السبت، 25 أبريل 2009

هل الإنسان اجتماعي بطبعه؟

هل الإنسان اجتماعي بطبعه؟

" الإنسان كائن اجتماعي بطبعه" كثيراً ما تتردد هذه العبارة على الألسنة دون أن تثير التساؤل حول دقتها، وفيما إذا كان الإنسان بالفعل هو كائن اجتماعي بطبعه ـ أي أن الاجتماعية طبع متأصل فيه ويكاد يكون أشبه بالغريزة، حيث يكون الإنسان مدفوعاً إليه برغبته ولإشباع دافع لديه،ولأنه بذلك يمارس شيئاً زرع ً في فطرته ـ أم أن الإنسان كائن مدفوع تحت ضغط الحاجة إلى أن يكون اجتماعياً؟
إن القول بأن الإنسان اجتماعي بطبعه، وأنه لا يستطيع العيش بدون مجتمع يرسم علامات استفهام كبيرة حول الأفراد الذين ينعزلون في الجبال والغابات بعيداً عن مراكز التجمع البشري، خاصة وأن هؤلاء يستطيعون في ظل العزلة المحيطة بهم أن يمارسوا حياتهم بشكل طبيعي، ولكن يبدو أن هذه العزلة قد تركت آثارها على بعض جوانب حياة هؤلاء، وبمعنى أدق فإن هذه العزلة قد قضت على مفهوم حياة الرفاهية لديهم، ومنعتهم أيضاً من إشباع بعض الرغبات البشرية الطبيعية ولو كانت بسيطة كرغبة في نوع معين من الطعام أو اللباس.
فلو كان الإنسان اجتماعي بطبعه لما وجد هؤلاء، ولما استطاعوا ممارسة حياتهم ، لأنهم في هذه الحالة سيفقدون شيئاً أساسياً في حياتهم، وسيحرمون من إشباع رغبة أساسية وهامة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال الامتزاج داخل تجمع بشري.
والحقيقة أن الإنسان يبدو وكأنه مدفوع إلى الاجتماعية ليس لإشباع رغبات ثانوية كحب الظهور وإثبات الذات على سبيل المثال، أو لتبادل الخبرات، وإنما هو مدفوع إلى ذلك للحفاظ على مستوى معين من الحياة يتسم بنوع من البساطة واليسر وإشباع أكبر قدر ممكن من الرغبات الشخصية البسيطة والثانوية، وللوصول إلى درجة ما من الرفاهية.
ومع ذلك توجد درجات للاجتماعية تختلف من شخص لآخر طبقاً لمكونات شخصية الفرد وحاجاته ورغباته، وتلعب قدرات الفرد دوراً في ذلك ، فالشخص الذي يشعر بدرجة ما من الاكتفاء الذاتي ، والقادر على ضبط رغباته والسيطرة عليها يكون أقل اجتماعية من غيره، في حين يشعر الشخص الضعيف بحاجته الماسة للامتزاج داخل التجمع البشري لتحقيق الاكتفاء ولو بدرجة معقولة.
فالإنسان كائن اجتماعي مدفوع إلى الاجتماعية أو بمعنى أدق إلى درجة ما من الاجتماعية للحفاظ على حياة على درجة ما من درجات الرفاهية ومن الاكتفاء.

نسمه (senura)

الأحد، 19 أبريل 2009

الدرج المكسور

الدرج المكسور

ويقولون بين العبقرية والجنون حاجز بسماكة شعرة وينسون بأن بين الفشل والنجاح خطوة، فعلى سلم الحياة خطوة تقودك لأعلى وأخرى تهوي بك وتطرحك أرضًا، وربما غصت في الأعماق ، وإذا سقطت لن تجد من يمد لك يد العون فاحذر الهاوية، والدرج عالٍ، حالك الظلمة، مكسورالدرجات، فاستعن بمصباح من العلم والإيمان، وتسلح بهدف نبيل، وكلما خطوت خطوة للأمام التفت لحظة للوراء علك تجد من بحاجة إليك ، حتى إذا أوشكت يومًا على السقوط وجدت من يمد لك يده، وكلما صعدت أكثر فاحذر من مدح الآخرين ، هم فقط لا يعلمون، فسر نجاحك قد يحيلك يومًاإلى بائس مكسور، وقد تجد نفسك مضطرًا للتبسم وقت يقتل بداخلك معنى الجمال في الوجود، وإذا بدوت لهم غريب الصورة مختلف النبرات ظنوا بك ظن المغرور، أو ربما قالوا عنك كفعل السيف بالأعزل الجريح، فاحذرهم ولاطفهم حينًا، واعتزلهم أحيان علك تسلم في لحظات ضعفك من سيوفهم ورماحهم التي سترديك وقت تصرع الرحمة ويغيب من الدنيا الحنان.

نسمه (سنيورا)
19 ابريل 2009 م

كن سعيدًا

كــــــــن سعيــــــــــــــــدًا

السعادة حالة نفسية تكتنف الإنسان عندما يشعر بالرضا عن نفسه وعن أفعاله، وعلى الرغم من أن الكثيرين يعتقدون بوجود شكلين للسعادة: يختص أحدهما بالجانب المادي للحياة والآخر بجانبها الروحي، إلا أن السعادة في حقيقتها حالة نفسية وعاطفة تنبع من القلب وتغمر النفس، ومسبباتها تكاد تكون جميعها معنوية حتى تلك التي تبدو في ظاهرها مادية، فالمال الذي يمنحه الأب لابنه كونه أحد أسباب السعادة المادية ليس إلا ترجمة رمزية لمشاعر الأب الحنون المحب لابنه، والأخيرة سبب معنوي لا مادي.
وأسباب السعادة قد يسعى إليها الفرد بمفرده: كأن يجتهد الشخص في عمله ليبلغ ما هو افضل وبالتالي يتحقق له الرضا ويشعر بالسعادة، والإجتهاد ليس إلا تعبير عن عاطفة داخلية منبعها حب الفرد لذاته وتقديره لها، فالسبب في أصله معنوي ونابع من داخل الفرد، في حين أنه في كثير من الأحيان ينبع السبب من طرف آخر، وعلى الرغم من ذلك فكلا الطرفين في هذه العلاقة يشعر بالرضا ومن ثم بالسعادة، فالأم التي تحنو على طفلها وتلاعبه بالساعات هي سبب من أسباب السعادة للطفل ولكنه سبب خارجي، والملاعبة ايضًا سبب داخلي لسعادة الأم؛ لأنها قد وصلت إلى الرضا في تعاملها مع طفلها ونجاحها في إسعاده.
ولقد من الله سبحانة وتعالى على خلقه بالكثير من أسباب السعادة الروحية، وليس هناك ما هو أجمل من شهر رمضان الكريم وعيده في رأس شوال، حيث تعد النفس إعدادًا روحيًا لتلمس أسباب السعادة ولو كانت في ظاهرها مادية: كشراء الثياب الجديدة أو التهادي أو على أقل تقدير صنع الحلوى الخاصة بالعيد، فجميعها مادية في ظاهرها نابعة من الحب المتبادل بين الأفراد في باطنها ، وكلما كانت عاطفة الحب أقوى كلما اكتست هذه الأسباب بحلاوة أكبر، فالعيد سبب لتهيئة النفس البشرية للمضي في سبل السعادة ، ويكفي أن يكون اختتام شهر رمضان الكريم سبب كافٍ لتحقق الرضا الداخلي للفرد وغمره بالسعادة لكي يحاول منحها لمن تربطه بهم عاطفة الحب الصادق.

نسمه (سنيورا)
17 سبتمبر 2008م

رمز تغير

رمـــــــز تغيــــــــــر

يتغير العالم باستمرار، وتختلف سرعة هذا التغير من مرحلة لأخرى، ومن الملاحظ أن عجلة التغير أصبحت تدور بسرعة كبيرة في السنوات الأخيرة، واختلفت مظاهر الحياة بشكل كبير، وفي خضم هذا التغير اهتزت بعض الرموز التي رسخت في المجتمع لعهود طويلة.
وقديمًا كان المعلم هو رمز العطاء ، وهو المحب للعلم والناقل له ، ولهذا نال المعلم الشرف في أن يكون وريث للأنبياء: يحمل رسالة عظيمة تكمن في توصيله للعلم على سموه وعلو قدره، وكان هذا يتطلب من المعلم بالضروره أن يكون في وضع يسمح له بحمل هذه الرسالة، وهو قبل كل شيء قد ارتقى فكره، وتهذبت نفسه، وحسن سلوكه، ولأن بين يديه تترك العديد من الأسر أبناءها وبناتها لساعات طويله؛ فحري به أن يكون سوي النفس ، يعي جيدًا كيف يعامل من هم دونه من الطلاب؟ وكيف به أن ينظر إليهم نظرة المسؤولية؟ وأن يحترم فيهم شخصياتهم؟ وأن يكتشف مواهبهم وأن ينميها؟ وأن يكون جديرًا بلقب المعلم؟
فالمعلم هو القدوة التي يتأثر بها الطالب خاصة في السن المبكرة، ولهذا كان المعلم في الصفوف الأولى الابتدائية وما قبلها أخطر من غيره، وكان لزامًا على المجتمع أن يدقق في اختيار أفراد هذا المنصب مراعيًا الخلفية النفسية والاجتماعية للمعلم، ومن جانب آخر كان على الأسرة أن تغرس في ابنائها احترام المعلم وتوقيره، وكان عليه هو أن يفعل ما بوسعه ليكون جديرًا بهذا الاحترام والتوقير.
ولقد ظل الوضع على هذا النحو لسنوات عديدة وإن لم تخلو من نماذج سيئة آذت تلك الصورة بشكل أو بآخر، إلا أن ما حدث في الوقت الحالي من تحول دور المعلم إلى مجرد مهنة يتكسب من ورائها، والاهتمام بالجانب المادي لهذا الدور والمظاهر التي ترتبت على ذلك: من انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية وتضخمها بشكل كبير ـ كل ذلك عمل على تشويه صورة المعلم بداخل الطلاب خاصة وأن الطالب حين يمد يده بمظروف النقود للمعلم يكون في موقف حرج لكلا الطرفين، وللأسف فكثير من الأسر تضع أبناءها في هذا الموقف الصعب، كما أن المعلم نظرًا لقسوة الحياة، وتعذر المعيشة، ونقص المرتبات أصبح يرتضي لنفسه هذا الوضع ، بل أصبح يطالب بمقابل الدروس الخصوصية ليس من أولياء الأمور؛ ولكن من الطلاب أنفسهم، فانهار حاجز الاحترام والتوقير بين المعلم وطلابه، وأصبحت العلاقة بين الطرفين علاقة منفعة لا أكثر، وأدى تركيز المعلم على المرتب وعائد الدروس الخصوصية إلى التدهور في مستوى التدريس، كما أدى هذا الضغط النفسي إلى سوء معاملة داخل المدارس والدروس الخصوصية، مما نتج عنه بالضرورة توليد جيل جديد من الطلاب: كارهون للعلم، نافرون منه، منتقصون من قدر ناقلة، مستهترون، محدودوا الآفاق، تسوقهم المادة ولا شيء غيرها.
وفي هذا الجو المشحون بالمادة لازالت هناك بعض النماذج الصالحة التي لازالت تعلي قدر العلم ، وتحترم شرف مهنة التدريس، فهي وإن تحولت إلى مهنة في الوقت الحالي؛ إلا انها بحاجة إلى ميثاق شرف يحكمها ، ويصون أفرادها، ويضمن جيل جديد، نقي، محب للعلم.

