الثلاثاء، 25 يونيو 2013

قطرات من حبر القلم

قطرات من حبر القلم

للكلمة الواحدة معانِ عدة وكل قلم يكتب الكلمة ذاتها يضمنها معنًا خاصًا هو من روح الكاتب وعقله وقلبه، ولكل كلمة معنًا يختلف باختلاف العين التي تقرأ والأذن التي تسمع، فكلمة تسعدك يومًا وهي ذاتها تبكيك يومًا، وبعض الكلمات لا أشأ أن اقرأها سوى مرة واحدة لشدة ما تترك في النفس، وبعضها أتمنى لو قرأتها في اللحظة ألف مرة ومرة متجاوزة قدرة العين على الإبصار والعقل على التفكير والحس على التذوق، وفي فن العتاب واللوم كلام يطول ويطول وقلما تعيه العقول، ولا أدل على ما أعنيه سوى أن أسميه فن العتاب واللوم لا عتابًا ولومًا مجردًا، فكلمة العتاب قد تجرح وتهدم وتمزق، وقد تبني وتقرب وتزيد الحب والود أضعافًا مضاعفة، العتاب اللطيف يؤتي ثماره، والعتاب الجاف يقتلع جذور ما قد زرعت فيما مضى، ولك أن تختار حسب ما تريد: على قدر حبك وإخلاصك، وعلى قدر نواياك.
***

لأننا شئنا أم لم نشأ ننتمي قلبًا وقالبًا للبشر، وتسري فينا قوانين وأحكام الفطرة والطبيعة ومنها قانون الخطأ، فكلنا يدرك الخطأ عفوًا أو قصدًا، سهوًا أو عمدًا، وتتباين نوايانا وحقيقتنا لا تتغير، فكلنا بشر، ولا يتمايز فينا غير ما يتبع الخطأ، البعض يعتصره الألم والندم ويؤثر الصمت، والبعض يعذبه الندم والخجل ويداوي عذابه باعتذار يرد إليه من قوته الكثير، والبعض لا يأبه بما اقترف ويسير موليًا وجهه شطر أي ناحية من نواحي الحياة عدا ما ارتكب فيه الخطا، وبعضهم يكابر ويتمرد على الفطرة ويسلخ نفسه من بني البشر: أن هكذا أنا بلا خطأ.
ولأن المرء يتخير لنفسه مكانه يوجهه الخلق والدين والعقل والقلب ـ لأجل هذا أتخير لنفسي موضعًا وسط، ولأني بشر فمؤكد أني اقترفت في الحياة أخطاء كثر، ولأن نفسي عزيزة علي وكل من أبقيهم في حياتي لهم من المحبة نصيب عندي ـ لأجل هذا أقول عذرًا للجميع واذكروني بالخير.
تخير لنفسك ما تريد مادمت إنسانًا خُلقت عاقلاً.
***

إنها تضج وتضطرب كالبحر، وعلى أنه يموج موجًا شديدًا ويعصف بالقلوب ويغرقها بالرعب قبل أن تدرك هي أعماقه، على هذا فالبحر ينعم بحرية التعبير، وصوته ناطق ومسموع أبدًا، أما هي فتضج وتضطرب بلا صوت، وكأن الصوت فيها خجل هو فيها من الطبيعة والفطرة، فتتألم وتبكي وهي خرساء، وإن نطقت ما جاوز صوتها مبلغ نفسها.
***

تحسب بعض النصائح مسايرة لمنطق العقل، مفروغ منها، منتهية بتصديق العقل لها، فتتهاون بها ولا تقدرها حق قدرها، وإن لامك لائم فيها غضبت وتعللت بأن أصلها في عقل المرء وفطرته، وإن أنت نظرت إليها نظرة المستبصر لوجدت أن توكيد ما تظنه أصلاً لا يتزعزع إنما هو لأجل ميل الطبع الإنساني عنها فطرةً، وعفوًا لا قصدة، ميلاً مصحوبًا بحسن النوايا، ومن ذلك وصية الله عز وجل للعدل بين الزوجات، والعدل بين الأبناء ، فلو لم يكن علمه يبلغ طبيعة النفس البشرية وميلها عن عدل العقل لهوى القلب لما أوصى بذلك، وإنما اوصى لنظل نحن نقرأ ونذكر وننتبه، ولنشد وثاق أنفسنا كي لا تميل ميلاً شديدًا فتجاوز العدل للظلم، وتبعد عن المساواة لتقارب التمييز.
لن تُرضي كلماتي الكثيرين وقد تذهب بهم الظنون وتبلغ كل مبلغ، وقد يوجه اللوم ولكن إن قرأتم أسطري بعين جديدة لوجدتم منطقًا يقبل النقاش، لا اللوم والانتقاد السريع، ومن يصدق المنطق يحسن التصرف في حياته، والأعرج لا يحسن المشي وتأمين مسيره إلا لو آمن بكونه أعرج، فعدل من فكره، وبحث عن سبل جديدة تعينه على السير، وإن هو نفى وأنكر واستنكر وسعى للسير كغيره بلا سند أو عصا أو دعامة لسقط جسدًا ونفسًا وروحًا.
***

