السبت، 2 أغسطس 2014

نظرة في المؤسسات التعليمية



نظرة في المؤسسات التعليمية



التعليم من القضايا الشائكة والمثيرة للجميع، حيث تلعب المؤسسات التعليمية دورًا هامًا وحيويًا في حياة الأفراد والأسر والمجتمعات، وتساهم بقوة في تشكيل الأجيال الجديدة، ودورها لا يقتصر على تزويد تلك الأجيال بالمعلومات والمواد العلمية فقط، وإنما تساهم في تشكيل الوعي لديهم ، وكذلك خلق القيم وترتيبها داخل عقولهم، كما تكسبهم الكثير من السلوكيات، حيث لا يتعامل الفرد داخل تلك المؤسسات مع شخص واحد يؤثر ويتاثر به، وإنما يتعامل مع العديد من الأفراد مختلفي المستويات من حيث التأثير والتأثر كالزملاء والمعلمين والإداريين.
من بين الموضوعات المثارة في مجال التعليم "المعلم" كيف يُبنى المعلم؟ وما الدور المنوط به تأديته؟ وماهي أدواته؟ إن تزويد المعلم بالمادة العلمية والمهارات التي تمكنه من نقل تلك المادة للطلاب أمر متفق عليه، هذا يعني أن الدور الرئيس للمعلم هو نقل المادة العلمية للطلاب، لكن هناك اعتقاد شائع أن المعلم هو مُربي، وفي هذا كلام كثير.
في الماضي كان التعليم ذو طابع فردي، معلم واحد وطالب واحد، وكان من الطبيعي أن يكون المعلم في تلك الحالة فردًا ذو أهمية في الأسرة يشارك بشكل كبير في تعليم الطفل وتكوين شخصيته وتربيته بطريقة مباشرة، ومع الاتجاه للتعليم الجمعي كما كان عليه الحال قديمًا في الكتاتيب وحلقات الدرس في المساجد مثلًا أخذ الأمر يتطور، فالمعلم يتعامل مع العديد من الطلاب، فهو إذن معلم عام وليس خاص، وهو مطالب بالتركيز على الجوانب العامة والقيم الرئيسية المشتركة بين الجميع، وهذا يعني أيضًا تغيرًا كبيرًا في دوره التربوي، ثم تطور الأمر أكثر عندما تحول التعليم لعملية منظمة تديرها الدولة، فالمدرسة لم تعد معلم يقدم ما لديه لطالب واحد أو مجموعة من الطلاب، و‘نما أصبحت مؤسسة منظمة يجري العمل فيها طبقًا لنظام محدد وواضح.
وبما أننا نتحدث عن مؤسسة يجري العمل فيها طبقًا لنظام فعلينا أن نحاول جاهدين تنحية كل ما هو شخصي وذاتي، وعلينا أيضًا البحث عن المعايير والضوابط التي تحقق الحيادية والموضوعية قدر المستطاع، وقبل كل ذلك علينا أن نعرف أولًا ما الدور المنوط بتلك المؤسسة القيام به، ثم نبحث عن أدوات تحقيق هذا الدور، وأخيرًا ندرس ضوابط ومعايير المحايدة، أن الدور الأساسي الذي تقوم به المدرسة هو تزويد الطلاب بالمادة العلمية باعلى كفاءة ممكنة وإكسابهم القيم العامة التي يتفق عليها المجتمع كقيمة الإلتزام والانضباط والاحترام والصدق والأمانة والشرف وحب الوطن، ويتم ذلك من خلال عدة أدوات تتمثل في المعلمين والمشرفين داخل المدرسة، فدور المعلم هو نقل المادة العلمية للطلاب مستعينًا بما لديه من كتب ووسائل إيضاح وشرح وتدعيم وملكات وخبرات خاصة في التدريس، كما عليه تطبيق قوانين المؤسسة التعليمية التي تحقق الضبط والإلتزام، وعليه تدعيم دور المشرف التربوي من خلال تقديم صورة جيدة وقدوة حسنة لطلابه، أما المشرف التربوي فدوره هو تعزيز القيم لدى الطلاب واستكشاف مواضع الخلل لديهم وعلاجها بطرق علمية مدروسة.
