الاثنين، 30 أبريل 2012

"أدهم صبري" الفكرة


"أدهم صبري" الفكرة

"أدهم صبري" "رجل المستحيل" "د. نبيل فاروق" إنها أسماء يحفظها عن ظهر قلب عدد كبير من الشباب ممن هم في مثل أعمارنا، ومن هم أكبر وأصغر منا، كانوا يطلقون على جمهور نبيل فاروق: الجمهور العربي من المحيط إلى الخليج، وكان قراء تلك الروايات البوليسية من مختلف الدول العربية، لم يكن سبب الإعجاب والإنجذاب لهذه الروايات هو المتعة التي تحققها فحسب، بل لأن هذه الروايات على سلاسة أسلوبها وبساطته كانت تشبع الكثير فينا، ربما لم ينسى الشباب أبدًا ذاك الإعجاب والإنبهار بشخصية أدهم صبري، وكم تمنوا أن يحققوا بعضًا من ذاته، وكم تمنت الفتيات أن يوجد في هذا العالم شبيهً لأدهم صبري، وكلا الفريقين قد أعجب بفكرة وعشقها، فما هي الفكرة؟ من هم أدهم صبري ليحظى بكل هذا الإعجاب؟
أدهم صبري هو الفكرة الغير مستحيلة والتي لم تتحقق أيضًا، إنه النتيجة التي يمكن أن نحلم بالوصول إليها إذا نجحنا في التخطيط لها، وواصلنا االعمل بإصرار وإخلاص لبلوغها، هكذا تكشف "أوراق بطل" لقارئها، ليس منا من اهتم بتدريب طفله على مهارة معينة في سن الثلاث سنوات ليرى كيف ستصبح عند سن العشرين، نحن ننظر للطفل باعتباره طفل حتى وقت متأخر، ثم نبدأ محاولة إكسابه المهارات الخاصة، إن مهارة التفكير المنظم أو حل المشكلات والألغاز الحسابية، أو مهارة التخطيط واتخاذ القرار السريع كلها قابلة للتدريب، ويمكن للطفل أن يتدرب عليها وكأنه يمارس لعبة مسلية، لكن من سيشرف على هذه اللعبة؟ هذا هو السؤال؟ وهل إن توافر شخص كوالد أدهم صبري في الحقيقة وعني بابنه منذ سن الثالثة ـ هل يمكن أن نحصل على نتيجة مقاربة لما وصل إليه السيد صبري؟ سؤال مفتوح ويقبل إجابات كثيرة، فنعم تأتي بدرجات متفاوتة، وكذلك لا.
أدهم صبري هو الوطنية التي تسري في العروق، أعتقد من الصعب أن تنسوا تلك العبارة : "مصر تنادي" كم كنا نشعر بتدفق مشاعر الوطنية ونحن نقرأها، وربما لمسها أكثر من عاش خارج مصر لسنوات، أدهم صبري البطل المسلم الذي يذكر صلاته ليؤديها في أصعب الظروف، وكم ذكرت العبارات التي تدل على ذلك، وكم ذكرت العبارات الإيمانية على لسانه في أسوأ الظروف وأصعبها.
أدهم صبري البطل الهاديء والتركيز العميق، الذي يؤمن بمبدأ قصور كل ما في الكون والكمال لله وحده، تذكرون هذه العبارات: "لا يوجد نظام أمني كامل" "هناك ثغرة حتمًا" "لكل شخص نقطة ضعف" وفي أعقد المواقف وأصعبها كان يجد أدهم صبري حلاً، بل ومنطقيًا أيضًا، إن الخيال المستخدم هنا لم يكن غير إضافة تكسب الرواية المزيد من التشويق وليس إلا لمسة ساحرة على طاقات أدهم صبري وإمكانياته الفائقة.
أدهم صبري رجل المخابرات الصلب العنيد، وهو أيضًا الإنسان الرقيق العاطفي الذي تحركت مشاعره تجاه زميلته منى وفداها بروحه في الكثير بل الكثير جدًا من الأعداد، وهو من حاول جاهدًا مساعدة جيهان ونادية وبترو وقدري وحسام وغيرهم كثيرون، إنه من يكبر معنى الصداقة ويقر بواجباتها، ويحاول جاهدًا الوفاء بها.
أدهم صبري والوفاء بالوعود ولسنا ننسى "تحت علم مصر" وهي من أندر الأعداد التي امتنع فيها عن استخدام قوته الجسدية حتى في المواقف التي هددت أمنه وحياته، لا لشيء إلا لأنه قد قطع وعدًا لمديره بذلك قبل سفره، أدهم صبري والد آدم من سونيا جرهام عدوته اللدود، وهو كأب مصري مسلم لم يتخلى عن ابنه، وسعى جاهدًا لانتشاله منها، وكم كانت فرحة القارئ غامرة حين فاجانا دكتور نبيل منذ بضعة أيام بأن آدم قد عاد لأحضان والده أخيرًا بعد سلسلة طويلة من المحاولات الشاقة التي باءت بالفشل، لم يتنازل أدهم عن الدماء المصرية والعربية، آدم مصري مسلم وسيشب مصريًا مسلمًا.
أدهم صبري محترم لقواعد العمل في جهاز المخابرات، المقدر لواجباته ومسؤولياته، وهو من كشف الكثير من قواعد العمل في ذلك العالم الغامض وأهمها السرية وطاعة الأوامر ولكل شريحة نصيبها من المعلومات ولا يجوز لها أن تطلب المزيد، المؤسف أن من قرا تلك الأجزاء لم يعي منها شيئًا، وظن أن ما بين يديه خيال امتزج بخيال لا يمت للواقع بصلة.
أدهم صبري الفكرة هو مزيج من صفات كثيرة أحببناها ، وكما عشقناها في شبابنا أتمنى أن نعود فنتقمص بعضًا منها بنفس الروح التي كنا نقرأ بها، وننتظر بها الأعداد الجديدة كل بضعة أشهر، وأخيرًا شكرًا د. نبيل فاروق قدمت مثالاً رائعًا لا ينسى، لا أخجل حين أكتب الأسطر تباعًا حول هذا الموضوع، لأن ما قدمه دكتور نبيل هو فكرة وأخلاقيات ومباديء سطرها ببساطة وبوضوح لكن قل من فهمها وتشبع بها.

