"عهد الأصدقاء - Romeo and blue skies" رؤية خاصة

"عهد الأصدقاء - Romeo and blue skies"

رؤية خاصة



تتنوع الأفكار وتختلف في مستوى عمقها وجودتها، وعلى جانب آخر تتنوع أساليب التعبير، ولكل فكرة أسلوب يناسبها، والرسوم المتحركة ما هي إلا أسلوب من أساليب التعبير المتنوعة ، وهي نوع خاص من الفن بإمكانيات واسعة، حيث لا توجد حدود للمساحات ، ولا قيمة لتكاليف السفر والإنتقال من مكان لآخر، ولا قيود حقيقية على الشخصيات، حيث يمكنك هذا الفن من تصوير فكرتك بأي عدد من الشخصيات محددًا بدقة أعمارها وملامحها وطباعها وطريقة تطورها ونموها، ويمكنك من تصوير مشاهدك في أكثر من مكان حتى لو تطلب الأمر أن تدور حول العالم، وبالطبع ساعد التقدم التكنولوجي على تطوير هذا الأسلوب وأثراه بشكل كبير، ومع ذلك تظل الفكرة هي الأساس الذي يقيم العمل ويساعد على نجاحه، أو يهدمه هدمًا ويهيل عليه النراب.

يخطيء الكثيرون في الإعتقاد بأن إنتاج الرسوم المتحركة موجه للصغار فقط، وفي رأيي توجد قصص - وإن كانت نادرة – تهدر حقًا إذا اقتصرت مشاهدتها على صغار السن، حيث لا يعون منها غير القشور، أما لب الفكرة فهو أعمق من إدراكهم البسيط، وتظل مثل هذه الأعمال بحاجة لقراءة المشاهدين ممن هم أكثر نضجًا وأعمق فكرًا، وأن يقوم الأطفال بلعب دور البطولة في إحدى القصص ليس مبررًا كافيًا لتوجيهها للصغار، بل إن بعض الأفكار يصعب أو يستحيل تصويرها دون استخدام الأطفال كأبطال لها، وفي النهاية تظل الفكرة والمعنى هما المقياسان الحقيقيان، وهما ما يحددان الفئة المستهدفة من وراء هذا العمل، والقادرة بحق على تذوق أجمل ما فيه.

“Romeo and blue skies” هو مسلسل رسوم متحركة من إنتاج شركة نيبون أنيميشن اليابانية، أنتج عام 1995، ودبلج للغات عديدة منها الإنجليزية باسم “Romeo and black boys” ومنها العربية تحت اسم "عهد الأصدقاء" إن قصة هذا العمل نادرة حقًا في عمقها وروعتها، ويبدو أن أسلوب التعبير عنها مع قصور التصور والذي تحدث عنه مسبقًا هو السبب في ظلم هذا العمل، والذي ظل ولا يزال يعرض باعتباره مسلسلاً للصغار رغم ما يتضمنه من معاني، ولأن الأفكار العميقة لا يمكن أن نعبر عنها بسطر أوبضعة أسطر : فإني أجد نفسي في حيرة حقيقية عند استقراء هذا العمل المكون من ثلاثة وثلاثين حلقة،على كل حال علي أن أوجز وأن أقدم الجوهر قدر إستطاعتي بالرغم مما قد يعنيه ذلك من إهدار الكثير مما ينطوي عليه العمل وما يستحقه بحق.

صورت هذه القصة العديد من الشخصيات المختلفة، وناقشت العديد من الأفكار، والنظرة السطحية تقودك حتمًا لإعتقاد أن الفكرة الرئيسية والوحيدة للعمل هي فكرة عمل الأطفال الصغار عن طريق استئجارهم وبيعهم في المدن الكبيرة، والدفع بهم للمهن والأعمال الشاقة وربما القاتلة، مع إهدار حقهم الطبيعي في التمتع بالطفولة والحصول على الرعاية الصحية والإجتماعية الطبيعية، ومع كون العمل يصور فعلاً هذه الفكرة كفكرة رئيسية إلا أنه ناقش معها عدة أفكار هامة ولا تقل عنها أهمية، وتكاد تكون افكارًا خاصة وتحتاج منك للإنغماس الحقيقي في المشاهدة ومتابعة الشخصيات في كل تصرفاتها وردود أفعالها.

