السبت، 9 نوفمبر 2013

قوة الكلمة



قوة الكلمة

بينما كنت أمارس بعض أعمالي في أكتوبر من عام 2004 أي منذ تسع سنوات سمعت عبر إذاعة الشرق الأوسط المصرية تلك القصة، لا أذكر تفاصيل الأسماء والسنوات ولكن أذكر مجملها، تقول القصة – وهي واقعية –:
في بداية علاج حالات الكاتراكت أو المياه البيضاء كان الجراح يقوم بتغطية كلتا العينين بعد الجراحة لعدة أيام وإن كانت الجراحة قد تمت بإحدى العينين فقط، وكان السبب وراء ذلك: أن حركة العينين مرتبطة ومتأثرة ببعضها البعض، فإذا أرنا تثبيت إحدى العينين وجب تثبيت الأخرى معها، وكان المريض دائمًا ما يشكو من هذا الإجراء فيواجهه الطبيب بالتعاطف والإصرار على تنفيذ الإجراء لما له من منفعة، وحدث أن أصيب أحد جراحي العيون بالمياه البيضاء، وبالطبع تعرض للجراحة والعلاج ذاته، وكان إجراء تغطية كلتا العينين من بين تلك الإجراءات، والفارق الوحيد أن هذا الجراح كان ذو حس أدبي، فوصف معاناته في تلك الفترة وصفًا بليغًا، وأصبحت معاناة المريض النفسية عاملًا جديدًا دفع الأطباء لإعادة النظر بالأمر، وأصبح الحرص على نفسية المريض ينظر إليه بأهمية أكبر من ذي قبل، وبدا من الضروري تحقيق التوازن بين الاهتمام بنفسية المريض وتحقيق الشفاء له بعد الجراحة بأسرع ما يمكن، ولأجل هذا عدل الأطباء عن فكرة تغطية كلتا العينين، وتحولوا للاكتفاء بتغطية العين المصابة مطيلين بوقت العلاج إلى حد ما لصالح نفسية المريض، وبهذا انتهت القصة، ما اللافت للنظر بالقصة؟
إنها الكلمة! فلولا قدرة هذا الجراح على تصوير معاناته على هذا النحو الدقيق لما فهمها أو وعيها أحد، فالكلمة تصنع فارقًا كبيرًا، والكلمة التي تصدر عن نفس ذات حس مرهف تصبح أقوى أثرًا، واذكر أني كتبت مقالًا عن تجربة شخصية بعنوان "أنت الطبيب وأنت الدواء" وعندما قرأته صديقة لي قالت: "ليت لي طبيبًا مثلكِ" من الغريب أن يقرأ شخص تجربة غيره وهي مملوءة بالألم ثم يتمنى أن يحظى بطبيب كطبيبه! هي في الواقع لم تتمنَ الالم؛ وإنما تمنت ما ترتب عنه من تجربة نفسية وحسية مميزة، وبالرغم من أن الجميع يعاني من الآلام ومؤكد له تجاربه مع أطبائه إلا أن التصوير يختلف، والإحساس ومن ثم التعبير يتباين من شخص لآخر حسب قدرته على الإحساس وقدرته على التعبير ومستواه اللغوي، البعض يعبر بالرسم لا بالكلمة، ولكن تبدو الكلمة أكثر قوة وسحر، لسهولة استيعابها ومناقشتها، ولأنها تحدد بدقة ما يريده الكاتب.
لأجل هذا لا تبخلوا على غيركم بكلماتكم، إن سؤلتم فأجيبوا بصدق، وإن حضرتم نقاشًا ولكم فيه رأي فاطرحوه بقوة وثبات، وإن استمعتم فاستمعوا بإخلاص، فكل كلمة تسمعها أو تقولها هي مولد لفكرة جديدة قد تغير العالم من حولك.

نسمة السيد ممدوح

9 نوفمبر 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اتبعني على Facebook