سنيورا
نسمه
12 أكتوبر 2008م

خطر

خطـــــــــــــر

ينظر الكثيرون للقوة على اعتبار ان ليس لها إلا الجانب المادي فقط، فقد تكون قوة السلاح أو قوة المال، إلا أن التجارب التي مر بها العالم في السنوات الأخيرة أثبتت أن هناك ما هو أشد من المال أو السلاح، وبرهنت على أن العلم هو القوة العظمى التي تبيني ما غيرها من أوجه القوى وفي مقدمتها القوة البشرية.
فالعلم هو المصباح الذي يخرج الأمم من ظلام الجهل إلى نور الحضارة، وهو السلم الذي يرتقي عليه الإنسان وصولاً الى الروحانية الحقة ، والسلوك السليم ، ولولا هذا الشرف العظيم لما جاء آخر الأديان مؤيدًا للعلم ، مؤكدًا عليه، محرضًا على طلبه والمضي في طريقه، ولولا فضل العلم، وسمو قدره، وعلو شرفه لما قال العزيز في كتابه "إنما يخشى الله من عباده العلماء" ، وكان يقال قديمًا "أدبه فلان" أي علمه، لأن في العلم تهذيب للروح ، وتسوية للسلوك، ولكن القضية اليوم لم تعد محصورة في طلب العلم من عدمه، بل أصبحت قضية ما هو العلم المفروض طلبه؟ وكيف يوظف؟
فلقد تعددت فروع العلم، وبات فيها قسمان كبيران يضمان بداخلهما المئات من الأفرع الصغيرة، فأصبح هناك علم نافع وآخر ضار، وإن كان التصنيف على هذا النحو يبنى في الأساس على طريقة توظيف هذا العلم، فعلوم الذرة والبيلوجيا والكيمياء استخدمت في العهود الأخيرة على نحو مختلف لتخدم أغراض التسليح، وبدأت مسميات الأسلحة النووية، والبيلوجية، والجرثومية، والكيماوية في الظهور والانتشار على مدى واسع، كما استغلت علوم الحاسب ونظم الشبكات لتخدم أغراض التجسس والجريمة: كسرقة البنوك وغيرها، وظهر في العالم وفي قاموس الجرائم ما يعرف بجرائم المعلومات وانتهاك الخصوصية، وبات الخطر كبيرًا جدًا، وأصبح لزامًا علينا أن نحدد اليوم كيف نوظف العلم حتى نبقي على شرفه، وحتى يظل سلم للرقي لا للانحدار الأخلاقي والإنساني.
وليس لنا سبيل إلى ذلك إلا بناء الإنسان روحًا لا جسدًا فقط، والحفاظ على القيم الأخلاقية في ظل تيار المادة الذي يسري في العالم كما تسري النار في الهشيم.

سنيورا
نسمه
12 أكتوبر 2008م

في حب الله

في حب الله

الحب عاطفة سامية منَّ بها الرحمن على عبادة، ويُحار العقل في إيجاد تعريف أو تفسير لهذه العاطفة ، وفي تحديد منبعها، وإن كان الإنسان يعبر عنها بصور عديدة، ويشعر أن منبعها القلب، إلا أن العلم لا يزال عاجزاً عن تحديد مصدر العواطف داخل الإنسان ومن بينها الحب، وإن كنا نؤمن بأن الروح سر من أسرار الخالق التي لم يُطلع عباده عليها حيث قال:" ويسالونك عن الروح قل الروح من أمر ري وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً"، وإن كانت الروح سر من أسرار الخالق فليس من العجيب في شيء أن تكون هناك رابطة بين الروح ومنبع العواطف داخل الإنسان.
واياً كان الامر فعاطفة الحب تنشأ نتيجة لسبب ما، أو أنها مبنية على شعور ما، فإذا قيل أنها وليدة الشعور بالتكامل بين شقين يتميزان بالنقص ويكمل كلاً منهما الآخر؛ فإن هذا المعنى قد ينطبق على عاطفة الحب بين الرجل والمرأة كنقيضين في الحياة يكمل كلاً منهما الآخر، وإذا قيل بأنها عاطفة تنشأ عن الشعور بالانتماء بين اثنين ينتمي أحدهما للآخر؛ فقد ينطبق ذلك على عاطفة الحب بين الأم ووليدها أو بين الأبناء والآباء، وإذا نُظر إليها على أنها وليدة الشعور بالراحة والأمان؛ لكان هذا سارياً على الحب الذي ينشا بين الإنسان ومسكنه أو بينه وبين سيارته أو قلمه المفضل.
ولكن ماذا عن عاطفة الحب السامية بين العبد وربه؟ إن هذه العاطفة لها صورتان: حب الخالق لمخلوقه والذي لا نعلم كنهه، حيث قال تعالى:"قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله" فحب الخالق لمخلوقه حقيقة واقعة صورتها مجهولة، وإن كان من مظاهرها الغفران والرحمة وقد يكون أيضاً الإبتلاء.
والصورة الأخرى لحب المعبود لخالقه، وتلك تنبع عن مزيج من المشاعر التي قد تتعارض أو يكمل بعضها بعضاً، فالعبد يخشى خالقه، ويتقرب إليه، ويساله عند الحاجه، ويحمده على النعمة، ويرجوه المغفرة، فهو إذن يشعر بضعفه، هذا الشعور بالضعف يولد الشعور بقوة الخالق وعظمته، وكلا الاثنين يولد الحب الذي يدفع بالمخلوق لطاعة الخالق ومراقبته.

نسمه
senura

من العمر عام

من العمرعام

ويمضي العام تلو العام ، وينقضي من العمر عام، وفي قلوبنا تارة كأنه أعوام، وتارة كأنه لمحات من عام..
وإذا انقضى العام وبات الجديد على الأبواب، إذ يزورنا ملك الشتاء، هو دائماً في كل عام: قاسي الملامح وعابس النظرات، وإذا أقبل علينا بعباءته السوداء هرب الطير من السماء ، وبدا صوت الرياح من بعيد مقبلاً كأنه زئير أسود تقترب، ويتخلل السطح الأزرق غيوم سوداء كأنه الزيت الأسود على صفحة البحر الزرقاء، وإذا ما أوشك العام أن ينتهي يفتح ملك الشتاء عباءته السوداء، فتغيب السماء ولا يبدو من الشمس إلا قليلاً من دفء، ويقترب زئير الأسود وترتجف النوافذ ولا بد من أن توصد الأبواب.
وخلف الأبواب الموصدة، تشتعل النيران تارة في المدفأة ، و تارة في الأفئدة، لازال ملك الشتاء متربعاً على العرش ولا بد من الانتظار، والشوق في القلوب لا يهدأ، فكأنه طائر صغير يرتجف تحت المطر، والعيون خلف النوافذ تنظر على وجل علها تدرك من الحبيب نظرة، أو صوت نافذة ترتعش ، أو ستار يزاح ليترك الفرصة لإصبع يلوح من بعيد ويتوارى في لحظات كي لا تدركه اللآلئ البيضاء.
وتمر الأيام والكل في انتظار أميرة الربيع الحسناء، أميرة الورد والزهر والريحان، أميرة الحب والجمال والأمان، وإذ هي بالأفق مقبلة ترى ملك الشتاء مضطرباً، يا لهذا المهيب يضطرب من فتاة حسناء، وما إن تبلغه حتى يسود الصمت فالحيرة فالترقب والدعاء، فهي تغلب ملك الشتاء بحسنها تارة، ويقسو عليها فتجافيه تارة، حتى إذا يئس منها، وامسكت هي بعصاه، نهض لكي يضرب ضربته الأخيرة، وتعالى زئير الأسود وأدركت حباب اللؤلؤ أن البقاء داخل المحار هو السبيل للخلاص، لم يدرك الملك الحسناء إلا وهي على عرشه جالسة هادئة، فلابد إذاً من الانصراف، وبالحسرة والخسران تصميم على نصر جديد على الحسناء الشاحبة في الخريف.
وحول أميرة الربيع ترى العشاق والأحباب في البساتين والحدائق جلوس، يتهادون بالورود، ويتنشقون الرياحين، ويلمسون الجمال، وتتعالى الضحكات هنا وهناك وكأن الشتاء ما كان.
وإذا حان موعد ملك الصيف ازدادت أميرة الربيع حسناً، ومع حرارة أشواقها تزداد نسمات الليل برودة وعذوبة، وحين يقبل الملك مشرقاً تترك له العرش راضية ليتربع عليه وهي بجواره جالسه، ومع التهاب أشواق ملك الصيف تلتهب أشواق العشاق، ويحلو السمر، وليس أجمل من التغني بالأشعار والعزف على الأوتار، وفي الليل تصل همسات أميرة الربيع نسمات حانية تزيد الليل سحراً وتملأ الفضاء عطراً.
وما إن يرحل ملك الصيف تشحب أميرة الربيع، وتغيب ورود الخدود ، وينطفئ بريق العيون ، فتشحب السماء، وتتساقط أوراق الأشجار من الحزن على الحسناء ، ومن بعيد يقف من يترقب ويتحين الفرصة، ويقبل بعصاة ، وإذا رأته أميرة الخريف انطلقت صرحاتها فزعة ترج الأجواء، وتهرب مسرعة فهي ولا شك القاضية ، ويصل ملك الشتاء إلى العرش، وتغيب السماء، ويتعالى زئير الأسود، وترتجف النوافذ، ولابد من أن توصد الأبواب.

