرين ولا باستجدائهم وإلا كان احترامهم إما تخوفًا وخشية، أو شفقة عليك، ولكن بإمكانك أن تفرض مشاعرك كحقائق في بعض المواقف، ودون ان تقحم المبررات التي تحاول أن تأتي بها وتزجها زجًا لتكون منطقية، وإن أنت طرحت مبرراتك لتجيز مشاعرك فلا تستاء من نقاش الآخرين وجدالهم، لأن المبررات تعني أن العقل أصبح هو صاحب السيادة في الموقف، والعقل يُناقش بالمنطق لا بالعواطف، اترك لعواطفك الفرصة للظهور، وعبر عنها بشفافية وإنطلاق مادامت مشروعة وآمنة.
إن أحببت شخصًا ما ، وإن اجتاحك الشوق إليه في لحظة، وإن أنت قد فارقته لساعات فقط، فلا تخجل من أن تعبر له عن شوقك دون مبررات، فقط يكفيك أن تقولها صريحة "اشتقت إليك ولم يمضي على فراقنا غير ساعات" هذا أفضل من أن تسوق المبررات كأن تقول "أردت الإطمئنان عليك لأنك لم تجب اتصالي" أو "علي أن أرعاك وهذا واجبي لهذا جئت إليك" لا تسوق المبررات في غير حاجة إليها، واترك قلبك يقود الموقف، فالعواطف تُحترم وتصان إن طرحت كعواطف، أما أن تُلبسها لباس المنطق وتخضعها للتقاليد والأعراف، وتقيسها بمقياس الواجب فأنت بذلك تظلمها، وتجعلها ضحية للعقل الذي قد ينكرها أو يستهجنها، وهو معذور في حكمه عليه، إذ ارتدت ما ليس لها في الأصل، فتشوهت روحها وفقدت أجمل ما فيها.
لكل فرد منا رصيده الخاص من العواطف، ولولا هذا الرصيد لما تسامح الناس وتحابوا وتزاوروا وتغاضوا عن الهفوات ، وبالرغم من أن ها الرصيد أو قل شقه السلبي هو الدافع للخصام والهجر والغدر والحرمان والإيذاء، ولكن على كل حال هذا الرصيد بشقيه له تأثيره في حياتنا، فلا تقر جانبه السلبي وتنكر الإيجابي منه، تعامل بحرية، وقدر عواطفك، واحترمها فيحترمها الآخرون من حولك، كن صادقًا ولا تفتعل العقل والمنطق في غير وقته، فلكل مقام مقال، ولكل موقف قائد يناسبه ويديره بحكمة، ولكل سفينة ربان يقودها لبر الأمان.

نسمة السيد ممدوح
16 يناير 2014

اتبعني على Facebook