تبدأ القصة في قرية صغيرة حيث الناس جميعًا بسطاء فقراء يعانون من موسم الجفاف، وهم مزارعون يحيون على ما تنتجه حقولهم من الثمار، وانقطاع المطر يعني انقطاع الرزق، مدينون لا يقدرون على سداد ديونهم، روميو هو ابن إحدى الأسر الفقيرة، وهو أيضًا ابن أكثر الأسر تضررًا، وذات يوم يصل إلى القرية رجل مخيف متشح بالسواد ، يبدو كأنه نذير للشر ومبعث للشؤم، إنه "ليوني" أو كما أطلق عليه الناس "الرجل الغراب"، ليوني هو رجل ذو سمعة سيئة يطوف القرى ومعه المال، ويتحين الفرص، فيعين الأسر الفقيرة بمنحهم المال مقابل استئجار الأطفال الصغار لستة أشهر كاملة، يقتاد الأطفال إلى مدينة ميلانو في إيطاليا حيث يبيبعهم كالرقيق للعاملين في تنظيف المداخن، وهي مهنة وضيعة في الزمن الذي تصوره القصة، ويتعين على هؤلاء الصغار تحمل ظروف العمل الصعبة والتي تؤدي بالكثير منهم إلى الموت بسبب البرد والجوع وقسوة المعاملة والظلم، إذن يصل ليوني للقرية وتقع عيناه على روميو، ويعرض مساومته على والد روميو فيرفض الأب بشدة، ويسمع ليوني من بعض الرجال في المقهى أن والد روميو يعتمد على محصول الذرة لسداد ديونه وأنه بانتظار هطول الأمطار على أحر من الجمر، ويستغل انشغال الناس ويلقي بعود الثقاف المشتعل في الحقل الجاف لتلتهمه النيران، ويكرر مساومته مع والد روميو الذي يرفض بشدة للمرة الثانية، ويمرض الأب ولا تجد الأسرة المال الكافي لعلاجه وعندها تبدأ شخصية روميو في التطور، وتحت الضغوط وحبه ووفاؤه لوالده يذهب بنفسه إلى ليوني، ويوافق على أجير نفسه له مقابل المال، ويتم الإتفاق ويفارق روميو أسرته متجهة صوب ميلانو.

روميو هو الشخصية التي تظهر بداية في القصة ويكاد يكون البطل فيها، إلا أن بطولة روميو لا تكتمل إلا بظهور الشخصية الثانية "ألفريدو مارتيني" الفتى الذي أثار إعجاب مشاهدي القصة، وربما أن شخصية ألفريدو قد عاشت طويلاً في قلوب وعقول الكثيرين، ويكاد يكون هو البطل للقصة الثانية إذا جاز لنا أن نقسم العمل لقصتين تسيران جنبًا إلى جنب وتكمل إحداهما الأخرى.
ألفريدو فتى من بيئة مختلفة لا يكتشفها المشاهد إلا في الثلث الأخير من المسلسل بالرغم من إعجابه المستمر بهذه الشخصية وشعوره بغموضها ، وبأن وراءها سرًا لم يفصح عنه بعد، هو ابن عائلة ثرية تنتمي إلى طبقة النبلاء، وله شقيقة واحدة، هو وشقيقته ضحية مؤامرة حاكها عمه وزوجته طمعًا في المال والشهرة، وقد أتت المؤامؤة ثمارها بالتخلص من والد ألفريو ووالدته واحتراق القصر، لكنها لم تكتمل بسبب نجاح ألفريدو في الهرب برفقة شقيقته من القصر بعد أن حصلا على أهم ما يطمع إليه العم وزوجته، قلادة تكريم ذهبية منحها حاكم البلاد لوالد ألفريدو في إحدى الحروب، وكانت هي رمز نبل وشرف العائلة، وبسبب مؤامرة العم تحول الفريدو من ابن لأسرة نبيلة إلى فتى يحاول الهرب والنجاة بشقيقته متحملاً مسؤولية القلادة التي أوصاه والده على صيانتها مهما كلفه ذلك من جهد، وتتواصل الأحداث لتنتهي بالشقيقين في بيت مزارع فقير، وفي ذات التوقيت تقريبًا يصل ليوني ويستأجر ألفريدو نظير بعض المال الذي سيدفعه الأخ للمزارع راجيًا إياه العناية بشقيقته حتى تنتهي فترة عمله في ميلانو.