للبعض أقلام قد كُسِرَت أسنتها فإن تتحرك بين يدي أصحابها تهرق الحبر إهراقًا، فلا تترك الصفحة بيضاء فتحسن صنعًا، ولا تكتب شيئًا ذا نفع، وإنما تغمر البياض بسوادها، وإن الحبر ليُطمس عليه ولا يُزال.
***

أنتم تخافون الأحزان، وتخشون حتى الأحرف التي تكون اسمها، أنتم تشفقون على من يذكرها ويشير إليها عن قريب أو بعيد، وانتم كذلك لأنكم تحصرونها في النكبات والمصائب الكبرى، وإنكم لو ألنتم قلوبكم لرأيتم أن العالم مليء بالأحزان التي تزيد القلب لينًا، وتربيه على الشفقة والرفق بالآخرين، ولرأيتم أن بسمة الواحد منا يدفع ثمنها قلب كريم يتجرع مرارة الدمع ليرسم بسمة على شفتي عزيز.
***

الصمت لغة لا تدرك بالكتب ولا بالالتحاق بأرقى المدارس والجامعات ولا بمصاحبة الأساتذة والعلماء، ولكن فيلسوفًا في الحب قد يلقنك بعضًا من أبجدياتها، فما بالك بمفرداتها؟ وما بالك بأبلغ ما فيها؟
الصمت لغة القلوب والعقول المتيقظة، الصمت لغة الحب الخالص، الصمت لغة مجردة من المادة حتى في مفرداتها، لغة لا منظورة ولا مسموعة ولا مكتوبة ولا مقروءة، الصمت هو بلاغة العيون وبيان القلوب، آه لو تعلمون ما الصمت!
***

إن أقلامي لا تبرى بغير الدموع، وعلى قدر الألم الكائن فيها تخلق الحدة في حروفي وكلماتي.
***

"وَهُم فيكَ وأنتَ عنهم تزيد" هكذا يرفع الحب من قدر إنسان ويوسع من نفسه فتضم بداخلها كل البشر وتزيد عنهم، ولأجل هذا يقنع المحب بحبيبه ويهنأ ولا يرى نقصًا أو عيبًا ينغص عليه سعادته.
***

عندما لا تملك القدرة على التمييز بين العام والخاص في النظرة، في الكلمة، في الابتسامة، في المعاملة، في الحب، في العتاب، في اللوم، في الرجاء، في الخضوع، في الاحتياج، في السؤال وحتى في الخصام - فأنت لست أهلاً لتخص بإحداهن.
***

عندما تملك رأيًا سلبيًا أو عندما لا ترضى عن شيء ما، فأبده في اثنين لا ثالث لهما: جواب سؤال استهدفك بالخصوص، أو دفعًا لضرر جلبًا لمنفعة، ودونهما فتبرعك بالرأي إنما هو ضرب من الوقاحة لا الصراحة.
فرق كبير بين الصراحة والوقاحة فلا تخلط هذا بذاك.
***

يخرج الرجل من رحم أنثى، وترضعه أنثى، وتحتمله ذراعي أنثى، وتربيه في طفولته أنثى، وترعاه في شبابه أنثى، فإذا تفتحت روحه وأزهرت حلم بأنثى، وأحب وتزوج من أنثى، فتقاسمه أحلامه وآماله أنثى، وتحمل عنه همومه وآلامه أنثى، ويخرج أبناؤه حاملين اسمه من رحم أنثى، فإذا أراد الرجل أن يخبر مدى قوته بطش بالأنثى، وإن أراد أن يجري لسانه في ساحة السخرية ذهب وراء الأنثى، وحسب أنه قوي حين يعصف بيده أو بلسانه أو بقلبه بالطبيعة وهي أنثى، ولأنها ترعاه طفلاً في مهده وكهولته فهي دومًا صابرة وهو طفل مكابر معاند، فأي قوة ممكنة في مواجهة الأنثى؟
***