نسمه (سنيورا)
15 ديسمبر 2007م

لسنا في الهوى اثنان

لسنا في الهوى اثنان

التقينا منذ سنين ، تعاهدنا على الحب وكم شقى بيننا الحنين ، كتبنا في الهوى ما لو رآه غيرنا لعدوه ضربًا من الجنون ، وظننا أننا قد أصبحنا كيانًا واحدًا حتى جاء يوم الودق، وأحاط بنا معطفك، يقيني من البرد وحبات المطر، يومها تقاربنا ، وظننا أننا بلغنا أعلى درجات العشق، وأننا لم نكن قبل سوى اثنين، حتى سقطت يومًا من هاوية الحياة، وبت أناشدهم بضع قطرات حمراء، فمددت إلي يدك، أن انزعوا مني نبض الحياة لتحيا ماشاء الله لها من أيام، يومها عرفنا أننا قد امتزجنا ، وأن دماءنا أصبحت شيئًا واحدًا، ولم نعد في الحياة اثنين، ولم نعد كيانًا واحدًا، لأننا أصبحنا روحًا لا روحين.
منذ ذلك الحين وأنا اراك في كل مكان، أنظرك في الفجر ، فهو مبيض بصفاء روحك، ألمس مشاعرك في حرارة شمس النهار، أنعم بهدوء نفسك في ظلمة الليل، وأظل ساهرة بقربك في ضوء القمر، أقص أجمل الحكايات، أروي لك عن الأميرة الحسناء والأمير الشجاع، لم نعد بحاجة لقصائد الحب والهوى، ولم نعد نكتب أسماءنا على أوراق الشجر، ولم نعد ننظر للبحر كلوحة من الرومانسية صنعتها يد المبدع الأعظيم، لم نعد بحاجة لأن نهرب من أعين الناس، نخشى على حبنا من نظراتهم المستغربة، فلم يعد حبنا يظهر لأحد، اختفى من على سطح الماء وغاص كثيرًا في الأعماق، لقد رسخ في نفسك ونفسي، دفن حيث لا يصل إليه أحد ، فلا نظراتهم تجدي، ولا كلماتهم تجدي، ولا كذباتهم تجدي، فقد سما فينا الحب حتى عن الكلام.
واليوم نذكر أننا منذ سنوات التقينا وظننا أننا بلغنا من العشق منتهاه، فلنضحك على مافات ، لقد كنا صغارًا لم نتعلم في مدرسة الحب سوى أحرف الهجاء، واليوم نحن نعلم صغار الشباب كيف يكون الحب بين روحين لم يعودا اثنيين.


نسمه (سنيورا)
21 نوفمبر 2008 م

قصر الرومانسية

قصـــــــــــــر الــــــــرومانسية

"سيدة القصر" هكذا أنا هنا منذ سنين، منذ أن نبض بداخلي قلب الفتاة وزارتني الأنوثة، وولت عني تلك الطفلة الساذجة، وإن تركت في عالمي أشياء كثيرة لا تنسى، ورسمت بطباشيرها على ذاك القلب الفتي أجمل ملامح الحياة، رسمت السعادة، والبراءة، لكن قلب الشابة ليس كقلب الطفلة، ومنذ أن نبض هذا القلب وعرف الحياة لم يرى سوى جدران هذا القصر، ولم أعرف نفسي سوى "سيدة القصر" أقضي أيامي وليالي بين الجدران، أرقب العالم من النافذة، أنظر إلى الناس، وكثيراً ما أحدثهم ويجيبونني، وقد تتلامس أيدينا ولكن.. ولكن لا أملك الخروج لهم، فلا أعرف أين مفتاح القصر ولا هم يعرفون.
وإذا ما أظلني الليل ، ونام الناس، ولم يبقى سوى ضوء القمر تراني أصعد طوابق قصري وأدلف إلى غرفة واحدة تلو الأخرى، جميع الغرف خالية لا أحد هنا ، والقصر على حالة منذ عشرة أعوام، ووسط هذا السكون أشعر باللذة ساعات وبالوحدة أيام وليالٍِ طوال، والوحدة قاتلة، تحرق النفس، وتميت المشاعر، وتعصف بالقلب فتحيله قلباً جليدياً لا ينبض، ولكن نار وحدتي تختلف، إنها تزيد النفس سمواً، والمشاعر التهاباً، والقلب دفئاً، حتى إذا بلغ الأمل ذروته، وتألق القصر بلهيب الشوق ، وبات سيد القصر على بعد أمتار ـ انطفأت الشموع، وخيمت الظلمة، وبلغ اليأس غايته، فلا سيد القصر يصل، ولا أبواب القصر تفتح، ولا مفر من انتظار الصباح.
"سيدة القصر" تحيا في قصر دون القصور، قصر لا هو من حجارة ولا من ذهب، قصر ليس له عنوان، قصر لا يبصره الناس، وإن مروا بجواره فهو عنهم مستتر، "سيدة القصر" تحاكي الناس وتعيش بينهم ولكنها سيدة قصر صنعه الفكر، وختمت عليه النفس بأنه "قصر الرومانسية" ، ويا أيها الرابض بين الضلوع اسكن هذا القصر فليس لك سواه، فانت إن خرجت للناس فأنت بلا شك مهزوم ، بل أنت منسي بلا اسم وبلا عنوان، فآثر الوحدة بين جدران ذاك القصر.
و"سيدة القصر" إذا ما مسها الحزن يوماً، أو زارها الفرح أغلقت النوافذ، وتركت الناس، وتفقدت غرف القصر علَّها تجد فيها ما تتوق إليه منذ أعوام، علها تجد الرومانسية المفقودة بين الناس والتي لا مكان لها اليوم سوى في قلوب القليل القليل، تلك الرومانسية التي يتغنى بها الشباب ، والتي تسعى الفتيات إلى بلوغها يوماً ، وهم يرونها كلمات يخطها القلم على ورقة بيضاء، أو هي وردة حمراء تتبادلها الأنامل يوم العيد، أو ألحان عذبة بتغنى بها الشعراء، و تراها سيدة القصر شيئاً آخر، إنها تلك الرابطة بين قلبين ، إنها ما يجعل أحد اثنين ليس بحاجة إلى أن يبكي أو يتحدث، فقط تكفيه نظرة للآخر ليدرك أن ما جاش به أحد القلبين قد مس الآخر، إنها ما يجعل الحبيب قادراً على أن يمسح عبرات خفية لم تلتمع بها مقلتي عيني محبوبته، لا بأنامله ولكن بنظرته، بمس الأنامل، ببسمة شفاة، إنها تلك القوة الخارقة التي تنبئ الحبيبة بقرب محبوبها وبحاجته إليها،إنها ما يجعل الوردة أكثر روعة وبهاءً من باقة الورود، إنها ما يجعل القمر وضاءً باسماً، إنها تلك الرابطة التي تدفع باثنين لأن يتحدثا بغير كلام، إنها القدرة على تجسيد الحب وليس الحب،القدرة على الحفاظ على الحب نهر جارِ متدفق على مر السنين.


نسمه
سنيورا

أختاه

أختــــــــــــــــــــــــاه

أختاه،
اليوم أعرف معنى الاشتياق وما عرفته من قبل، أو كأن ما مر بي في هذه الحياة رماد نثرته الرياح من حولي ، فلم يعد في ذاكرتي من آثارها شيء، واليوم انا لست هنا، بل أنتي لم تعودي هنا بقربي، لا أدري ما ذا حدث، ولكن أذكر ذاك الحلم المشترك..
أختاه، اليوم أنظر إليكِ ولكن لا تبصرني عيناكِ، أحاول أن أنفذ إلى قلبك فلا أستطيع، لقد أوصدت أبوابه، ولم يعد كما كان، في الماضي كنت أراه، وأرى صورتي تنعكس في عينيكِ، واليوم غابت صورتي من مرآتكِ التي قد اتشحت بالسواد، فقط سواد وصورتي لا تتلاشى لأنها ليست هناك.. أحاول أن أنظر علِّي أرى أعماق قلبك كما كنت أراها منذ سنوات، فلا أرى سوى بصيص من نور والأبواب مغلقة، لا أدري أفقدت مفتاح تلك الأبواب أم أنكِ غيرتي الأقفال؟ أم هو الحزن قرب بين ضلفتي الباب ولم يمنح الفرصة سوى لذاك البصيص الضعيف الذي لا يدل إلا على أنكِ لازلتِ على قيد الحياة، إني أراه نوراً تتخلله الحمرة، بل هي تكسوه حتى بات كالدم أو هو لهيب النيران، لا يا أختي لا تحزني علي، ولا تذرف عينيكِ دمعة، فما أنا ببعيدة، أنا هنا من حولكِ، ألا تشعرين بيدي تمس كتفك؟ ألا تري عيناي تنظر إليكِ؟ وروحي ألم تعد تصاحبكِ في ذهابكِ وإيابك؟
لا يا أختي أنا لم أنسى ما كان بيننا، لازلت هنا بقربك، أراكِ ولا تبصريني، أسمعك وأحدثك ولا تجيبيني، أرى عبراتك تحرق الوجنة الصفراء فينغرس الخنجر في صدري ولا أملك أن أمسح عبراتك كما كنت أفعل، أسير إليكِ وأراكِ تقتربين من طاولتي، تمسكين أقلامي، تداعبين أوراقي، ولكنكِ لا تبلغي مكاني، نعم يا أختي لم أنسى أمنيتنا الوحيدة التي تمنيناها طويلاً ولم تتحقق، أنا هنا الآن وحدي، وقد كنا منذ أعوام نخاف لحظة الفراق، ولكن أبى القدر إلا أن نفترق، وكما مزج الله قلبينا في رحم أمي مزج روحينا ولو فرقتنا العوالم ، ولو كان بيننا خيط الحياة، اليوم بل لا أقول اليوم ولا الأمس ولا اللحظة، فما عاد في عالمي للزمن معنى، ولكن أقول: أختاه أسألك بالله أن تنسي تلك الأمنية، وابتسمي للحياة ، وانظريني في أحلامك، وعلى صفحات كتابك ، وعلى فراشك ، وبجوارك على مائدة طعامك..
انظريني فما أنا ببعيدة بل إلى روحكِ قريبة ، وإني لأسكن في أعماقكِ ، وفي أحلامكِ ، وفي عالم ذكرياتكِ.

