"أنت عمري" رؤية خاصة

"أنت عمري"

قرأت ذات مرة بأن البعض يرى أن قصص الحب غير الشرعية هي أكثر ما يجذب الجمهور ، ولهذا يتجه الغالبية من الكتاب لطرح مثل هذه العلاقات في القصص والروايات والمسلسلات والأفلام السينمائية، ولو راجعنا الواقع سنجد أن هذا الاتجاه موجود بحق، والمقصود بقصص الحب غير الشرعية هو قصة حب لا تكتسب الشرعية الاجتماعية أو الدينية، وبالتالي نهايتها تكون مأساوية في الغالب، ومن الأمثلة على هذا النوع تعلق زوجة برجل آخر كاتب أو ممثل مثلاً، أو حب بين اثنيين اضطرتهما ظروف الحياة للانفصال وأصبح لكل واحد منهما شريك ، ثم التقيا من جديد ومازال الحب حيًا وناره متأججة في صدريهما، وهناك أيضًا حب الزوج لامرأة أخرى وهكذا، على كل حال أنا أرفض هذا المبدأ، وأرى أنه محاولة لكسب الجمهور وليس تأديبه والارتقاء به، إنه نوع من المسايرة فقط.
لماذا اخترت هذه المقدمة؟ هذا هو السؤال، فلقد دفعني لكتابة هذه الأسطر إعجابي بقصة الفيلم السينمائي "أنت عمري" بطولة هاني سلامة ونيللي كريم ومنة شلبي وهشام سليم، وإخراج خالد يوسف، خضت نقاشًا ذات مرة مع شخص عزيز علي حول قصة الفيلم، كان الطرف الآخر مستاءً من قصة الحب التي ولدت بين الزوج المريض وراقصة البالية، وبالنسبة لي كان يعني هذا الحب شيئًا مختلفًا، في رأيي لا يجب أن نحكم على حالة ما دون النظر للظروف التي أدت إليها، ومع ذلك فبعض الحالات لا تكون الظروف المؤدية إليها مسوغًا كافيًا لقبولها، ولكن في مثل هذه الحالة محل الحديث الأمر يختلف، أو هكذا هو بالنسبة لي، ثمة قصة حب نشأت بين زوج صدم بحقيقة مرضه القاتل، سلمته الصدمة للاكتئاب والشعور باليأس، من الممكن أن نتصور حالة التشوش التي قد تصيب الإنسان في موقف مماثل، زوج شاب يحب زوجته بشدة وهو القائد الفعلي لسفينة الأسرة، أب لطفل صغير، مهندس ناجح يصدمه القدر بحقيقة مرض قاتل لا شفاء منه، يدفعه هذا الإضطراب لاعتقاد أن بقاءه مع زوجته ووالده وابنه ضربًا من الأنانية، وأنه بهذا يسعد بقربه منهم في الفصول الأخيرة من حياته، في المقابل هو لا يدفع إليهم غير الألم والعذاب الروحي، يهديه فكره لضرورة الابتعاد عن الأسرة، ليس للعلاج وإنما لانتظار القدر المحتوم، يسعى لتأهيل زوجته لهذا المصير الذي اختاره لها بنفسه، يشركها في تفاصيل حياته العملية ثم يفاجئها ذات يوم بسفره للخارج لمدة شهر في رحلة عمل، ويرفض أن تصحبه للمطار، تستسلم الزوجه للواقع، ثم يبدأ فصلاً جديدًا في القصة، ينتقل الزوج لمكان آخر، تشتد آلامه فيحاول الاتصال بالطبيب عله يجد لديه علاجًا مسكنًا لهذه الآلام، تظهر في القصة راقصة البالية، شابه مصابة بذات المرض، عاشقة لفن البالية، يحاول الطبيب أن يطبق نظريته في العلاج الجماعي، فيسعى للتقريب بين الزوج وراقصة البالية، ليس لاختلاق قصة حب بين الاثنين، بل هو يعتقد أن هذا سيكون دافعًا للشفاء وفق نظرية العلاج الجماعي، زوج يائس وشابة يائسة يسعيان لتحدي المرض، مع الوقت تنشأ قصة حب غير مقصودة بين الاثنين، لكنه حب من نوع مختلف، ورغم اعتراضي على بعض مشاهد الفيلم التي لم تأتي لإثراء القصة وإنما لارضاء الجمهور وكسب المزيد من الإيرادات، على كل حال تمضي الأيام وتبدأ الزوجه في البحث عن زوجها الغائب، يقودها البحث للمستشفى الذي يقيم فيه، تفاجأ بزوجها وراقصة البالية، يتأزم الموقف بشدة وتظهر الفكرة الرئيسية في