نسمة السيد ممدوح
30 إبريل 2012


الأحد، 29 أبريل 2012

بحاجة إلى تحديث


بحاجة إلى تحديث

Need to update



ماذا يحدث عندما تقوم بتحديث نظام التشغيل في جهاز الكمبيوتر الخاص بك؟ وماذا يحدث إذا أهمَلتَ تلك العمليةَ المهمَّة؟ تصوَّر نفسك جهاز كمبيوتر يعمل بنظام تشغيلٍ أكثرَ تعقيدًا من الويندوز، وتصوَّر أنَّ هذا النظام بَقِي كما هو دون تحديثٍ أو صيانة لسنوات طويلة، كيف سيكون أداؤك؟ وهل يمكن أن نَصِفَه بالمتميِّز؟

إنَّ عقل الإنسان يُشبه فعلاً المعالج في جهاز الكمبيوتر، وهو كجهاز يَحتاج لِما يُديره، والبرنامج المسؤول عن تشغيل تلك الدماغ المتحكِّمة في كلِّ أجزاء الجسم، له طبيعة خاصة، ومشكلته هي عدم وجود مصدر مضمون وموثوق لتحديثه وفحْصه باستمرار، ويقع عبءُ هذه العمليَّة عليه نفسه، فعليه أن يَفحص نفسه من وقتٍ لآخر، وأن يبحثَ عن مصدر جيِّد للتحديث، وعليه أيضًا أن يُسيطر على دوريَّة تلك العمليَّة، والسؤال متى وكيف تتمُّ عملية التحديث؟

إنَّ عملية التحديث ضروريَّة جدًّا، وفي حين يقوم الويندوز بتحديث نفسه، فيُضيف إلى بنيته ما يُفيده، ويُعدِّل ما يحتاج إلى تعديلٍ، ويَحذف ما لا ضرورة له، ويُعيد بناء نُظمه الدفاعيَّة، لكنَّه في نهاية الأمر لا يَفقد هُويَّته، ويظل - كما هو - ويندوز متميزًا عن غيره، فهذا ما يجب أن يحدثَ لك بشكلٍ دوري، عندما تُواجهك المشكلات وتتكرَّر، فعليك أن تُدرك أن هناك خَللاً، وأنك بحاجة للفحص والتحديث.

المشكلات لا تَنبع من المُحيطين بك فقط، أنت نفسك قد تكون سببًا رئيسًا للمشكلة، إن ثبوت الصور الذهنيَّة والأفكار والمعتقدات لمُددٍ طويلة، يَجعل أحكامَك على الأشخاص والأحداث غيرَ دقيقٍ، وغير مُنصف أيضًا، فالأشخاص يتطوَّرون ويتغيَّرون، وما كان مقبولاً أو مطلوبًا من شخص في عمر العشرين، لا يمكن مطالبته به في عمر الأربعين أو الستين، كما أنَّ طباع الطفل التي غلَبتْ عليه في صِغَره، قد تتغيَّر وبشكلٍ شبه كلي في شبابه ونُضجه، وأهواء الشباب وثَورته الجامحة، تَهدأ في سن الرشد والاتزان، وهكذا يتغيَّر الأشخاص: صفاتهم، طبائعهم، عاداتهم، أفكارهم، مواهبهم... إلخ، وعندما تقوم بتحليل سلوك شخصٍ ما - استنادًا إلى صورة ذهنيَّة قديمة لديك - فالأرجح أنَّ تحليلك سيشوبه القصورُ، بل قد يكون مشوَّهًا بشكل كلي؛ ولهذا تحتاج بين الحين والحين أن تُعيد تكوين الصور الذهنية التي لدَيك، فكِّر في الأشخاص من زاوية جديدة، انْسَ كلَّ ما تعرف في الماضي، وحاول أن تتعرَّف عليهم من جديد، قد تجد بينهم الحنون والحليم، والغاضب والثائر، والمُتَّزن.... إلخ؛ ولهذا قد يتحوَّل أحدهم إلى صديق مُقرَّب بالنسبة لك، وقد تَبتعد عن الآخر، وهكذا.