نسمة
senura
10 سبتمبر 2007م

أحزاني لن تمحيها السنون

أحزاني لن تمحيها السنون

لازلت أذكر مقهانا القديم، لازلت أذكر مجلسنا ونحن نرتشف القهوة ونتبادل قطع السكر، تلقيها في قدحي والقيها لديك، لازلت أذكر نظرتي إليها وهي تذوب في هذا السائل المر المذاق لتكسوه طعماً جديداً، وتزيد في حلاه، لازلت أذكر كيف كان قلبي يذوب مع ذوبانها، يذوب مع عذوبة المشاعر وسحر المكان، ومع صوت دقات قلوبنا.
واليوم أنا هنا في ذاك المقهى القديم، أرتشف قهوتي وحدي، وأمامي مقعد فارغ كنت ملكه يوماً،أمد يدي وأتناول قطع السكر، قطعة قطعة، تذوب قطعي في قدحي ولا أشعر بها، فالقهوة لا تزال مرة المذاق، وانظر إليها وهي تذوب، فأشعر أنها مثلي تذوب في سائل حار كما أذوب انا اليوم في حمم مشاعر ملتهبة أوقدتها السنون، لا أسمع سوى دقات قلبي وحدها تتحدث، لا.. بل إنها تئن، أسمع أنينها ولا أجيبها سوى بدموع صامته تنبع من داخلي وتذرف داخلي، لا تكاد تبصرها في عيني، فهي سجينة هذا القلب الذي تربي بين يديك، وعرف فيك الحب والحنان، وعرف فيك القوة والصبر، فلا أستطيع أن أذرف دموعي ، ولا هي تقوى على أن تسيل على وجنتي ، كي لا أغترب عنك.
علمتني القوة في الأحزان، علمتني الأمل عندما تخيم علينا ظلمة اليأس، علمتني ألا أصرخ، وألا ابكي، وألا أنهار، دموعي لا يراها سواي، وأنيني لا يسمعه سواي، وألمي لا يشعر به سوى قلمي الذي يكتب، وما تعلم قلمي الركض على الأوراق إلا معك، كنت أعشق القراءة ولكني لم أكتب يوماً، ولكن في مقهانا القديم كتبت لأول مرة، نعم كتبت لأول مرة، لم يتبختر قلمي على الأوراق ، ولم يتثاقل، ولكن ركض عليها، تحررت مشاعري من أسر الصمت والوحدة وانطلقت، دفعت قلمي ليكتب، خط معك أحلى الكلمات، علمتني كيف أصادق الأوراق، واليوم أنا اكتب ولكن..
أكتب بدونك، أخط وحدي أقسى الكلمات، ما عدت أرى الشمس في الصباح، ولا ضوء القمر في المساء، هجرتني النجوم، وحتى الربيع ما عاد يزورني كل عام، ونحن في الماضي كنا نستقبله معاً بعد الشتاء، كنا نتبسم للندى وللزهور وللريحان، نعم كنا وكنا وكنا وما عدت اليوم أقول سوى أنا، نعم أنا، أصبحت وحدي في عالم مزدحم بالإنسان، هنا أناس يتحدثون، وهناك أطفال يلعبون، وعلى المنضدة القريبة قلبان يتهامسان، وأنا وحدي في هذا العالم، أراهم وما أكاد أراهم، أسمع ضحكات عذبة وهمسات حانية ولا أكاد أحس بها، في الماضي كنا نغني معاً أعذب الألحان، في الماضي كنا نسمع أعذب الضحكات ، كانت ضحكاتنا وهمساتنا وتبسماتنا تملأ عالمي المزدحم المهجور، ولكن ذكرياتنا نهر يتدفق بداخلي ، ينعش قلبي الذي بات الموت إليه أقرب من الحياة، يحثه على البقاء، وما عاد للبقاء معنى ، ولكن هي أحزاني ، هي ذكرياتي ، هي رفيقي في هذه الحياة إلى ..
إلى أن نلتقي في عالم آخر حيث أنت منذ سنين.


نسمه (senura)

سماح والوجه الآخر للحياة

سماح والوجه الآخر للحياة
قصة واقعية

يقولون للحياة وجوه كثيرة، ونقول بأننا نرى من هذه الوجوه الكثير والكثير، نرى وجوهاً بيضاء مشرقه تفيض بالأمل، ونرى وجوهاً مسودة ،كئيبة،مظلمة، نقول بأننا نرى مَن في ترف الحياة يعيش، يتلذذ بالنعم والأموال، وبحدائق غناء على مرمى البصر، وبسيارات فارهة وقصور شامخة يزين حياته الفارغة، ونرى مَن على شفا الحياة يعيش، يوشك أن يسقط في الهاوية، بالكاد يجد قوت يومه، وهو في كثير من الحالات ناقم على الحياة من حوله، ينظر إلى شروق الشمس على انه بداية لعذاب جديد، أو انه موت لأمل بعيد قد بات من شدة الفقر كثوب مهترئ مهلهل تزدريه العين، وينظر إليه الناظر ويتعجب، كيف لهذا الثوب أن يصبح يوماً ثوب عيد جديد!

ولكن هل رأيت يوماً فقير يرى فقره جنة ينعم فيها بفتات بسيط؟
وأقول لك بقلم صادق بأني قد رأيت الوجه الآخر للحياة مع هذا الفقير ، ففي مكان ما من طور سيناء زرت بيتاً صغيراً بالكاد يقف بقلب مزرعة لا هي بالمزهرة ولا بالمثمرة، مزرعة لازلت في أوائل أطوارها، ووسط الأراضي الصفراء المخللة بالخضرة يقف ذلك البيت كعجوز يتشبث بعصاه ويرتكن إليها علَّها تقيه من السقوط على الرمال الملتهبة تحت آشعة الشمس، ومع اشتداد الريح في الخارج ، ومع تطاير الرمال، كان البيت مفتوح الباب ، تهتز نوافده مع هبات الرياح، وفي وسط اللوحة الثائرة كان بداخل البيت امرأة وطفلان، كان الفقر واضحاً في مظهر أهل الدار ، ملابس بسيطة، وأقدام حفاه، ومشبك شعر قديم يزين شعر الطفلة سماح، ومع بساطة الدار كانت الأسرة تعيش في سعادة حرم منها سادة الديار ، كان المنزل صغيراً جداً ، فقط غرفتان ، وكان الأب غائباً في عملة، والأم تنتظره بحب وتعد لقدومه ما تطله يداها بحنان، والطفلان يلعبان بكرة زجاجية صغيرة ، فتارة يلقيها الأخ لأخته، وتارة تلقيها سماح، وتارة أخرى تهرب الكرة لتختفي في ركن الحجرة أسفل الفراش فيركض وراءها الطفل ــ في ملعب صغير لا يقبل به ابن العمدة ولا ابن السلطان ــ ويتتبع أثرها حتى يشرق وجهه بابتسامة بريئة تزيين ثغره وهو ممسك بها كأنها الكنز الذي تلقاه بعد طول مشاق.
وبحب الحياة تنظر الأم إلي وتبتسم وتروي عن زوجها القصص والروايات وكأنه الفارس الذي تحلم به الأميرة الحسناء، وتصف الحب الفياض الذي يسري كنهر عذب بين قلبين جمعهما ذاك البيت الصغير وضم بينهما طفلان، وبالكرم الحاتمي البسيط تقدم لي ما طالته يداها: كوب من الشاي وبرتقاله أكاد أقول بأنها أغلى ما لديها، فالترحاب والبساطة الممزوجة بالسعادة تشف عن فرحتها بتقديم أنفس ما لديها من مأكل وشراب، وتنظر إلى سماح وتروي لي، تحدثني عن الأب الكادح ، وتقول بفرحة طفل ملك الدنيا بيديه وباتت أحلامه حقيقه، تحدثني عن مشبك شعر بسيط اشتراها لها والدها وتحمله على أصبعيها وتريني إياه، ياله من مشبك صغير وبسيط! إننا لا نكاد نعره اهتماماً بل لا ننظر إليه، وهو في تلك اللحظة سر سعادة عميقة وشعوراً بالغنى الفقير.
ويتفاخرون بالجاه والأموال وذاك الطفل يفخر بجده العجوز البسيط ويقول " جدي حداه بجره كبير ( جدي يملك بقرة كبيرة ) " هذا هو سر غنى الجد الفقير، مجرد بقرة كبيرة تمنحه قوت يومه، وتحرث له الأرض، وقد تدير له الساقية إن امتلك ذاك الفقير ساقية، وإذا ما انتشل الموت بقرة الجد فيالها من كارثة، كنز الجد مرهون ببقرة إن تنفست الهواء اليوم فقد لا تدركه غداً، والطفل مع ذلك سعيد بجده يفخر به.
تملكني شعورغريب يوم رأيت ذاك البيت وتلك الأسرة الصغيرة ، زوج وزوجة وطفلان يحيون بعيداً عن المدنية، لا تسمع بينهم صوت مذياع ولا تلفاز، ولا تجد صحيفة هنا أو هناك، بل أثاث بسيط وفرن قديم خارج البيت تصنع عليه الأم كل صباح قوتها وقوت أبنائها من الخبز.
هذا هو الوجه الآخر للحياة، ذاك الوجه الذي لا نراه ولا يبلغه خيالنا، أناس إذا ما نزلوا المدينة وعايشوا أهلها فقد يصدمون، أناس سعداء بحياتهم ، فقراء لا يدركون فقرهم، يشعرون بأنهم أغنياء فهم لم يروا من هم الأغنياء حقاً، هم أعنياء بعواطفهم ومشاعرهم وترابطهم ، ونحن منهم فقراء، نشكوا مسكناً ضيقاً ونريد حياة أفضل، نملك المال ونريد ما هو أكثر ، يلهو أطفالنا بالدمى والعرائس ويبكون ويطالبون بألعاب أفضل.
نعم نحن فقراء بمشاعرنا وبالغيوم التي تلبد سماء نفوسنا وهم بفقرهم للمال أغنياء، هذاهو الوجه الآخر للحياة ، وهذه هي سماح الفتاة الفقيرة الحالمة، المرحة، الباسمة.


