الأحد، 19 أبريل 2009

أحزاني لن تمحيها السنون

أحزاني لن تمحيها السنون

لازلت أذكر مقهانا القديم، لازلت أذكر مجلسنا ونحن نرتشف القهوة ونتبادل قطع السكر، تلقيها في قدحي والقيها لديك، لازلت أذكر نظرتي إليها وهي تذوب في هذا السائل المر المذاق لتكسوه طعماً جديداً، وتزيد في حلاه، لازلت أذكر كيف كان قلبي يذوب مع ذوبانها، يذوب مع عذوبة المشاعر وسحر المكان، ومع صوت دقات قلوبنا.
واليوم أنا هنا في ذاك المقهى القديم، أرتشف قهوتي وحدي، وأمامي مقعد فارغ كنت ملكه يوماً،أمد يدي وأتناول قطع السكر، قطعة قطعة، تذوب قطعي في قدحي ولا أشعر بها، فالقهوة لا تزال مرة المذاق، وانظر إليها وهي تذوب، فأشعر أنها مثلي تذوب في سائل حار كما أذوب انا اليوم في حمم مشاعر ملتهبة أوقدتها السنون، لا أسمع سوى دقات قلبي وحدها تتحدث، لا.. بل إنها تئن، أسمع أنينها ولا أجيبها سوى بدموع صامته تنبع من داخلي وتذرف داخلي، لا تكاد تبصرها في عيني، فهي سجينة هذا القلب الذي تربي بين يديك، وعرف فيك الحب والحنان، وعرف فيك القوة والصبر، فلا أستطيع أن أذرف دموعي ، ولا هي تقوى على أن تسيل على وجنتي ، كي لا أغترب عنك.
علمتني القوة في الأحزان، علمتني الأمل عندما تخيم علينا ظلمة اليأس، علمتني ألا أصرخ، وألا ابكي، وألا أنهار، دموعي لا يراها سواي، وأنيني لا يسمعه سواي، وألمي لا يشعر به سوى قلمي الذي يكتب، وما تعلم قلمي الركض على الأوراق إلا معك، كنت أعشق القراءة ولكني لم أكتب يوماً، ولكن في مقهانا القديم كتبت لأول مرة، نعم كتبت لأول مرة، لم يتبختر قلمي على الأوراق ، ولم يتثاقل، ولكن ركض عليها، تحررت مشاعري من أسر الصمت والوحدة وانطلقت، دفعت قلمي ليكتب، خط معك أحلى الكلمات، علمتني كيف أصادق الأوراق، واليوم أنا اكتب ولكن..
أكتب بدونك، أخط وحدي أقسى الكلمات، ما عدت أرى الشمس في الصباح، ولا ضوء القمر في المساء، هجرتني النجوم، وحتى الربيع ما عاد يزورني كل عام، ونحن في الماضي كنا نستقبله معاً بعد الشتاء، كنا نتبسم للندى وللزهور وللريحان، نعم كنا وكنا وكنا وما عدت اليوم أقول سوى أنا، نعم أنا، أصبحت وحدي في عالم مزدحم بالإنسان، هنا أناس يتحدثون، وهناك أطفال يلعبون، وعلى المنضدة القريبة قلبان يتهامسان، وأنا وحدي في هذا العالم، أراهم وما أكاد أراهم، أسمع ضحكات عذبة وهمسات حانية ولا أكاد أحس بها، في الماضي كنا نغني معاً أعذب الألحان، في الماضي كنا نسمع أعذب الضحكات ، كانت ضحكاتنا وهمساتنا وتبسماتنا تملأ عالمي المزدحم المهجور، ولكن ذكرياتنا نهر يتدفق بداخلي ، ينعش قلبي الذي بات الموت إليه أقرب من الحياة، يحثه على البقاء، وما عاد للبقاء معنى ، ولكن هي أحزاني ، هي ذكرياتي ، هي رفيقي في هذه الحياة إلى ..
إلى أن نلتقي في عالم آخر حيث أنت منذ سنين.


نسمه (senura)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اتبعني على Facebook