إنَّ عملية التحديث التي ستُجريها للبيانات المُختزنة لديك، ستؤثِّر حتمًا على أحكامك وتصرُّفاتك وتحليلاتك، وهذا يعني تكوُّن علاقات جديدة، وتقلُّص أو ضمور علاقات موجودة، لكن على كل حال تذكَّر أنَّ هناك أرصدةً من العواطف لا بدَّ وأن تُصان، قد يتحوَّل شخص من دائرة المُقرَّبين جدًّا إلى دائرة المقرَّبين فقط، ورغم هذا التحوُّل تظلُّ الأواصر بينكما موجودة، لكن قد تتغيَّر أحكامك على تصرُّفاته، وكذلك ردود أفعاله.

إنَّ التحديث المستمر يَحميك من تلقِّي الصدمات المتكررة، أو انتظار ما هو أكثر من الآخرين، كذلك يُساعدك على التعرُّف على ذاتك بشكلٍ أصدق، فكثيرًا ما تكون أفكارنا المُترسِّخة مُعوقًا لنجاحنا وانطلاقنا؛ لهذا لا تُهمل تحديثَ قاعدة بياناتك، ونظام التشغيل لدَيك، زِدْ مهاراتِك ومعارفَك ومعلوماتك، تدرَّب على ما هو جديد، حاوِلْ أن تَرتقي بأساليب أدائك حتى لوظائفك اليومية، لا تُقلِّل من قدرِ شيءٍ ما، ولا تحسب أنَّك بلَغت نهاية الطريق يومًا، فهناك دومًا جديد.

النشر الأول على شبكة الألوكة

الجمعة، 20 أبريل 2012

رحلة الصعود إلى الطئاف عبر طريق الهدا


مدينة الطائف هي مدينة سعودية تقع على قمة جبل، وللمدينة تاريخ قديم، وعليك أن تختار أحد طريقين لبلوغ المدينة: طريق الهدا وهو الطريق الجبلي الذي يدور حول الجبل تارة ، ويخترقه تارة في سلسلة من المنحنيات الخطرة، وإما طريق السيل المنبسط الذي يصعد بك رويدًا رويدًا بلا مخاطر تذكر، على كل حال طريق الهدا هو مغامرة رائعة تستحق أن تخوضها بحق، ويصور هذا الفيديو رحلة الصعود إلى مدينة الطائف عبر طريق الهدا، وللحصول على نسخة كاملة من الفيديو فضلاً اتبع الرابط التالي:


هذا الفيديو من تصوير وإخراج:
نسمة السيد ممدوح

الثلاثاء، 17 أبريل 2012

ابنك.. مشروع لا ينتهي - الجوانب التربوية - موقع الإصدارات والمسابقات - شبكة الألوكة

ابنك.. مشروع لا ينتهي

 


لكلِّ صناعةٍ أساليبُها وفنونُها، وأمهرُ الصُنَّاعِ هو من يؤدِّي صنعتَه بإخلاصٍ، وهو بذلك يُؤمنُ أنَّ جودتَها وصلاحيتَها دليلُ براعتِهِ وكفاءتِهِ، وهي أيضًا الضامنُ لاحترامِهِ وتقديرِهِ، فإن كانَ هذا يَنطبقُ على الصِّناعاتِ الماديةِ، فما بالُك بالصِّناعةِ البشريةِ؟!


وما أعنيه بالصِّناعة البشرية هو "التَّربية"، أو كما عرَّفها البعضُ بأنَّها "عمليةُ صناعةِ الإنسانِ".


إنَّ التربيةَ كعمليةٍ هي صناعةٌ شديدةُ التعقيدِ والصعوبةِ، ويَفشلُ في أدائِها والقيامِ بها من توَهَّم - جاهلاً، أو أَوْهَم نفسَه متعمِّدًا - أنَّها عمليةٌ سهلةٌ ويسيرةٌ، ومن أشيَعِ أخطاءِ العصرِ أن يتعاملَ الأبوانِ مع التربيةِ بأسلوبِ الأزماتِ، فينتظرا نشوبَ الأزمةِ ليتدارسا حلَّها، وهكذا تَمضي حياتُهما مع أبنائِهما: سلسلةٌ من الأزماتِ غيرِ المتوقَّعة وغيرِ المستعَدِّ لمواجهتها، ثم الحلولِ الوقتيةِ غيرِ المدروسةِ على نحوٍ صحيح، وما كان لهذا الخطأ أن يكونَ إلا لجهلِهم أو عدم اكتراثِهم بأهميةِ التربيةِ، وهو ما يُمكنُ أن نسميَهُ "عشوائيةَ التربيةِ".


وللأسف تزخَرُ المواقعُ الإلكترونيةُ والكتبُ بالموضوعاتِ والمقالاتِ التي تتناولُ تربيةَ الأطفالِ وأساليبَها، وتُكثِر مِن ضربِ الأمثلةِ، والتنويهِ على أهميةِ تلكَ المرحلة العمرية، في المقابلِ تُهملُ الحديثَ عن العمليةِ التربويةِ على عُمومِها وشُمولِها، وإن تركَّزَ الاهتمامُ فيما بعد الطفولةِ، فهو يَقتصرُ على مرحلةِ المراهقةِ، وكأنَّ الأغلبيةَ تتناسى - أو هي غافلةٌ عن - استمرارية عمليةِ التربيةِ، وعن وجودِ جهاتٍ وأطرافٍ عديدةٍ تُشاركُ في هذه العمليةِ، وما يؤكِّدُ هذه الرؤيةَ هو تعريفُ التربيةِ على أنَّها: "تحصيلٌ للمعرفةِ، وتوريثٌ للقيمِ، كما هي توجيهٌ للتفكيرِ، وتهذيبٌ للسلوكِ"؛ فهي بذلك عمليةٌ مستمرةٌ ما دامت المعرفةُ متجددةً، والسلوكُ في تغيُّرٍ، والفكرُ في تطورٍ، وهي - أيضًا - عمليةٌ مقصودةٌ، وليست عشوائيةً، ولها هدفٌ سامٍ مفترَضٌ أن يتحققَ.