وبالرغم من الإختلاف الواضح بين شخصيتي روميو وألفريدو إلا أن القدر يشاء أن يجتمعا معًا في إحدى القرى وهما في طريقهما إلى ميلانو، وألفريدو الذي ذاق مرارة الظلم على يد العم وزوجته يحاول تبرئة روميو في أول لقاء لهما دون أن يعرفه، وبعد أن تثبت براءة روميو ينسحب ألفريدو في صمت وكأن مهمته قد انتهت ليلحق به روميو بإصرار، وتبدا العلاقة بين الاثنين لتتطور على نحو متميز وتنتهي بعهد يبرمه الصديقان معًا بعد وصولهما إلى ميلانو، وبعد أن يباع كل واحد منهما لأحد العاملين في تنظيف المداخن يتبادل الصديقان كلمات يعبران فيها عن تعلقهما ببعضهما البعض، ويتعاهدان على الإبقاء على هذه الصداقة مستمرة، وفي لحظة خاطفة يفترق الاثنان دون أن يعرفا كيف سيلتقيان من جديد.

يبدأ فصل جديد في القصة يغيب فيه ألفريدو تمامًا، وتدور الأحداث حول روميو الذي يذهب لبيت الرجل الذي سيرافقه في العمل، وتظهر معاناة الفتى الصغير من الجوع وسوء معاملة سيدة البيت له، وتتوالى الأحداث حيث يدبر أحد أفراد الأسرة وهو فتى صغير في عمر روميو – يدبر مؤامرة لللخلص من روميو متهمًا إياه بالسرقة، ويضطر روميو للهرب، لكن تسير الأحداث على نحو مختلف ويلتقي برفيق قديم التقى به مسبقًا في رحلة الذهاب إلى ميلانو، وتحدث مصادفات عدة تنتهي ببراءة روميو وعودته لبيت الرجل ثانية ومواصلته لعمله من جديد.

ونقطة التحول الثالثة في القصة تبدأ برحلة البحث التي يقيوم بها روميو في ملانو، وحيث الهدف هو ألفريدو، تكلل جهود روميو بالنجاح ويلتقي بألفريدو من جديد، فيجددان العهد بينهما ثم يسعيان لجمع منظفي المداخن معًا في تشكيل واحد لمقاومة مجموعة من الصبيان الذين أطلقوا على أنفسهم اسم "الذئاب" والذين كثيرًا ما اساؤوا إلى العاملين الصغار في تنيظف المداخن باعتبارهم غرباء ودخلاء على مدينة ميلانو، وبالفعل تنجح خطة الصديقين ويجتمع الفتيان معًا مشكلين فريقًا جديدًا باسم "منظفي المداخن" وتدور الأحداث وتتوالي بين المجموعتين وتارة تنتهي الجولة لصالح الذئاب وتارة لصالح منظفي المداخن.

وتأتي نقطة التحول الرابعة في القصة حين تظهر شقيقة ألفريدو "بيانكا" برفقة العم وزوجته، لقد استطاع العم العثور عليها واقتادها معه إلى ميلانو بحثًا عن ألفريدو، ورغبة منه في الحصول على القلادة الذهبية، وكان وصول العم لحضور حفلة زفاف ابن دوق ميلانو وحيث دعي النبلاء من جميع أنحاء إيطاليا، ودعي الحاكم لتشريف الحفل، وبالمصادفة يلتقي روميو ببيانكا في لحظات هروبها من العم، ويخبر ألفريدو بالأمر وينطلقان للبحث عنها، ثم ينجح ألفريدو في استعادة شقيقته.

الحدث الخامس في القصة هو إتحاد الفتيان معًا لمساعدة ألفريدو في الوصول لقاعة الإحتفال بعد أن روى لهم قصته كاملة، وحين يتطلع ألفريدو لإعلان الحقيقة أمام حاكم البلاد مستعيدًا شرفه ووراثته لعائلة المارتينيز ومبرئًا نفسه وشقيقته من التهم التي ألصقها بهما العم وزوجته ، وبالفعل تنجح المحاولة بتضافر جهود منظفي المداخن ، لكن يظهر تحالف جديد في هذه الأحداث بين منظفي المداخن والذئاب، وللأسف ورغم نجاح ألفريدو في الوصول إلى الحاكم وإثبات براءته ـ فإن النهاية ستكون مؤسفة حيث يلفظ ألفريدو أنفاسه الأخيرة بين يدي روميو في ذلك الصباح.

ثم يأتي فصل الختام في القصة مصورًا آلام روميو لفقد صديقه العزيز، وتكاتف بقية الفتيان لإنقاذ روميو وانتشاله من حالة الحزن العميق، ثم نجاحهم في ذلك بمساعدة بيانكا، وأخيرًا تنتهي فترة اسئجار الفتيان ليعودوا إلى قراهم ومنازلهم من جديد.