السؤال الذي يكثر حوله الجدل: ما هي أدوات المعلم لتحقيق الضبط والالتزام؟ وهل اعتماد الضرب كوسيلة للتأديب أمر مقبول؟
يمكن القول أن ادوات المعلم تنقسم لأدوات شخصية وأدوات مشتركة تزوده بها المؤسسة التعليمية التي يعمل في إطارها، وأدواته الشخصية تتثمل في قوة شخصيته وانضباطه والتزامه الشخصي، ويمكن التماس ذلك بوضوح عند المقارنة بين المعلم المواظب على الحضور وتأدية عمله بامانة وإخلاص وبين المعلم الكثير التغيب والمقصر بأداء عمله، كذلك مهارة التحكم بالصوت ونبراته مما ينقل للطلاب ليس فقط أمر اللإنضباط وإنما الشعور بضرورة تنفيذه بجدية واحترام، وأخيرًا الإقتراب من مبدأ الترغيب والابتعاد عن مبدأ الترهيب.
أما الأدوات التي تزوده بها المؤسسة التعليمية فمن بين ما هو مقترح وضع لائحة أشبه بقانون العقوبات في المدرسة يحدد بشكل واضح ودقيق الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها الطلاب والعقوبات المقررة عليها، على أن يوضع بالاعتبار أن الهدف هو تقويم الطالب وإشعاره بالمسؤولية وضرورة تحمل تبعات أفعاله، ويمكن استخدام الدرجات الخاصة بالسلوك لتحقيق هذا الهدف، ومن المقترحات أيضًا عقوبة الحرمان من وقت الراحة المدرسية (الفسحة) أو إقرار وظائف مدرسية إضافية على الطالب، أو عقوبات تتمثل في ترميم بعض جوانب المدرسة في حال الأخطاء الفادحة، وتلك العقوبة أشبه ما يكون بالخدمة العامة لكن داخل محيط المدرسة، على أن يقوم بإعداد تلك اللائحة عدد من الأخصائيين النفسيين والإجتماعيين والتربويين مراعين فيها نفسية الطالب والعلاقة بين الخطأ والعقوبة، فلا يمكن مثلًا معاقبة طالب مهمل في أداء وظائفه المدرسية بأداء وظائف أكثر، فالسبب الذي منع الطالب من أداء وظائفه الأساسسية هو تقديمه اللعب مثلًا على أداء العمل المدرسي، ومن هنا تصبح العقوبة الأفضل هي حرمانه من اللعب في المدرسة مع زملائه ليوم أو عدة أيام، على أن يتم توضيح ذلك له بأنه لم يبذل ما هو مطالب به من جهد حتى يحصل على الراحة واللعب، ولا يمكن إغفال ضرورة وجود قنوات اتصال واضحة ومباشرة بين الطلاب وطاقم الإشراف والإدارة من جهة وبين أولياء الأمور والإدارة والإشراف من جهة أخرى
إن تعميم ما كان مقبولًا في السنوات الماضية على الوقت الحاضر أمر غير منطقي، فما كان يناسب الإنسان منذ مائة عام لم يعد ليناسبه اليوم، والعقوبات البدنية أمر كان مقبولًا فيما مضى، أما اليوم فالمجال متسع لليحث والدراسة واكتشاف الكثير من طرق التقويم والعقاب أكثر فاعلية وأقل ضررًا من العقاب البدني.
إن تطوير نظمنا التعليمية لن يتحقق إلا بالبحث والدراسة والمرونة في تغيير الأفكار والمعتقدات والبحث عما هو أفضل، وأخيرًا الشجاعة في تطبيق التغيير وتقييمه.

نسمة السيد ممدوح
2 أغسطس 2014

هناك تعليق واحد:

  1. العلم يبني بيوتاً لا عماد لها
    والجهل يهدم بيوت العز والكرم

    حقيقة مقالات إبداع

    ردحذف

اتبعني على Facebook