ويُجسِّدُ هذا الهدفَ تعريفُ "أفلاطون" الفيلسوفِ اليونانيِّ لها بقولِه: "إن التربيةَ هي أن تُضفيَ على الجسمِ والنفسِ كلَّ جمالٍ وكمالٍ مُمكنٍ لها"، وبالطَّبعِ لمْ ولنْ يَبلغَ البشرُ الكمالَ المُطلقَ؛ وإنِّما يَعني أفلاطونُ السَّعيَ قدرَ المُستطاعِ نحو هذا الكمال.


وللتربيةِ أربعةُ أبعادٍ رئيسيةٍ تلازمُ الإنسانَ في مراحلِ حياتِهِ المُختلفةِ: فلها "بُعدٌ معرفيُّ" خاصٌّ بنقلِ التُّراثِ الثقافي واللغوي من جيلٍ إلى جيلٍ، أو مِمَّن هو أكبرُ عُمرًا لمن هو أصغرُ عُمرًا، و"بُعدٌ نفسيٌّ" خاصٌّ بتشكيلِ نفسيةِ الطفلِ وتقويمِها، وإصلاحِ ما قد يعوَّجُ منها إثر ضغوطِ الحياةِ وتغيُّراتِها، و"بُعدٌ اجتماعيٌّ" يُعنَى بسلوكِ الإنسانِ وأسلوبِ تلبيتِهِ لرغباتِهِ وحاجاتِهِ، وسيطرتِهِ على غرائزه ، وتفاعلِهِ في مجتمعِهِ، ومدى نجاحِه في التَّكيفِ معه، وأخيرًا "بُعدٌ عقليٌّ" يُعنى بتنظيمِ عقلِ الإنسانِ وأسلوبِ تفكيرِهِ، وتزويدِهِ بمهاراتِ التَّفكيرِ السَّليمِ والمُنظَّمِ، كذلك تَمكينه من التَّفكيرِ النقديِّ وغيرِها من المهاراتِ العقليةِ، وتأمُّلٌ في الأبعادِ الأربعةِ يَقودُ حتمًا لحقيقةِ أنَّ: التربية عمليةٌ تمتازُ بالاستمراريةِ، وإطلاقُ لفظِ العمليةِ كفيلٌ بدعمِ وتأكيدِ صفةِ الاستمراريةِ، فالمعلوماتُ والمعارفُ كثيرةٌ ومتشعِّبةٌ، وهي في تزايدٍ مستمرٍّ، وهذا يعني أنَّ هناكَ تراثًا ثقافيًّا ومعرفيًّا ولُغويًّا ضخمًا سيتم نقلُهُ خلالَ التربيةِ، وهناك تراثٌ معرفيٌّ لا يمكِنُ نقلُه مشافهةً، وإنَّما يَجبُ تدريبُ الإنسانِ على التَّعاملِ مع مصادرِهِ، وهنا يأتي دورُ التدريبِ على المهاراتِ العقليةِ؛ حتى يَستطيعَ الإنسانُ التَّواصلَ مع مصادرِ الفكرِ والمعرفةِ على اختلافِها، وفي إطارِ ذلك نجدُ أنَّ المجتمعَ مُتَّسعٌ ومُتَشابكُ العلاقاتِ، والفردُ يوجد في دوائرَ اجتماعيةٍ عديدةٍ، وهناكَ أعرافٌ وقيمٌ وتقاليدُ من الضروريِّ مراعاتُها، وهنا يحدثُ التَّمازُجُ بين البُعدِ المعرفي والاجتماعي، ولكي يعيشَ الإنسانُ، ويتفاعلَ مع من حولَه، ويتكيفَ مع مجتمعِهِ بطريقةٍ إيجابيةٍ؛ فمن الضروري أن يكونَ بناؤُه النفسيُّ سليمًا، وهذا ما تحققُّهُ التربيةُ في بُعدِها النفسيِّ.