نسمه
4 فبراير 2007

لا تيتموهم وأنتم أحياء

لا تيتموهم وأنتم أحياء

ما هو اليتم؟ ومن هو اليتيم؟ هل اليتيم هو من فقد والديه أوأحدهما فقط؟ هذا ما ينفيه الواقع، وهذا ما يجب أن يدركه كل أب وكل أم.
فاليتم في حياة الأبوين أقسى وأشد مرارة من اليتم بفقدهما، واليتم بحياة الأبوين يتم نفسي ، فراق طويل الأمد، ومسافات شاسعة تفصل بين الأبوين وأولادهما، وأبناء يعيشون بمرارة الأيتام ولهم في الدنيا أب وأم يتنفسان هواء الحياة، ربمأ لا تعلمون قدر الألم الذي يقاسيه هؤلاء الأيتام و من حولهم أيناء بقرب آبائهم بنعمون، فلا المال يغني، ولا الرفقة تغني ، ولا الاتصالات اللاسلكية تغني، وإنما هم بحاجة إلى أب يملأ فراغ البيت، وأم تسكب حنانها في كل ركن ، هم بحاجة لقول أبي وأمي بقوة أمام الآخرين، هم بحاجة لأب يحل المشكلات عن قرب، هم بحاجة لام تحتضن بالفعل لا بالكلمات، هم بحاجة إلى صوت أب ينادي في البيت لا لجرس هاتف نقال، هم بحاجة للمسة أم في ليل المرض لا لرسالة صماء، هم بحاجة لوجبة بسيطة على طاولة تلتف حولها أسرة كاملة ، هم بحاجة لدفء الأبوين وهم أحياء قبل ان تلفهم برودة الحياة وهم أموات.
فلا تيتموا أبناءكم وأنتم أحياء، ولا تعجلوا المصير وتستبقوا الأقدار، وحياتكم نعمة وهبة من الله امنحوها لهم.


نسمه (سنيورا)
9 يناير 2009م

فـــــــارس الأحـــــــــــلام

فـــــــارس الأحـــــــــــلام

بداخل كل منا صورة خيالية عن شخص آخر يحمل مزيج من الصفات ، وله ملامح بعضها واضحة ومحددة ، وبعضها مجهولة ومبهمة، وهذه الصورة تتكون بداخل المرأة كما تتكون بداخل الرجل، وما هي إلا صورة للشق الآخر الذي يحقق أعلى درجة يمكن أن يبلغها المخلوق من الكمال، وهو ليس كمالاً مطلقاً فالكمال المطلق يكون للخالق لا للمخلوق، وما يمكن أن يبلغه المخلوق هو كمال نسبي فقط، وترتفع نسبة الكمال إذا ما اشترك في تحقيقها شقان وليس شقاً واحداً، فالفرد الواحد يعاني من الكثير من جوانب النقص، وفي حال اجتماعة بآخر يعاني من نقص في جوانب أخرى تتحقق درجة من درجات الكمال، حيث ينساب الكمال في جوانب معينة من أحدها إلى جوانب النقص في الآخر فيتحقق التوازن، وتتم تلك العملية على نفس النحو الذي تحدث به ظاهرة الرياح حيث ينتقل الهواء من أماكن الضغط المرتفع إلى أماكن الضغط المنخفض، أو كما يحدث الانتقال الحراري من جسم ساخن إلى آخر بارد، فالظاهرة واحدة وتنشأ بسبب الاختلال.
ويمكن ملاحظة هذا الكمال النسبي في الأصداقاء من جنس واحد، لكن في حال الاختلاف بين الجنسين يبدأ الأمر يحظى بملامح جديدة، وتبدأ صورة خيالية تنشأ بداخل العقل، وهذه الصورة تكون أكثر شاعرية لدى المرأة ولنقل الفتاة على وجه الدقة والتحديد، فالفتاة وفي سن مبكرة جداً تبدأ بدراسة نفسها بطريقة غير واعية، ويستطيع العقل الباطن من خلال هذه العملية رصد أوجه النقص والكمال في تلك الشخصية، ومن ثم يبدأ بتكوين صورة ذهنية لشخصية أخرى من الجنس الآخر تحمل جوانب الكمال التي يمكن أن تملأ جوانب النقص لدى هذه الشخصية، وتنتقل هذه الصورة إلى العقل الواعي، وتبدأ مع نضوج الأنوثة بالتحول إلى صورة شاعرية وخيالية أكثر مما بنبغي، وتقترب هذه الصورة من أطر الرومانسية التي تختلف في معناها من فتاة إلى أخرى، وقد تظهر هذه الصورة في أحلام الفتاة، وقد تبحث هي عنها في الروايات أو في الواقع ذاته، وغالباً ما تصاب الفتاة بالصدمة عندما تقترب من شخص يحمل معظم هذه الصفات وليس جميعها، والصدمة واقعة لا محالة، لأن توفر كافة الصفات معناه تحقيق الكمال التام بالتلاقي وهو ما لا يمكن تحققه مع المخلوق.
ومع أن صورة فارس الأحلام تتأثر وبالدرجة الأولى بالفتاة ذاتها وتركيبها الداخلي، إلا أنها أيضاً تتأثر بالعصر وبالثقافة السائدة فيه، وكذلك بالظروف الاجتماعية التي تعايشها الفتاة، وكلمة "فارس الأحلام" في حد ذاتها متأثرة بالعصر القديم حيث الفروسية وحيث تنبهر الفتاة بالفارس القوي الذي يأتيها على صهوة حصانه الأبيض ويخلصها من الأعداء، ويبدو من هذه الصورة التأثير القوي للعصر القديم حيث كانت الحروب والفروسية، وفي العصر الحاضر يندر بل يكاد يستحيل أن تتكون لدى الفتاة صورة مماثلة لذلك نظراً لاختلاف العصور، وعلى أي حال فإن صورة فارس الأحلام هي صورة شاعرية رومانسية خيالية تسعد معها الفتاة في أحلامها وفي خيالها وفي كتاباتها، ولكن هذه الصورة قد تتحول في بعض الأحيان إلى قيد على الفتاة قد يدمر حياتها، والأمر متروك للأقدار وللظروف وإلى القدرة على تحكيم العقل وتحقيق التوازن بين العقل والعواطف.


نسمه (سنيورا)
27 فبراير 2008م
العمـــــر والأحــــزان

أدخلني حبك سيدتي مدن الأحزان..
وأنا من قبلك لم أدخل مدن الأحزان..
لم أعرف أبداً أن الدمع هو الإنسان..
أن الإنسان بلا حزن ذكرى إنسان..
هذا ما قاله نزار قباني في قصيدة طويلة بعنوان" قصيدة الأحزان" ولكن..
هل حقيقة أن الدمع هو الإنسان؟ وأن الإنسان بلا حزن ذكرى إنسان؟ وهل العمر ليس إلا أحزان؟ وأين السعادة في حياة الإنسان؟ وهل كان الحب يوماً طريقاً إلى مدن الأحزان؟
تساؤلات تدور ويبقى الجواب حائراً، والحقيقة التي يسلم بها الجميع هي أن العمر هو إحساس وشعور، وليس أيام وساعات، ولم تكن أعمارنا يوماً مجرد أرقام، والشاب قد يحيا عشرين سنه على الأوراق وفي الواقع هو كهل ناهز الستين أو السبعين، والعجوز قد يحيا عقوداً على الأوراق وهو في واقعه لم يحيا سوى بضع سنوات، فكيف يحسب العمر وكيف نشعر به، ومتى يأتي الشباب؟ ومتى نصبح كهولاً؟
نحن نسير في الحياة ونعايش الأحزان والأفراح، وقد يمر اليوم بأحزانه كما لو كان أعوام، وكأن الإنسان فيه يسير ألف عام يجر أحمالاً لا يقوى عليها إنسان، يلهث من التعب والإعياء ولا يصل إلى غايته وكأن اليوم لا ينتهي ، وكأن الليل ما كان، وتمر أيام كلمح البصر، تفيض فيها القلوب بالفرحة ،وتتعالى الضحكات، فأيهما أطول: أيام الحزن أم أيام الفرح؟ إنها لاشك أيام الحزن الثقال، ولهذا يحسب العمر بالأحزان لا بالأفراح فالوزن النسبي للأحزان أكبر وأكبر، والحزن يحفر ملامحه على وجه الإنسان، ويدمي القلب، ويزيد العمر أضعاف وأضعاف، فالشاب اليتيم الذي عمل في سن الطفولة ليجد قوت يومه هو في داخله رجل تجاوز الأربعين بأحزانه وهمومه، والكهل الذي ولد لأسرة ثرية وتربي في أحضان القصور ورزق زوجة جميلة مثالية وأطفالاً أصحاء، وعاش حتى عايش أحفاده من حوله يلعبون ـ هو في حقيقته شاب ذو ذهن صاف ونفس مشرقة.
والحزن كالمعلم القاسي النبرات، يملي دروسه على الإنسان، فاحذر الغدر واحذر الفراق، واحذر صديق قد خان ، واحذر أن تحب حتى يأتي الموت بسلطانه ليواري العزيز التراب، ولا تفرح كثيراً فبعد الأفراح تتوالى الأحزان، ولا تصادق كثيراً فخير الأصدقاء ما قل وصان، ولا تقل دمت في فرح ونعمة فأنت لا تدري ما يكون في المساء.
والحب إذا دخل القلب أسعدة ساعات، وإذا دام في القلب قاده إلى مدن الأحزان: الشوق إلى الحبيب .. فراق الحبيب .. غدر الحبيب .. أو حمل على الظهر مربوط بوثاق الحب والأنفاس من ثقل الأحمال متقطعة، ولا اللسان يشكو، ولا للعين أن تدمع من الألم ، وإذا أحببت يوماً وأنت فقير لا تملك قوت يومك، فكم خنجر ينغرس في القلب من القهر والحرمان ، فلا أنت تهادي الحبيب، ولا بيدك انقاذه إذا تألم وطلب الدواء، ولا انت تملك له أبسط سبل السعادة إلا إذا رزقت حبيباً القناعة عنوانه في الحياة.