إن تطور الشخصيات وروعة تصويرها والتعبير عنها هو من أجمل ما يمكن أن تلاحظه في القصة، فتنظر كيف كان روميو في بداية القصة: فتى بريء نقي وساذج أيضًا يلعب بالنار في حقل جاف دون توقع المخاطر، ثم كيف تحوله الظروف والصعاب لفتى جريء يحاول اخفاء مخاوفه ويؤجر نفسه لمستقبل غامض يعلم أنه قد لا يعود منه أبدًا، ثم كيف كان روميو يعجب بألفريدو في أيامهما الأولى، وكيف كان ينظر إليه نظره تقدير، وكيف كان ألفريدو رغم غيابه ونيسًا روحيًا ومساندًا لروميو، وبصحبة الفريدو تستطيع أن تلمس تأثيره على شخصية روميو وكيف دفع به للنضج المبكر والإتزان، لنجد روميو يعترف بفضل ألفريدو عليه في لحظات الفراق، ثم ترى لحظات ضعف روميو التي تملا مقلتيك بالدموع بعد موت ألفريدو، وكيف سيشمل الذهول والحزن هذا الفتى المرح، وتنتهي القصة بشخصية روميو القوية التي تغلبت على الأحزان بذكرى ألفريدو وكلماته وصورته التي لم تفارق خيال روميو، ثم تحزن عند فراق روميو لميلانو مودعًا قبر ألفريدو وعائدًا إلى قريته، لتفاجئك النهاية بمستقبل روميو الذي أصبح معلمًا وأصبح زوجًا لبيانكا.

ومن ناحية أخرى ترى شخصية ألفريدو الآسرة، فتى مترف لم يتخلص بعد من شعوره بالظلم في بداية القصة مما سلمة للصمت ملتمسًا فيه القوة ومستلهمًا منه الصبر، وترى كيف صورت القصة معاناة ألفريدو في البداية عند دفاعه عن روميو الذي لا يعرفه حين رآه متهمًا بسرقة التفاح من عربة المزارع، وكيف أن موقف روميو الضعيف المستنجد قد أثار شجونه وإحساسه بالظلم الذي وقع عليه، فتراه يتوقف ليراقب الأحداث عن كثب ، ثم يتدخل في الوقت المناسب مبرهنًا على براءة روميو، ثم انسحابه الصامت دون انتظار الشكر من روميو، ثم تعجب من محاولته لاخفاء شخصيته رغم ما يرتكبه من أخطاء غير مقصودة تثير دهشة روميو، فعندما يقرأ ألفريدو الإعلان المعلق على الجدار عفوًا تجد روميو يندهش قائلاً "رائع انت تعرف القراءة، في قريتي العمدة فقط يعرف القراءة والكتابة" وهنا يصمت ألفريدو وتظهر علامات الندم على وجهة وكأنه ارتكب خطأ قد يكشف طبيعة شخصيته دون أن يدري، ثم تصدر منه الأحاديث حول المدن التي زارها مما يثير دهشة روميو من جديد ليعود ذات الشعور للظهور، ومع الوقت ينجح ألفريدو في إخفاء حقيقته حتى أن روميو لن يعرف شيئًا عن سر ألفريدو حتى الثلث الأخير من القصة، وترى تطور شخصية ألفريدو من فتى مترف نبيل يحيا حياة القصور إلى فتى يقاسي شظف العيش ويحيا بين الفقراء والبائسين، ثم تظهر القصة إصابة ألفريدو بمرض خطير يعجل بنهايته، وبالرغم من معرفة ألفريدو لمرضه إلا أنه يظل يخفيه عن الجميع تماسكًا وحفاظًا على قوته التي يبثها لأصدقائه، ودقة المشاهد تقوده لاكتشاف أن ألفريدو مصاب منذ لحظات ظهوره الأولى رغم أن الحقيقة تأتي متأخرة جدًا، ومع أن فكرة المريض المتماسك الذي يحاول إسعاد من حولة قد تكون مستهلكة حقًا إلا أنها هنا جاءت لتدعم فكرة مختلفة، حيث قرر ألفريدو ومنذ زمن طويل أن يستبدل القوة الجسدية بالقوة العلمية والفكرية مندفعًا صوب القراءة حتى في أحلك الظروف، وتصور القصة معاناته في القراءة على أضواء النوافذ وأعمدة الإنارة في الطرقات وأثناء تجواله في الشوارع صباحًا أثناء عمله، وعندما يلمس روميو هذا الجانب في شخصية الفريدو يعجب به ويكلف به أشد الكلف ويسعى لتعلم القراءة والكتابة ، ولأن صوره صديقه ستمثل في ذهنه على مر السنوات فستساعده في مشواره حتى يصبح معلمًا للصغار ماحيًا بيديه الجهل والامية.