وتقع مسؤوليةُ التربيةِ - على صعوبتِها وأهميتِها وقُدسيتِها - على عدةِ جهاتٍ في المجتمعِ، بل لنْ نكونَ مبالغين إذا قُلنا: إنَّ المجتمعَ بأسرِه يشاركُ في هذه العمليةِ، ويلعبُ الوالدانِ دورًا شديدَ الأهميةِ في السنواتِ الأولى من حياةِ الطِّفلِ، ثم يشاركُهما - فيما بعدُ - المربُّون في دُورِ الحضانةِ، ثم المدرسة، وانتهاءً بالجامعةِ، وعندما يُنهي الشابُّ مشوارَهُ التعليمي يَظنُّ الأبوان أنَّ دورَهما يكادُ أن ينتهي، وأن من حقِّهما الآن التقاطَ أنفاسِهما بهدوءٍ وعمقٍ، تاركين ما تبقَّى من مشوارِ التربيةِ للمجتمعِ، والنتيجةُ أنَّ هذا الشابَّ لنْ يكونَ صالحًا ومُنتجًا وفعَّالاً إلا بعد مرورِ العديدِ من السنواتِ، وخلالَ هذه السنواتِ سوف يرتكبُ الكثيرَ من الأخطاءِ التي يُعاقِبُ عليها المجتمعُ دونَ قصدٍ منهُ، وسَيتعلَّمُ من هذا العقابِ الكثيرَ، وسوف تتقاذفُه الأيامُ يمينًا وشِمالاً، في النهايةِ سوف يَقبلُه المجتمعُ باعتبارِه رجلاً ناضجًا أو امرأةً ناضجةً، وسيكون عليه - أو عليها - أن يبدأَ مشوارَهُ مع النشْءِ الجديدِ.


ولكن ثمة ما كان يجبُ على الأبوين القيامُ به تجاه هذا الشاب، فدورُهما حقيقةً لم ينتهِ، وإنَّما كان عليهما مواصلةُ مشوارِ التربيةِ بنفسيهما، ولعلَّ أقربَ صورةٍ لهذا المعنى هو البناءُ الذي توضعُ أساساتُه، ويُشرف عليها المهندسُ ويُوليها عنايتَه، فكذلك يَفعلُ الأبوان طَوال السنواتِ العشرين الأولى من حياةِ الابنِ، ثم ماذا بعد ذلك؟ تخيَّل لو أن المهندسَ تركَ موقعَ العملِ وأولى للعمالِ مسؤوليةَ إنهاءِ المشروعِ، بناءً على ما لَقَّنَهم إياهُ في البدايةِ، وجَلسَ على كرسيه بعيدًا يتلذذُ بالنسائمِ الحلوةِ دونَ إشرافٍ أو متابعةٍ ، فماذا ستكون النتيجة؟


من المحتمَلِ أن ينجحَ العمالُ في المهمةِ، ومن المحتمَلِ جدًّا أن يَفشلوا فيها، لكن ما يَضمنُ الوصولَ لنتائجَ جيدةٍ هو وجودُ المهندس في موقعِ العملِ مُتابعًا ومُشرفًا، ومُوجِّهًا وناقدًا، وهذا ما يجبُ أن يقومَ به الوالدان.


فلا يكفي أن تعلِّمَ ابنَك في صغرِهِ، وأن تَنقُلَ إليه الكثيرَ من العاداتِ والقِيمِ والمعلوماتِ والمعارفِ، ولا يكفي أن تشرفَ على مشوارِهِ التعليمي حتى يتخرَّجَ في الجامعةِ، بل يتوجَّبُ عليك أيضًا أن تُعينَهُ على اجتيازِ المراحلِ القادمةِ في حياتِهِ بنجاحٍ، ولعلَّ الفكرةَ تتضحُ أكثرَ بهذا السُّؤال: هل حاورتَ ابنَكَ ذات مرة، ونقلتَ إليه خبرتَكَ حول الأسلوبِ الصَّحيحِ لاختيارِ شريكِ الحياةِ؟


ليس من الصوابِ أن تطلبَ من ابنِك أن يكونَ موضوعيًّا عند اختيارِ شريك حياتِهِ، وليس من الصوابِ أن تطلبَ منه النَّظرَ لكل الجوانبِ ونقدِها وعدم التسرُّعِ، هذا لا يكفي؛ ولكن عليكَ أن تضعَ نُصب عينيك أنَّ هذه التجربةَ جديدةٌ، وأنَّ ابنَك بحاجةٍ للمساعدةِ، والمطلوبُ أن تدرِّبَ ابنَكَ على طريقةِ نقدِ الآخرين وتحليلِ شخصياتِهم، وأن تنقُلَ إليه الأفكارَ والأساليبَ الصحيحةَ، وأن تحدِّثَهُ عن مستويات اختيار شريك الحياة، وأنَّ هناك جوانبَ عديدةً يجبُ النَّظرُ إليها، وأنَّ هذا الشريك سيكون شريكًا نفسيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا وعاطفيًّا وجنسيًّا، ولا داعي للخجل إن كُنت تَطمحُ في بناءِ إنسان جيد، والزواج في حقيقتِهِ علاقةٌ ذاتُ أوصافٍ عدةٍ، ليس من المنطقِ تجاهلُ أحدها.
وعندما تكون أبًا لعدةِ أبناءٍ قد تزوَّجَ البعضُ منهم وتأخرَ البعضُ، فعليك أيضًا أن تعرفَ كيف تتصرفُ في المواقفِ المختلفةِ، وأن تُلاحظَ ما قد يَصدرُ من أخطاءٍ، وأن تتوقعَهُ لتنبِّهَ عليه مُسبَقًا، مُحاولاً تلافيَه، فكم من إخوةٍ جرحوا أخواتِهم وإخوانَهم بجهلٍ، وكم من فتياتٍ تجرَّعْن كؤوسَ المرارةِ؛ لأنَّ أخواتِهن ونساءَ إخوانِهن يُشعْن الفرحةَ بدون حساب، ودون مراعاة لمشاعرِ فتاةٍ حُرِمَتْ من الزواجِ أو من مشاعرِ الأمومةِ، وتَزدادُ قتامةُ الموقفِ بأمٍّ أو أبٍ يتَّخِذان الصمتَ والـ "لا مبالاة" أسلوبًا ومنهاجًا.