نسمه (سنيورا)
11 مارس 2008م
مــــــــذاق الحــــــــب

كثيراً ما نردد كلمة الحب دون أن نفكر فيما يمكن أن يعنيه الحب ،أو في ماهية الحب ذاته، وأياً كان الأمر فنحن نشعر بالحب ولا نعقله، فأنت تشعر أنك تحب ولا تفهم أنك تحب، ولكن هذا الشعور لابد أن يدركه العقل في لحظة ما، وهذا الإدراك لكي يتحقق يحتاج إلى مثير أو منبه ينبه العقل لوجود شيء ما مختلف وجديد في حياة الإنسان، وهذا المثير أو المنبه ليس إلا كلمة أو سلوك معين يقوم به الشخص الآخر الذي يمثل الطرف الثاني لهذه العاطفة، وقد يكون شخص ثالث لا علاقة له بالأمر ، وإنما هو مجرد وسيط بين الطرفين ينقل رسالة غير محددة الشكل من أحدها إلى الآخر، والإشارة الأولى لا يدركها العقل بشكل كامل، وكل ما يمكن أن تفيد به هذا الإشارة هو القيام بعملية التنبيه والتنشيط لمخزون العواطف والمشاعر ومراجعه لكل ما رصده العقل غير الواعي من سلوكيات غير مألوفة في فترة يحددها العقل الواعي تبعاً للمنبه وطبيعته، ومع الوقت والتفاعل المستمر ما بين الطرفين تبدأ الكثير من المنبهات الأخرى بالعمل والنشاط، هذه المنبهات لابد أن تؤدي إلى استجابات معينة طبقاً لمبدأ المثير والاستجابة، هذا النوع من النشاط هو ما يضمن استمرار الحب، وبعض هذه المنبهات يدركها العقل على أنها دلائل على وجود الحب وعلى أن الطرف الثاني لايزال يحمل اتجاهاً إيجابياً تجاه الآخر، وعلى الرغم من أن هذه المنبهات قد تؤدي إلى استجابات أخرى وأكثر بساطة في غياب عاطفة الحب بين الطرفين؛ إلا أنها في الحالة الأولى تفسر على أنها أنماط من السلوكيات الرومانسية لا لشيء إلا لأن العقل أدركها في ضوء الحب، وتعد هذه المنبهات دلائل الحب أو هي الأفعال التي يمكن للمرء أن يدرك من خلالها وجود الحب وتحولة من مجرد عواطف مكنونة إلى أشياء يمكن ملاحظتها، ولا يعني ذلك أن الرومانسية أو ما يمكن أن نطلق عليه رومانسية لابد وأن يكون أنماط محددة من السلوك؛ بل إن هذه الرومانسية قد تظهر من خلال كلمة أو نظرة عين أو تصرف بسيط كالتهادي بالورود، والقيمة الرومانسية التي تحملها الوردة ليست إلا ناتج عن إدراك العقل ذاته لجمال الوردة وارتباطها بالربيع والأمل والتفاؤل، فأصبح التهادي بالورود مع وجود عاطفة الحب هو ملمح من ملامح الرومانسية لأن تهادي بما يحمل معنى الأمنيات الجميلة، ومع ذلك فما يمكن أن يقسره العقل على أنه شكل من أشكال الرومانسية يختلف من فرد لآخر ، ومن الطبيعي أن يختلف بالنسبة للمرأة عنه للرجل، وعلى هذا يمكن القول وبصيغة فنية بأن الرومانسية هي مذاق الحب في العقول، فكل ما يفسره العقل على أنه رمز لعاطفة الحب بين اثنين هو رومانسي المعنى.

نسمه (سنيورا)
1 إبريل 2008
كفاكــــــم أحــــــــزان

"يا صديقي.. يا رفيقي.. إحذر إحذر أن تهتم .. هيا نلعب.. جرب حاول ابعد ابعد عن الغم .. هيا اضحك.. هيا إفرح من حولك حتمًا يسعد .. عن فرح يأتي أبحث عن أمل حلو يتحقق ..."
تذكرت هذه الكلمات من عهد الطفولة، كلمات ظلت عالقة بذهني منذ أكثر من عشرة سنوات، كلمات بسيطة لمسلسل كارتوني يروي قصة طفلة يتيمة تحيط بها الأحزان من كل جانب؛ ورغم ذلك تلعب لعبة السعادة كما أسمتها: تبحث في كل موقف حزين عن ملمح سعيد، عن بارقة أمل، تضحك رغم الأحزان والصعاب.
هذه الكلمات البسيطة هي رسالة صادقة لابد أن نقف عندها لحظة، ونتأملها ، لأننا لو فعلنا سندرك كم نحن مقصرين في حق أنفسنا، وكم نحن مثقلين بالهموم، وكم نحن في غفلة عن السعادة، فكما يوجد الحزن يوجد الفرح، وكما توجد الدمعة توجد الابتسامة، وليس صعبًا أن نجد ما يسعدنا، فنظرة من نافذة الغرفة الصغيرة قد تسعدنا: طفلان يلعبان ويضحكان بمرح، أب يقبل صغيره، أم تحنو على طفلها، أخ يمسح دموع أخته الصغرى، رجل يحمل كيسًا من الفاكهة وهو متلهف أن يصل لأبناؤه ليسعدهم.
ونظرة للسماء تكفي لأن نشعر بالسعادة، نتذوق جمال السماء وعظمة الخالق في صنعها، ننظر للشمس المشرقة كابتسامة على ثغر النهار، ننظر للسحب وهي تنقشع عن القمر ليملأ ضوؤه الفضاء سحرًا، نمد نظرنا ونتأمل الأرض بامتدادها، فنرى الزهور تكسو الحدائق وجوانب الطرقات في الربيع فنشعر أن الكون يبتهج ويصحو بعد أن نام طويلاً في الشتاء، ننظر إلى البحر فنرى أمواجه تتراقص وتتمايل مع نسمات الهواء وتعزف لحنًا من الطبيعة.
ننظر إلى الكون بجملته ونسمع صوته وهو يغني لنا "أن كفاكم أحزان"


سنيورا
نسمه
20 فبراير 2009م
في مواجهة الغزاة

قد تبدو كلمة الغزو ذات وقع مفزع في نفوسنا وغالبًا ما ترسم صورة لجيوش لا حصر لها وأسحلة فتاكة، لكننا نواجه اليوم ومنذ عدة سنوات غزو ذو طبيعة خاصة، نواجه دول عديدة وليس دولة واحدة، نحارب بأسلحة فتاكة من التكنولوجيا المتطورة، نهدد ليس في اقتصادنا فقط واستقلالنا السياسي وإنما في استقلالنا الفكري وهويتنا الثقافية وطابعنا الإجتماعي.
هذا الغزو قد نشأ نتيجة لعدم التوازن في عالم متطور تكنولوجيًا ومرتبط بوسائل الاتصالات الحديثة التي كما أسهمت في سرعة انتشار المعلومات للأفضل، كما ساهمت في نشر ثقافات مختلفة عنا تهدد ثقافتنا بالمسخ ، فنحن على اتصال دائم بشبكة الإنترنت والتي تعد بمثابة بوابة للعالم بأسرة، وبفضل الأقمار الصناعية أصبحنا قادرين على معايشة الأحداث في كل مكان، ورغم أن هذا الإنفتاح على العالم له من الإيجابيات الكثير، إلا أننا للأسف نشاهد له كم كبير من السلبيات، ونلاحظ ذلك على صغار السن خاصة من اختلافات في طريقة التفكير ، وفي نمط الحياة، وحتى في نوعيات الملابس وطريقة التحدث، فقد بدأت اللغة العربية تتراجع كثيرًا لتحل محلها اللغات الأجنبية، وازدادت في السنوات الأخيرة الأسماء الأجنبية في مجتمعاتنا العربية، وقل ما شئت في هذا المضمار فهناك الكثير جدًا.
والأمن هو مجال آخر، فهذا الإتصال الدائم بشبكات المعلومات يجعلنا في بؤرة الخطر مادمنا غير قادرين على تأمين أنفسنا من عمليات الإختراق وسرقة المعلومات، والسيطرة على قواعد البيانات، حتى أننا اليوم أصبحنا نسمع عن حرب الشبكات ، وهي من أخطر الحروب على الإطلاق، فهي لا تريق الدماء وتدمر المعمار، وإنما هي تنسف التاريخ والحاضر، تمحو من ذاكرة العالم حضارات كاملة، وتهدد الشعوب بالضياع بفقد بياناتها وهوياتها ووجودها.
لكن كما نحارب لنحصل على استقلاقنا السياسي في كثير من المناطق يجب أن نحارب وبكل قوة وشراسة لنحصل على استقلاقنا الفكري والثقافي، والوسائل المؤدية لذلك معروفة لكن للأسف غير فاعله، فالتطور التكنولوجي واللحاق بعمالقة صناعة الإلكترونيات من ناحية، وبناء شخصياتنا والمحافظة عليها، وزرع اعتزازنا بعروبتنا وثقافتنا داخل النشئ الجديد كفيل بأن يحولنا من طرف يقاوم الغزاة إلى طرف مساوٍ للأطراف الأخرى ، بما يجعله في مأمن منهم، وربما استطعنا ان نكون الغالبين أيضًا.
فقط نحتاج إلى مزيد من الثقة بالنفس، وإلى الرغبة الصادقة في الإستقلال، وإلى احترام ذوي المواهب والإمكانيات وتوفير الفرص لهم، ونحن داخل بيوتنا كأمهات نحمل على عاتقنا مسؤولية بناء أبنائناا، منذ مولدهم وفي كل يوم من أيام حياتهم، نختار لهم أسماء عربية، وننشئهم في جو عربي يحترم القيم العربية، ويأخذ من الحضارات الأخرى القيم السليمة فقط وبنبذ كل ما هو مخل بالأخلاق والدين، نربي فيهم الشجاعة والقدرة على المواجهة، ونقضي على الجبن والاستسلام للغزاة، لنحصل على الاستقلاق المنشود.