عندما يجيد شخص ما قراءتك فإما أنه ماهر بذلك أو أنه حقًا مهتم بك، وعندما تكون أنت متاح لشخص ما فإما أنك ذو تركيب نفسي سهل أو أنك منجذب إليه، وحين يفشل الآخرون في قراءتك فإما أنك ممثل بارع ترتدي قناعًا متقنًا من اللباقة أو أنك لم تجد بعد من يهتم بك وتنجذب إليه.
***

إن مآتي الطبيعة وثمارها نفيسة غالية، وكل مصطنع رخيص بلا قيمة وإن ضاهى الطبيعي في أثوابه وزينته، كذلك ابتسامتي.
***

إن كلمة الحب لا تنفذ من بين شفاهنا كغيرها من الألفاظ، وإنما تثقل قبلاً بالقلب والروح، فتلوح بدءً في العيون، ثم ينفذ ما يشاء الله منها إلى الشفتين، فيصير صدقًا ممزوجًا بدفء.
***

أصدق ما فينا هو أبعد شيء عن العيون، وعن الكلمات ، وعن الوضوح، أجمل ما فينا هو أعمق ما بذواتنا، وأشرف عاطفة تلك التي تدفعنا للعمل صامتين، فنعمل ونعمل ونقول ولا نكاد نقول، ونبين ولا نكاد نبين، ونكشف المظهر ونخفي المضمون، وأصدق دمعة تثقل بالروح ولا تنفذ من العيون، وأعذب كلمة تطل من بين الأهداب لا من الشفاة، وترى في ذاتها شرف يسمو بها عن قوالب الكلام والحروف، لأجل هذا تحب شخصًا ما ولا تدري لمَ تحبه؟ وأي موضع منه جميل؟ فكأن الجمال يسري فيه من هنا إلى هناك، فيأخذك إلى كل ناحية من نواحيه، فلا أنت تعرف إجابة لتساؤلاتك ولن تعرف أبدًا ما دام الحب بروعته قد ربط بين عمقك وعمقه، وأروع أنواع الحب أكثره غموضًا.
***

أنا وأنت مختلفان، فلا تنزع عني أنا، ولا تلبسني قسرًا أنت، ولنعش اثنين مختلفين متجاذبين متكاملين.
***

لا تبيعوا المشاعر أو تبتاعوها.. ارفعوها من على الطرقات.. إنها أثمن من أن تعرض وتباع بأبخس الأثمان، إنها أكرم من أن تغرق الأسواق فيشتريها الكل بلا قناعة.. بلا إرادة حرة.. بلا صدق.. ارفوعها واجعلوها في موضع مصان.. إنها أثمن من الذهب والؤلؤ والياقوت والمرجان.. إنها درة النفس.. إنها كحبة الؤلؤ تنمو داخل المحار.. إن صناها زاد جمالها.. وغلا ثمنها.. وعلت قيمتها.. لا تفرضوها على الناس فرضًا.. فيتجرعوها كارهين.. لا تهينوا الحب والرحمة وألف ألف اسم لكل مشاعر سامية نبيلة كرم بها الإنسان.. ارفوعها واجعلوها عزيزة لا ينالها غير كريم النفس شريف الخلق نقي السريرة.. إنها سر من أسرار القلوب لا تذيعوه فيموت.. يفقد حرارته ودفأة.. ويطرح على الأرض جثة باردة بلا حياة..
***

لأوتار القيثارة سحر تثيره فينا، وجمال تملك به أرواحنا، وتوقظ بعذوبتها مواطن الإحساس فينا، لكنها لا تزال أبدًا أوتار ضعيفة..
***

عندما تقرر سلب الآخرين حقهم في الإعتراض، فكن كريمًا على الأقل ولا تحاول انتزاع اعتراف كاذب منهم بقبول رأيك، فحتى السيطرة وفرض الرأي لها درجات، ويتفاوت أصحابها في مواضعهم على سلم الكرم الخلقي.

نسمة السيد ممدوح

اتبعني على Facebook