وكما ساهم الأبُ والأمُّ في تكوينِ وبناءِ الأسرةِ الصغيرةِ، فعليهما ألا ينسيا دَورَهما في بناءِ الأسرةِ الكبيرةِ، فمع زواجِ الأبناءِ يَدخلُ أفرادٌ جددٌ للعائلةِ ذكورًا وإناثًا، ثم يَدخُلُ الأحفادُ أيضًا، وتَزدادُ العلاقاتُ تشابُكًا، وتَكثرُ الأخطاءُ غيرُ المقصودةِ من الجميعِ، ولأنَّ الكثيرَ من الأمَّهاتِ والآباءِ لا يحصِّنون أنفسَهم، ولا يفكِّرون في تلك المرحلةِ؛ تَجِدُهم يُصدَمُون بهذه الأخطاء، وتَزدادُ الصورةُ قتامةً أمامَ أعينِهم، ويتحسَّرون على ما فات، وما أُهدِرَ من سنواتِ العمرِ في تربيةِ الأبناءِ، وللأسف يَخضعون لهذه الأخطاءِ منكسري القلوبِ، منعقدي الألسنةِ، دون أن يمارسوا دورَهم في التوجيهِ، وحقيقةُ الأمرِ أن هذه صورةٌ طبيعيةٌ؛ لأنَّ كلَّ هذهِ العلاقاتِ الجديدةِ تحتاجُ لمن ينقُلُ خبراتِها للأبناءِ، وهناك أساليبُ عديدةٌ لممارسةِ الدورِ التربويِّ في هذه المرحلة من قِبَلِ الآباء والأمهات، وللأسف فإن الجهل بأساليبِ التربيةِ المختلفةِ هو ما يعزِّزُ هذه المشكلة، والدَّور السلبي للوالدين.


وكما يَرى التربويون، فهناك أساليب مختلفة للتربية، منها: التربية بالمُلاحظة، والتربية بالعادة، والتربية بالترغيب والترهيب، والتربية بالموعظة، والتربية بالمُحاكاة، وبعضُ هذهِ الأساليبِ يفيدُ في التعاملِ معَ الصغارِ، وبعضُها يصلحُ للصغارِ والكبارِ، ومن الأساليبِ النَّاجحةِ في التعاملِ مع الكبارِ: التربيةُ بالعادةِ، وبالملاحظةِ، وبالموعظةِ، وبالمُحاكاةِ، فإذا كُنتَ تَرغبُ في توثيقِ الصلةِ بين أبنائِكَ، وإن كُنتَ ترى أنَّ الذكورَ أكثرُ تقصيرًا في ودِّ أخواتِهم من الإناثِ، فبإمكانِكَ اتِّباعُ أسلوبِ العادةِ لحلِّ هذهِ المشكلةِ، عوِّد أبناءَك من الذكورِ أن تجمعَهُم في نهاية كلِّ أسبوعٍ، وأن تصحبَهُم في زيارة لأخواتِهم الإناث، وعليكَ أن تَستمرَّ بتَكرارِ هذا السلوكِ لفترة طويلة؛ حتى يُصبحَ عادة، عندها حتى لو تَوقفتَ أنتَ عن مُمَارستِهِ، فسيظلُّ أبناؤك يمارسونهُ بحكمِ العادةِ، وفي النهايةِ تجدُ أنَّ الغرضَ قد تحققَ وأصبحَ هناك تزاورٌ دائمٌ بين أبنائِك، فإن كان الرسولُ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - قد لفتَ إلى هذا الأسلوبِ في التعويدِ على أهمِّ ركنٍ من أركانِ الإسلامِ، وهو الصلاةُ عمودُ الدينِ، فمن بابِ أولى أن تتَّبعَهُ أنتَ لغرسِ العاداتِ الحسنةِ بين أبنائِك، حتى وإن كانوا كبارًا.


كذلك يُجدي أسلوبُ ملاحظتك لأبنائِك كثيرًا، فبإمكانِكَ مُتابعة أدائهم، وطريقِة تفاعلِهم مع بعضِهم البعض، ومعَ المجتمعِ الخارجي، وقَوِّمْ ما يَبدرُ منهم من أخطاءٍ، وتَذكرْ أنَّ أخطاءَهم في تلك المرحلةِ تُشبِهُ إلى حدٍّ كبيرٍ أخطاءَ وهفواتِ الطفلِ الصغيرِ الذي يخوضُ التجارِبَ لأولِ مرةٍ، وحَاول أن تُفيدَ من أسلوبِ التربية بالمُحاكاةِ، فالميلُ للمُحاكاةِ والتقليدِ لا يقتصِرُ على الأطفالِ فقط، وإنَّما الإنسان يَنزعُ لمُحاكاةِ كلِّ من يُكِنُّ له التقديرَ والاحترامَ، وكثيرًا ما تنتقلُ العاداتُ الحسنةُ بالمُحاكاةِ بشكلٍ لا إرادي، وهذا ما يجبُ أن تُركزَ عليه، اتَّبِعْ أسلوبَ التربيةِ غيرِ المباشرةِ مع الكبارِ من أبنائِك، وأكثِرْ من الحديثِ والنِّقاشِ معهم، وتذكَّرْ أنَّهم بحاجةٍ لأُذنيك أكثرَ مما هم بحاجةٍ للسانِك في هذه المرحلة؛ لأنَّك كلما كنتَ مُنصِتًا جيدًا، ستتمكنُ من جمعِ معلوماتٍ أكثر، وستتمكنُ من رسمِ صورةٍ أدقَّ تُساعدُك فيما بعدُ على توجيهِهم.