نسمه
سنيورا
9 ابريل 2009م
صــــــــــــــــرخـــــــــة

لماذا أنتم صامتون؟ لماذا أنتم ساكنون؟ وكيف تنامون؟ وتضحكون وتمرحون وأطفالنا في رحاب الأقصى ينزفون؟ يُقتلون بل يُذبحون ، ونساؤونا في كل ساعة يبكون ، ورجالنا يسقطون بنيران العدو المجحفة الغادرة، والأقصى جريح في ساحة المعركة يسألكم الدماء ، فقد نزف الكثير الكثير ، ألم يحن الوقت ليتوقف هذا النزيف ؟! إلى متى ستظل العروبة فينا خامدة؟! إلى متى ستظل عزتنا فينا مكسورة؟! نحن من بإيماننا ووحدتنا قهرنا العالم يومًا؛ هزمنا كسرى وقيصر وعبرنا البحرين ، واقتحمنا القارة السوداء ودخلنا أوروبا في عصور الجهل ونحن علماء، أين نحن من هذا الآن؟!
نحن لسنا ضعفاء؛ بل نحن أقوياء، لدينا من الرجال ألوف مؤلفة، ولدينا من الأموال الكثير، نملك الثروة والذهب الأسود، ونسيطر على أهم المعابر في العالم ، ونتوسط الدنيا ؛ ولكننا للأسف نفقد الشجاعة والوحدة والهدف المشترك، نفقد الشعور بالعزة والقوة، ونفقد حبنا لله ، نفقد الرغبة في الشهادة والجهاد، بتنا نحب الدنيا أكثر مما نحب النصر والخير للإسلام.
كم منا في داره هادئ النفس مطمئن البال لا تذرف عينيه دمعة على دماء الشهداء في فلسطين؟! كم منا يضحك ومدارس أطفالنا تهدم، وحرمات مساجدنا تنتهك، ونساؤنا وشيوخنا يصرخون: "أغيثونا أغيثونا" ونحن لا نجيب؟! كم منا صامت عن الحق الذي سُلب منذ سنسن وسنين؟! كم منا راضٍ بالظلم ويخاف ممن لم يخشى رب العالمين؟َ!
نحن لسنا بحاجة إلى مال ولا عتاد ولا رجال ؛ نحن بحاجة لصرخة قوية ترج الأجواء ، وتوقظ الضمير فينا ، وتحي الدين الذي نام في صدورنا منذ أمد بعيد، نحن بحاجة لان نلمس عروبتنا ونستشعر عزتنا ، نحن بحاجة لأن نرفع قول الله بيننا "والله يؤيد بنصره من يشاء" فيعز من يشاء ويذل من يشاء، ولننصر الله ينصرنا فهو خير الناصرين.

نسمه (سنيورا)
9 يناير 2009م

اليـــــوم تسمــــــع

اليـــــوم تسمــــــع

تكلمت كثيرًا يا آدم وآن الأوان أن تسمع لكلام حواء، ادعيت أنك تعرف عنها الكثير وأنت لا تعرف سوى ما أردت أنت أن تعرفه، ظللت سنينًا تدعي أنك تقدر على حل المشكلات برجاحة عقلك واتزان عاطفتك ؛ وعجزت أن تحل مشكلتك مع حواء ، فلتسمع اليوم يا آدم علك تحل مشكلتك أنت وتفهم من تكون حواء.
في الحياة خلقنا ذكورًا وإناثا يكمل بعضنا بعضًا، وخلق الله بينا مودة ورحمة ، وجعلنا أزواجًا يأنس بعضنا ببعض ، وكما خلقت أنت من طين؛ خلقت حواء منك ، فهي جزء لا يتجزأ من تكوينك ، وكما أنت بشر هي أيضًا مثلك، وكما تحمل بداخلك أحلامًا وطموحات تسعى لكي تحققها ، تحمل هي مثلك، لا تحسب أنها إن سعت لتحقق أحلامها فهي تتحداك لتقهرك، فليس هذا إلا في مخيلتك وحدك ، أنت حين تضع العثرات في طريقها ، وتبني السدود وتحفر الحفر فإنك تزيد من الخطر الذي يؤرقك، وقد تحيله حقيقة دون أن تدري، وهي إن كانت زوجتك ، فاذكر أن وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة، فاكبر صورتها، وارفع قدرها ترفع من قدرك ، ولا تحرمها نجاحًا لا يخل بأمور بيتك.
يا آدم في الحياة نحن شركاء يجمعنا عقد شريف، والشركاء يحسن بعضهما لبعض، ويشاور أحدهما الآخر ، ولا يستأثر أحدها بالفضل، فلتشارك حواء حق الشراكة، ولا تقل أحبك وقل أنتِ صديقتي، شاورها في أمرك تشاورك في أمرها، كن صادقًا معها تكن لك نعم الزوجة الصديقة، مد لها يدك تفتح لك ذراعيها ، واذكر أنك كما تملك عقلاً ولك فكرك ورأيك فلها مثلك .
وأنت ان كنت قوامًا عليها فلا تكن جبارًا مستبدًا، فهي تطيعك مادمت تحسن إليها ، كن لينًا موضع اللين، شديدًا موضع الشدة، ولا تجعل سلطانك كالسيط في كل وقت فيفقد قوته وهيبته ، واعلم أن حواء ليست صورة جوفاء بل هي روح وجسد فلا تنكر أحدها وتقر الآخر.


نسمه
21 أكتوبر 2008م
قنابل موقوته على أرفف المكتبة

الحب هو تلك الكلمة المكونة من أربعة أحرف والتي أثارت من حولها الكثير والكثير من النقاشات، وبعيدًا عن ماهية الحب وما يعنيه، وبعيدًا عن مدى ارتباطه في أذهاننا بمعنى الرومانسية ، فإننا وفي مرحلة ما من مراحل العمر نتجه وبشكل واضح لكل ماله علاقة بالحب، كلمات الحب الرقيقة وقصائد الحب وقصصه ورواياته، ولكن هناك خلاف داخل كل أسرة حول ماهية وطبيعة المباح للأبناء في ها المجال:هل يسمح لهم بقراءة ما يشاؤون عن الحب؟ أم يفرض المنع التام؟
يبدو أننا وبدون الدخول في مناقشات نفسية واجتماعية نلاحظ ومن واقع تجربتنا الخاصة أن الحب والميل إليه والتلذذ بكلماته وأقاصيصه هو أمر طبيعي، لكن لماذا تثار حوله هذه المشكلات داخل أسرنا؟ يبدو أن الأمر يتعلق بطرف آخر كمن يكتب تلك القصص والروايات ، ومدى تصوره للحب وسموه، ففي الروايات الغريبة سواء كانت مترجمة أم لا توجد الكثير من المظاهر التي نرفضها بوحي ديننا وأخلاقنا لكن هي في ثقافتهم مباحة ولا غبار عليها، ولهذا كان اطلاعنا على قصص الحب الأجنبية أمر يمثل بعض الخطورة على صغار الشباب ممن لا يدركون بالفعل ماهو مباح وماهو مرفوض بالنسة لهم في مجتمع عربي إسلامي، ويبدو أن المشكلة أقل خطورة بالنسبة للكبار ممن تطور لديهم مقياس التقييم وأصبح في درجة تمكنه من بناء حاجز الأمان المطلوب، ولكن للأسف امتدت المشكلة ومنذ سنوات طويلة إلى رواياتنا العربية.
ففي حقبة ما ونتيجة لتأثر الكثيرين بالإحتلال وما أدخله من أفكار بدأت تظهر جوانب مرفوضة في الروايات العربية، ويبدو أن الكثيرين يمكنهم لمس ذلك في السينما العربية وما تحمله الأفلام من مظاهر مثيرة للنقد والجدل، وللأسف لازال هذا التيار ساريًا في السينما العربية، والأسوأ ان امتد وبشكل ملحوظ في المسلسلات أيضًا.
فبحجة نقل الواقع كما هو سقط الحب أرضًا لتطأه الأقدام، وتبدلت صورته من عاطفه سامية إلى مجرد غلاف للفريزة، وامتلأت الروايات بالتعبيرات الفجة والأوصاف الصريحة بأكثر مما ينبغي، حتى أن هناك الكثير من الروايات لكبار الكتاب تضم بين صفحاتها ما يخدش الحياء ، ولاتزال هذه الروايات باقية ومطروحة في أسواقنا بل ويشار إليها باعتبارها من روائع ما كتب، رغم أنها قد تتحدث عن مشكلة هامة إلا أن تصوير هذه المشكلة وإدخال الكثير من الأوصاف والعبارات التي لا حاجة لها ولا هدف منها غير الإثارة قد يجعل هذه الروايات بمثابة قنابل موقوته داخل مكتباتنا.
ولهذا أصبحنا نبحث لشبابنا عن روايات طاهرة تصور الحب بسموه وتراعي قيمنا وتقاليدنا العربية، ولقد أثارتني هذه العبارة على أغلفة إحدى سلاسل الروايات العربية "السلسلة الوحيدة التي لا يجد الأب أو الأم حرجًا من وجودها بالمنزل" ربما طالعتكم هذه العبارة وربما أقدمتم على تجربة القراءة لهذه السلسلة، فهي بحق تستحق التقدير لنظافة المضمون على الأقل، أما الأسلوب فيتمتع بالسلاسة والبساطة، لكننا لازلنا بحاجة إلى ما هو أكبر، بحاجة إلى روايات عربية خالصة بأسلوب عربي قوي لا يغرس في شبابنا قيم الحب السامية فقط، بل يتخذ من هذه الروايات وسيلة لتطوير اللغة وتحسينها وتحبيبها إلى كل شاب وكل فتاة، حتى يأتي يوم تفخر فيه الأسر بامتلاك مثل هذه الروايات في مكتباتها.