وكما تركت شخصية ألفريدو آثارها في نفس روميو، كذلك كان لروميو تأثيره على ألفريدو، حيث حركت بساطة روميو واندفاعه لمساعدة ألفريدو ووفاؤه والتزامه بعهده لليوني ـ أثارت إعجاب ألفريدو الذي بدا وكأنه يكتشف نمطًا جديدًا من الشخصيات لم يألفه من قبل، ونجد اندماج هذه الآثار مع ذكاء ألفريدو ومعرفته ونشاطه في سعيه للم شمل منظفي المداخن ورفع روحهم المعنوية، حتى أن تسميه الفريق الجديد باسم "منظفي المداخن" قد اختاره عمدًا ليغرس فيهم احترامهم وتقديرهم لأنفسهم ولعملهم مهما كان بسيطًا أو وضيعًا في نظر الآخرين مادام عملاً شريفًا، ونرى قوة ألفريدو في صدامه مع قائد الذئاب وتماسكه رغم ضعفه الجسدي، ونرى أيضًا شجاعته في مقاومة المرض وتبسمه في الأزمات لنلمس مواضع القوة في شخصيته، وفي حين يسمع روميو عن ألفريدو في رحلة بحثه عنه، ويسمع عن إنقاذه لهذا وإطعامه لذاك، عندها يخيل للمشاهد أن الفريدو هو من أفضل الفتيان حظًا في ميلانو، ثم يكتشف بعد ذلك بكثير أنه من أسوأهم حالاً، وأنه مرافق لرجل سيء الطباع كثير السكر، شرس وقاس، وأنه لا يأكل إلا أقل القليل، وأنه يمضي ساعات الليل في القراءة بدلاً من النوم متجولاً في الطرقات ، معتمدًا على ضوء هذه النافذة أو هذا القنديل، وبالرغم من الظروف القاسية لا يزال ألفريدو يحمل صفات النبل الحقيقة في معاملته للآخرين، وفي شجاعته التي دفعته للإفتخار بأصدقائه الفقراء أمام حاكم البلاد معلنًا عن إيمان أن النبل خلق وليس لقب.

وتصور القصة فكرة الحلم المشترك وكيف يمكن لشخص أن يورث حلمه لآخرين يسعون لتحقيقه حتى بعد رحيله، ففي إحدى المواقف يدور الحوار بين الصديقين ليحدث ألفريدو روميو عن حلمه بأن تنتهي معاناة الفتيان من أمثالهم ويصبح لهم الحق في الحياة كغيرهم والتعلم والعيش بحرية وكرامة، وعندنما يشعر روميو بصعوبة تحقيق هذا الأمر يتراجع نتيجة النظرة القوية الواثقة لصديقه ليجد نفسه مدفوعًا لتأييده ومساندته، وفي لحظات الفراق الأخيرة يوصي ألفريدو صديقه بأشياء ثلاث : "اعتني بأختي بيانكا، لا تنسى حلمنا، لا تنساني" وينجح روميو في تحقيق الوصايا الثلاث كما صورت القصة، ثم يشرك أصدقاءه في حلم ألفريدو ليتحول الحلم الفردي لحلم جماعي قابل للتحقيق رغم مغادرة صاحبه لهذا العالم.

ولا ننسى شخصيات القصة على تعددها وتنوعها، ومن الصعب أن يتجاهل المشاهد أو المستقرئ للقصة شخصية الدكتور كاسيلا بروعتها والسيد روسي والفتاة أنجيليتا والكونتيسا إيزابيلا، إن روعة العمل أكبر من أن أتحدث عنه في صفحات مهما طالت، وعلى كل حال علي أن أنهي حديثي الذي طال، لأقول ما قد ذكرته سابقًا حول هذا العمل الرائع : "لا تظلم هذا العمل الرائع بمشاهدة سطحية" ، وأتمنى أن تمتعوا أنفسكم وأرواحكم بمشاهدة قصة نبيلة كقصة روميو وألفريدو.

نسمة السيد ممدوح
12 ينلير 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اتبعني على Facebook