وختامًا تذكَّرْ أنَّكَ تَلعبُ دورَ المستشارِ مع أبنائِك الكبارِ، وأنَّ هذا الدورَ التربوي يختلفُ في طبيعته عن الدورِ الذي لعِبتَهُ معهم عندما كانوا صغارًا؛ ففي البدء كنتَ مُوجِّهًا وضابطًا لهم، أما في المرحلةِ الثانيةِ، فأنتَ المُستشارُ الذي يُبدي النصيحةَ، ويُلاحظُ ويَقترحُ، تدعَمُه خبرةُ السنين والإدراكُ الواسعُ ، ولا تَنسَ أنَّ القراءةَ على قدرٍ كبيرٍ من الأهميةٍ، عليكَ أن تقرأَ في أساليبِ التربيةِ من قَبْلِ أن تكونَ أبًا أو أن تكوني أمًّا، اقرأ كي تحددَ أهدافَكَ وتضعَ خططَكَ السليمةَ، واحلمْ أن تُخرجَ من بين يديك إنسانًا يتحدثُ عنه العالَمُ بأَسْرهِ، ويُصبحُ فيما بعد رمزًا وقدوةً حسنةً يُحتذى بها، واعملْ قدرَ ما تَستطيعُ، وابذلِ الجهدَ؛ فابنُك هو مشروعُكَ الشخصيُّ، اسعَ لتصنعَهُ على أجملِ وأكملِ  ما يكونُ.

النشر اأول على شبكة الألوكة

 