نسمه (سنيورا)
17 ابريل 2009م

نقطة تماس

نقطة تماس

لكل إنسان دائرة وجود يعيش في إطارها ، وتمثل حدود هذه الدائرة فاصلاًً يحول دون امتزاج خصائص الحياة داخلها مع غيرها من الدوائر الوجودية الأخرى ، وتتعدد مثل هذه الدوائر داخل المجتمع الواحد ، وقد تضيق تلك الدوائر وقد تتسع كثيراً ، وقد تستوعب الدائرة الواحدة بداخلها أكثر من دئارة ، ولكن ماذا عن نقطة التماس ؟
في كثير من الأحيان توجد نقاط تماس بين هذه الدوائر إلا أن قدرة الإنسان على المحافظة على توازنه في نقطة التماس بالتحديد ودون أن تجذبه قوى الجذب المركزية في كلتا الدائرتين أمر يصعب تحقيقه ، في حين أن اجتياز نقطة التماس والإنتقال من محيط الدائرة الأولى للثانية أمر سهل التحقيق، وإن كان يسبب صدمة مؤقتة للأنسان ، إلا أن بقاء الفرد داخل محيط الدائرة دائراً في مساحتها حول النواة المركزية أمر يحقق التوازن، وإن تطلب بعض الوقت حتى يتكيف الفرد الجديد مع خصائص الدائرة التي انتقل إليها .
وتعد دائرة الريف وكذلك دائرة الحضر من الدوائر الكبرى في المجتمع البشري ، ونقطة التماس بين كلتا الدائرتين هي نقطة ذات ضغط مروري عالي ، ويكون العبور في أغلب الأحيان إن لم يكن جميعا في إتجاه واحد من الريف إلى الحضر ، إلا أن نقطة التماس تلك ذات سمات خاصة جدا ، ونادراً ما يستطيع الإنسان البقاء فيها .
إن نقطة الإنتقال بين المجتمع الريفي والحضري تحمل مزيجاً من سمات كلا المجتمعين ، والأشخاص المستقرون في هذه النقطة يتمتعون بشخصية مميزة وطابع خاص في الحياة ، فهم محافظون على الخصائص الريفية المتمحورة حول الشعور الإجتماعي الأصيل ، والتقارب المكاني ، والتداخل الإنساني بين أفراد العائلة الكبيرة ، إلى جانب الطابع الريفي القائم على البساطة والمودة وإكرام الضيف والإجتماعية العالية ، وهم في الوقت ذاته يكتسبون بعض سمات المجتمع الحضري ، فوجودهم على محيط الدائرة الحضرية يسهل من وصول أنماط الحياة الحضارية ومنجزات العصر إليهم ، إلى جانب الإتجاهات الحديثة وتطورات الشخصية الناتجة عن الحياة المعقدة والمتشابكة المجالات ، والتي تفرض على المرء أن تكون لديه القدرة على التفاعل والتصرف بلباقة وتطوير الذات وزيادة المعارف وملاحفة مظاهر التقدم بشكل مستمر .
وعلى هذا يمكن رسم صورة مميزة لساكني نقطة التماس فمساكنهم بسيطة الطابع رفيعة الذوق وأساليب التفاعل لديهم تتسم بالحب والألفة مع الرقي في أساليب التخاطب والحوار ، ومع شبه الإنغلاق الأسري والإكتفاء بالعائلة الكبيرة توجد القدرة على توسيع العلاقات الإجتماعية ، وأخيراً حب الأرض ومحيط المولد والمنشأ مع القدرة على الخروج للمجتمع الأوسع والعيش في أحضان المدينة.
إن نقطة التماس بين الحضر والريف هي من أجمل نقاط التماس وجوداً ، والمرور بهذه النقطة دون الإستقرار فيها أو عبورها للدائرة الأخرى بهدف الإستقرار فيها وفي إتجاه الريف من أجمل الرحلات التي يمكن أن يحظى بها ساكن المدينة ، وقوة السحر هنا تكمن في العاطفة العالية التي غالباً ما يفتقدها ساكن المدينة بما تشتمل عليه من مظاهر التقدم والحضارة والتباعد.


نسمه (senura)

محكمة الاجيـــــــال

محكمة الاجيـــــــال

هناك دوماً جلسة لا ترفع ، ومحكمة لا تغلق أبوابها ، والمتهم فيها يظل سنيناً داخل القفص، وما إن تلوح له الفرصة للخلاص حتى يتحول إلى خط الهجوم، وبتبوأ منصب الإدعاء، ويصب اتهاماته على المتهم الجديد، والجلسة مستمرة على مدار السنين، لا تتوقف، ولا تنظر هيئة المحكمة إلى قضية أخرى غير قضية الاجيال..
فهناك دوماً خصمان بينهما عقود من السنوات وسيول من الاتهامات متدفقة في كل الاتجاهات تستهدف دوماً الصغار من الشباب ، لأن هذا هو قانون الغاب، وقانون القسوة وسيط السلطان، والقاضي بينهم قد أطاح به الزمان، ونصب المدعي العام نفسه رئيساً للقضاة، والمتهم بلا دفاع ، فهو لم يجد بين المحامين من يدافع عنه فكلهم في صف الادعاء، ولا للمحكمة أن تعين له محامي لأن القاضي هو ذاته الادعاء، فقد اختل الميزان، وارتفعت كفة في عنان السماء، وهوت الأخرى في اعماق الأرض وغارت بين الصخور والرمال، ولم يعد هناك رمز للعدل في محكمة الأجيال، ولا لشاهد أن يدخل قاعة المحكمة وأن يدلي بشهادة صادقة في القضية المنظور فيها منذ سنوات وسنوات، وإن هم الحاجب أن ينادي على الشاهد بالدخول ، زجره القاضي أن لا مكان هنا للشهود ونحن أعلم ببواطن الأمور ، وبما خفي على الحاضرين ، واين الحاضرون في قاعة المحكمة؟ فالمقاعد خالية لا يشغلها إنسان، والكل انقسم إلى طائفتين: متهم وادعاء.
ونسي القاضي أن الحكم بالعلم لا بالعادات ، وأن العدل ليس ما نشأت عليه أنا وإنما ما نصت عليه كتب القانون وأعظمها كتاب الله ، وأن المتهم هو أنا وليس من في القفص ذليل مكسور الجناح، فالقاضي من ربى وأخطأ أو أصاب، وما المتهم إلا صنيعة ما فعل القضاة، وأن الصمت المفروض على المتهم هو أقسى الوان العقاب، وأنه السبيل إلى القهر والكبت وربما الأضغان، ونسي أن المتهم دوماً برئ حتى تثبت إدانته بالشهود والبراهين، ونسي أن لكل عصر ظروفة وحاجاته ، وأن ليس كل القيم القديمة صواب، وليس كل الحديثة أخطاء، وإنما هناك دوماً قيم سليمة منبعها الإنسانية والدين وكرم الاخلاق، ولكن الغرور يدخل إلى النفس مع مر السنين ويُنسي الإنسان أنه كان يوماً متهماً في قفص الاتهام، وأن كان هناك قاضي قاسي لا يسمح له بالكلام، وأنه كان ينشد فرصة واحدة ليقول ولو كلمات..
فعذراً سيدي القاضي.. نحن لن نرضى الصمت والكتمان.. وسنطالب بفرصة للكلام.. ولن نصمت ما دمنا ندافع عن حقنا متسلحين بالحق وبالاحترام.. وسنظل دوماً نحلم بقاض عادل يخلصنا من قفص الاتهام.. وينظر إلى شبابة ويعي جيداً ماذا تعني فجوة الأجيال.


نسمه (سنيورا)
15 يونيو 2008

نحو هدف واحد

نحو هدف واحد

صفة التعاون هي إحدى الصفات من الدرجة الثانية، والتي تعتمد في الأساس على وجود مجموعة من الصفات الأولية التي تبنى عليها، ورغم أن التعاون قد يكون أقرب إلى الطبيعة والتلقائية، ورغم أن مظاهرة في الحياة من حولنا كثيرة ؛ إلا أن القدرة على تحقيقه بين جماعة من الأفراد مختلفي الطباع والأهداف أمر صعب.
فالمادة في الطبيعة مكونه من جزيئات مترابطة بعضها مع بعض، وأياً كانت درجة هذه الروابط والتي تحدد نوع المادة، إلا ان الترابط موجود، وهذا الترابط هو العامل المحافظ على وجود المادة، وفقدانه يعني تطاير الجزيئات واختفاء المادة وليس فناؤها.
والمجتمع البشري هو عبارة عن أفراد تربطهم علاقات حتمية تحافظ على وجودهم، ولكن في النشاطات التي لا يكون فيها التعاون ضرورياً تبرز المشكلة، وتبدو الحاجة ماسة إلى بناء شخصية الفرد على أسس معينة، بحيث يكتسب الصفات الأولية التي تمكنه من الاتصاف فيما بعد بصفة التعاون، ولعل من أبرز هذه الصفات الأولية: العقلانية ، بعد النظر، اتساع الأفق، النظرة المستقبلية، تقديم الصالح العام على المنفعة الشخصية، والقدرة على تحقيق المعادلة الصعبة والممثلة في تحقيق المساواة العادلة بين تحقيق الصالح العام واثبات الذات ودون أن تطغى الثانية على الأولى.
والمجتمعات الناجحة أياً كان عدد أفرادها وأياً كان مجال نشاطها هي المجتمعات القادرة على العمل معاً كفريق كبير متعدد المهارات والقدرات، يحمل كافة أفراده هدفاً واحداً مشتركاً يأتي مقدماً على كافة الاهداف الشخصية الأخرى والتي تختلف من فرد لآخر، وحيث يتمثل الهدف المشترك في خدمة المجتمع الكبير في الأساس.


نسمه (senura)

اتبعني على Facebook