الأحد، 19 أبريل 2009

من العمر عام

من العمرعام

ويمضي العام تلو العام ، وينقضي من العمر عام، وفي قلوبنا تارة كأنه أعوام، وتارة كأنه لمحات من عام..
وإذا انقضى العام وبات الجديد على الأبواب، إذ يزورنا ملك الشتاء، هو دائماً في كل عام: قاسي الملامح وعابس النظرات، وإذا أقبل علينا بعباءته السوداء هرب الطير من السماء ، وبدا صوت الرياح من بعيد مقبلاً كأنه زئير أسود تقترب، ويتخلل السطح الأزرق غيوم سوداء كأنه الزيت الأسود على صفحة البحر الزرقاء، وإذا ما أوشك العام أن ينتهي يفتح ملك الشتاء عباءته السوداء، فتغيب السماء ولا يبدو من الشمس إلا قليلاً من دفء، ويقترب زئير الأسود وترتجف النوافذ ولا بد من أن توصد الأبواب.
وخلف الأبواب الموصدة، تشتعل النيران تارة في المدفأة ، و تارة في الأفئدة، لازال ملك الشتاء متربعاً على العرش ولا بد من الانتظار، والشوق في القلوب لا يهدأ، فكأنه طائر صغير يرتجف تحت المطر، والعيون خلف النوافذ تنظر على وجل علها تدرك من الحبيب نظرة، أو صوت نافذة ترتعش ، أو ستار يزاح ليترك الفرصة لإصبع يلوح من بعيد ويتوارى في لحظات كي لا تدركه اللآلئ البيضاء.
وتمر الأيام والكل في انتظار أميرة الربيع الحسناء، أميرة الورد والزهر والريحان، أميرة الحب والجمال والأمان، وإذ هي بالأفق مقبلة ترى ملك الشتاء مضطرباً، يا لهذا المهيب يضطرب من فتاة حسناء، وما إن تبلغه حتى يسود الصمت فالحيرة فالترقب والدعاء، فهي تغلب ملك الشتاء بحسنها تارة، ويقسو عليها فتجافيه تارة، حتى إذا يئس منها، وامسكت هي بعصاه، نهض لكي يضرب ضربته الأخيرة، وتعالى زئير الأسود وأدركت حباب اللؤلؤ أن البقاء داخل المحار هو السبيل للخلاص، لم يدرك الملك الحسناء إلا وهي على عرشه جالسة هادئة، فلابد إذاً من الانصراف، وبالحسرة والخسران تصميم على نصر جديد على الحسناء الشاحبة في الخريف.
وحول أميرة الربيع ترى العشاق والأحباب في البساتين والحدائق جلوس، يتهادون بالورود، ويتنشقون الرياحين، ويلمسون الجمال، وتتعالى الضحكات هنا وهناك وكأن الشتاء ما كان.
وإذا حان موعد ملك الصيف ازدادت أميرة الربيع حسناً، ومع حرارة أشواقها تزداد نسمات الليل برودة وعذوبة، وحين يقبل الملك مشرقاً تترك له العرش راضية ليتربع عليه وهي بجواره جالسه، ومع التهاب أشواق ملك الصيف تلتهب أشواق العشاق، ويحلو السمر، وليس أجمل من التغني بالأشعار والعزف على الأوتار، وفي الليل تصل همسات أميرة الربيع نسمات حانية تزيد الليل سحراً وتملأ الفضاء عطراً.
وما إن يرحل ملك الصيف تشحب أميرة الربيع، وتغيب ورود الخدود ، وينطفئ بريق العيون ، فتشحب السماء، وتتساقط أوراق الأشجار من الحزن على الحسناء ، ومن بعيد يقف من يترقب ويتحين الفرصة، ويقبل بعصاة ، وإذا رأته أميرة الخريف انطلقت صرحاتها فزعة ترج الأجواء، وتهرب مسرعة فهي ولا شك القاضية ، ويصل ملك الشتاء إلى العرش، وتغيب السماء، ويتعالى زئير الأسود، وترتجف النوافذ، ولابد من أن توصد الأبواب.

نسمه (سنيورا)
15 ديسمبر 2007م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اتبعني على Facebook