الاثنين، 9 أبريل 2012

لا للإزدواجية بين العالم الواقعي والعالم الإفتراضي

لا للإزدواجية بين العالم الواقعي والعالم الإفتراضي

في العدد الثالث عشر من مجلة مملكة المرأة الإلكترونية والذي صدر في مايو 2009 كتبت موضوعًا بعنوان "في مواجهة التكنولوجيا" وتبنيت فيه مبدأ نابليون: "الهجوم خير وسيلة للدفاع" وكان الموضوع يصور حالة القلق والصراع التي تعايشها الأسرة في مواجهة التطورات التكنولوجيا المتسارعة، وفي الوقت الذي نشر فيه الموضوع لم يكن نجم الفيس بوك قد علا كما هو الحال اليوم، وأعتقد أن هذا الصراع البشري التكنولوجي قد ازداد عنفًا الآن، ولكن ثمة عوامل كثيرة يجب أن نضعها في الاعتبار عندما نناقش موضوعًا كهذا، فلم تعد العلاقة صراعًا كما كانت ، ولم يعد الموضوع الأساسي للمناقشة هو الإتاحة أو المنع، وإنما أصبح علينا أن نناقش كيفية التعامل مع التكنولوجيا، وأن نضع مباديء تربوية تواكب هذا التقدم واضعين في اعتبارنا استحالة المنع والعزل، إذن ما الحل؟
عندما كتبت موضوعي السابق منذ ثلاث سنوات قلت أن علينا أن نهتم بنظم الدفاع الداخلية لابنائنا وشبابنا، وأن نحصنهم إيمايًا وأخلاقيًا، وأن نحاول جاهدين مواكبة التكنولوجيا في تطورها المتسارع، والسبب في ذلك أن يصبح الآباء والأمهات محل ثقة الأبناء وبالتالي يصبح الإنقياد لنصحهم وتوجيهاتهم في مثل هذه المجالات أيسر، لكني رأيت أن علي اليوم أن أضيف الكثير لأثري هذا الموضوع، فهناك ثقافة يجب أن يتشربها الآباء والمربون ، وأن ينقلوها للنشيء الجديد، إن أول ما يجب أن تضعه في اعتبارك وأن تنقله لصغير السن بين يديك هو ألا خوف فعلي من الإنترنت وشبكات التواصل، لا يوجد ما يثير الخوف والرعب إذا ما قمت بفتح حساب لك على أحد تلك الشبكات مستخدمًا اسمك الشخصي الثنائي، إن الحساب هنا لا يعبر عن شخصية أخرى وإنما يعبر عن شخصيتك، فبداية لا يجب أن يكون هناك ازدواجية بين شخصيتين: شخصية واقعية وشخصية افتراضية.
إن فكرة عدم الاإزدواجية على قدر كبير من الأهمية، فهي ستقوم سلوك الشخص على الإنترنت لأنه سيؤمن أن كل ما يصدر عنه في العالم الإفتراضي سيلحق به في العالم الواقعي، إذن لا مجال لتفريغ الضغوط أو تلبية أي رغبات غير مسموح بها في الحياة الواقعية، كما أن تواجد الأسر بأغلبية أفرادها على الشبكات الإجتماعية هو أيضًا شكل من أشكال السيطرة الإجتماعية الغير مباشرة، وهذا التواجد حتى دون توجيه النصح الدائم يصبح بمثابة الرقابة الحميدة، إنه سيجعل المستخدم في حالة وضوح مستمرة واستقامة طبيعية.
عندما تفاجأ بالاسم المستعار لابنك فعليك أن تتنبه وأن تسأله بوضوح عن سبب اختيار اسم غامض كهذا، وعليك أن تشرح له ثقافة الأسماء المستعارة، فهناك أشخاص تتطلب أنشطتهم اختيار أسماء مستعارة تصبح بمثابة أسماء شهرة لهم في هذا المجال، أما فيما دون ذلك فالاسم المستعار حقيقة لا قيمة له خاصة إذا اخترت اسمًا غامضًا، فاختيارك يدل حتمًا على شخصيتك، وقد سبق وشاهدت أسماء مستعارة تثير الدهشة بحق، البعض يستخدم معان سيئة، البعض يستخدم أسماء لا يمكن مناداته بها، البعض يستخدم جمل كاقتباسات محل الأسماء، والبعض يغرق اسمه بالزخارف، والسؤال هو: ما السبب وراء هذا الاسم أو ذاك؟ أين أنت من هذا الاسم؟ هذا بعض مما يجب أن نضعه في اعتبارنا في هذه الأيام.
هناك أيضًا ثقافة الصور الرمزية في المنتديات والشبكات الإجتماعية، إن الصورة خير دليل ومعبر عن الشخصية، وبإمكاننا أن نستقرئ الكثير من الصورة الرمزية لشخص ما، فصفات كالإنطوائية أو حب الظهور يمكن أن تظهر بوضوح من خلال اختيار الصورة الرمزية، و الإختلاف واضح بين صورة مرعبة مثلاً يطغى عليها اللون الأسود والأحمر وبين صورة مشرقة، والـمثلة كثيرة ويصعب حصرها.
واليوم أصبحت أدوات النشر وتسجيل الإعجاب من أكثر ما يبرز الشخصية على أن تستخدم استخدامًا صحيحًا، فأنت تعجب بما يعجبك حقًا، ولا مجال للمجاملات هنا، فقد يضع صديقًا لك فكاهة لا تروق لك وترى أن ليس من اللائق أن تعيدها في الواقع، وهنا لا تقم بالضغط على زر الإعجاب مطلقًا مادامت لا تعبر عن جزء من شخصيتك، كذلك عندما تقوم بمشاركة الآخرين خبرًا أو مقالاً أو أبياتًا من الشعر، فأنت بين أمرين: إما أنك معجب بهذا المحتوى وتعيد نشره مقترنًا باسمك فأنت راضٍ عنه، وإما تعيد نشره لتدون عليه ملاحظاتك وتدير النقاش مع من حولك حول هذا الموضوع، فلا تسيء استخدام زر المشاركة وعبر عن شخصيتك دومًا.
وأسلوب الحوار المتبع ومفرداته هي أيضًا جانب لا يمكن تناسيه، فإن كان ابنك يتحدث بأسلوب في واقعه وبآخر في عالمه الإفتراضي فعليك أن تناقشه بجدية في هذا الأمر، واضعًا في اعتبارك اختلاف الظروف، فالشبكات الإجتماعية ليست بيت الأسرة الصغير ولا بيت العائلة؛ إنها المجتمع المفتوح بلا حدود وهذا المجتمع يتطلب نوعًا خاصة من الأسلوب.
إن تحديد الهدف من التواصل الإجتماعي عبر الشبكات أمر شديد الأهمية، وكل له غرضه من فتح الحساب على هذه الشبكات، فهناك من يريد التواصل مع أسرته فقط، وهنا لابد وأن يقوم هذا الشخصي بإغلاق حائطه وملفه الشخصي ، وعليه أن يحجب كل هذا عن الغرباء ممن ليسوا أصدقاء له، وعليه أن يقبل صداقة من يعرفه حقًا، وهناك من يرغب بعرض أفكاره أو منتجاته، ويتعامل مع الآخرين باعتباره شخصية عامة فلا يدون شيء من خصوصياته مطلقًا، وهنا يكون من مصلحته أن يتح للجميع قراءة ما يكتب مع الحرص على خلو المحتوى من المضامين الشخصية وإلا اصبحت حياته مشاعًا للجميع، وثمة شخصيات تتوسط بين هذا وذاك ولكل حالة ما يناسبها من اجراءات الخصوصية، وعلى المربيين أن يدركوا مثل هذه الإعتبارات وأن ينقلوها لابنائهم بتفتح واقتناع.
لا يمكنك أن تنعزل تمامًا عن التكنولوجيا ولكن اهتم ببناء نفسك داخليًا، وتعلم كيف تقاوم الأخطار، وكيف تستخدم أدوات الإتاحة والمنع ، ولا تكن غير ذاتك، إن الأسوياء فقط تتطابق صورهم في العالم الحقيقي والعالم الإفتراضي.


نسمة السيد ممدوح
9 إبريل 2012


اتبعني على Facebook