الفيلم، هناك أربعة أطراف لكل منهم رأي مختلف: زوج مضطرب اعتقد في غمرة اليأس أن ابتعاده عن أسرته هو أفضل ما يقدمه لهم، ثم يصدم بواقع جديد وهو أنه ارتبط عاطفيًا بفتاة أخرى، زوجة تتمسك بحقها في بقاء زوجها معها وأن قضاؤه الأيام الأخيرة من حياتها معها هو من حقها وحق ابنها، وترى أن ماحدث هو خطأ يجب التراجع عنه، شابه مصابة بمرض قاتل تصدم بحقيقة تعلقها برجل متزوج من أخرى هي أحق منها بالحياة بقربه، طبيب قاده اعتقاده العلمي لاختلاق مشكلة اجتماعية وعاطفية لا يملك حلها سوى بسؤال الزوجة التضحية باعتبارها الأقوى، وأن الزوج وراقصة البالية في حالة ضعف نفسي ، توجه الزوجة كلامًا قاسيًا لراقصة البالية ويعود الزوج مع زوجته، تزداد الحالة الصحية للزوج وراقصة البالية سوءً، يعود الطبيب لمناشدة الزوجة الرحمة والتضحية، تمر الأيام وتستجمع الزوجة كل قوتها ، فتسجن مشاعر حبها واحتياجها لزوجها وتطلب منه أن يذهب لراقصة البالية لأن بقاءهما معًا يعني الأمل ومزيد من الحياة بالنسبة لهما، يشعر هو بالندم الشديد ويكبر تضحية زوجته، لكنه يلبي طلبها ، تعود اللقاءات للظهور من جديد بين الزوج وراقصة البالية التي استعادت بعضًا من قوتها، تشارك في استعراض كبير وينتهي دون سقوطها على خشبة المسرح مغشيًا عليها من المرض، فقد تحسنت صحتها كثيرًا وكذلك الزوج، تعترف هي للزوج بأنها تكبر تضحية الزوجة، وأنها لو كانت في مثل موقفها لما استطاعت أن تقدم عليها، تخبره أن عليهما أن يفترقا وأن ما حدث يكفي، قد تجاوزا الأزمة أو معظمها، يعود هو لزوجته ويفاجأ المشاهد في نهاية القصة بالابن يتسلم الجائزة الأولى في إحدى المسابقات، وتظهر الزوجة وراقصة البالية معًا وقد شاب رأسيهما، لقد مات الزوج وتوطدت العلاقة بين المرأتين، يعلو صوت الأب من شريط تسجيل قديم كان يتنبأ فيه لابنه بهذا المستقبل السعيد وتظهر كلمة النهاية.
في اعتقادي أن هذا الحب الذي نشأ في هذه القصة لم يقصد به حبًا غير مشروع؛ وإنما هو حب غير طبيعي نشأ لظروف غير طبيعية، وليس الهدف من الفيلم أن يخبرك ما إذا كان ما حدث صوابًا أم خطأ ، وإنما هو يعرض حالة غير طبيعية قد تصطدم بها يومًا، وعندها يكون عليك أن تفكر ماذا يمكن أن تفعل؟ وحين تشاهد الفيلم وتحاول أن تتقمص دور الزوجة وتساعدها في اتخاذ القرار يتحقق الهدف الحقيقي من القصة: مزيد من الحكمة، مزيد من الشفقة، مزيد من التضحية، ليس الإنسان الصحيح كالمريض، وليس كل المرضى سواء، لا كتب الله عليك وعلينا مرضًا قاتلاً يجعلك تنتظر النهاية انتظارًا، الظروف غير الطبيعية قد تنتج قرارات غير صائبة، لأن صاحبها لم يمنح الوقت ليفكر بتعقل وروية ووضوح، فكرًا مضطربًا لن ينتج صوابًا، وعلى جانب آخر حين تتقمص دور الطبيب وتفاجأ بنتيجة التطبيق النظري دون مراعاة للكثير من العوامل الإجتماعية، عندها ترى أن العلم لا يجب أن يسير وحده، وإنما هناك أعراف اجتماعية ودينية من الضروري مراعاتها.
لأجل هذا أعجبت بالقصة، وربما أنكم تشاركوني الرأي أو تخالفوني فيه، ولكن تمنيت أن تعرض القصة دون مشاهد رخيصة لا هدف منها غير الربح، قد كادت مثل هذه المشاهد أن تغير المعاني أو أن تلبسها ما ليس لها، أعتقد أن من شاهد الفيلم كما شاهدته يستطيع أن يدرك ما أعني.

نسمه السيد ممدوح
1 أكتوبر 2011


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اتبعني على Facebook