السبت، 30 أبريل 2011

ما وراء المعاني


ما وراء المعاني

كثيرًا ما نردد عبارة "اقرأ ما بين السطور" لكن كثيرًا ما ننسى أن علينا حقًا أن نقرأ ما هو مخبأ أسفل الكلمات التي على السطور، أكثر المعاني عمقًا قد نعبر عنها بعبارات بسيطة جدًا، وتبقى العلاقات بين الصور والكلمات هي الدليل للمعاني الخفية المقصودة، لهذا لا تسلم دومًا بأول معنى يتوصل إليه عقلك، ثق أن وراء العبارات القصيرة خاصة معانٍ كثيرة.
وفي هذه الأسطر سأخوض جولة مع عبارة بسيطة نقشتها يومًا ، أظن أن الكثير من رسالتي لم يبلغ أحدًا، ليس لصعوبة في تركيب الجملة أو استخدام مفردات بعيدة المعنى؛ ولكن لهذا الفارق الكبير بين بساطة التصوير وعمق المقصود، يومًا كتبت "لا تقر بأن الثوب مريح مالم ترتديه من قبل" هذه العبارة القصيرة قد نقول أشباهها كثيرًا في حياتنا اليومية؛ لكن حين نكتبها مجردة فالأمر هنا يختلف، نحن نكتب بدون موقف معين ؛ إذا ليس من العدل أن ندرك الجملة في إطار موقف نرددها فيه عادة، وإنما علينا أن نناقشها بعمق أكثر.
الثوب هو حقًا هو كل ما يمكن ارتداؤه، هذه حقيقة لكن الثوب الذي قد تصوره الكلمة لأعيننا هو الثوب المنسوج لأن هذه هي أقرب صورة مادية للثوب، لكن الثوب بمعناه الواسع قد يكون غير مرئي وغير مادي أيضًا، في العربية نجد الكثير من التعبيرات التي تساعدنا لإدراك المعنى ، فنقرأ في القرآن لباس التقوى، ونقول ثوب الفرحة، ثوب الحزن أو الهم وهكذا، فالثوب هنا هو شيء ترتديه النفس أو يرتديه القلب وليس ثوبًا منسوجًا يرتديه البدن، ومادام الأمر كذلك فالمعنى حقيقة سيتجاوز ذاك الذي ننظر إليه بسطحية.
عندما نقول لا تقر بأن الثوب مريح مالم ترتديه من قبل فهذا أيضًا يعني أنه ليس من الصواب أن نحكم على حالة ما أو وضع ما بأنه سيكون كذا أو كذا مادمنا لم نعايشه قبلاً، وهذا يعني أيضًا قصور حكما على المستقبل حتى لو كان مستقبلنا، ويقودنا هذا أيضًا لندرك أن المبالغة في إصدار الأحكام على حالات مستقبليه قد يجعلنا عرضة للصدمات والانتكاسات، لماذا؟ لأننا حين نحكم بأنه عندما يحدث كذا أوعندما سنكون في هذا الموقف سنكون سعداء فإننا نؤهل أنفسنا لانتظار ماهو جيد فقط، وعندما يحدث ماليس متوقعًا قد نصاب بخيبة أمل، هذا لا يعني أن نتوقف تمامًا عن التفكير أو توقع ما يمكن أن يكون، أو كيف سنكون في المستقبل، لكن يعني أن نبتعد قدر الإمكان عن المبالغات.
من ناحية أخرى قد نرى شخصًا يرتدي ثوبًا مختلفًا عنا، وفي هذه الحالة ليس من العدل أيضًا أن نصدر عليه حكمًا بأنه سعيد أو بنبغي عليه أن يكون كذلك، أو أن عدم ارتياحه لهذا الثوب خطأ وأنه هو المسؤول؛ فمادمنا لم نرتدي هذا الثوب من قبل فيجب أن تكون احكامنا عليه حذره، وما يلائم هذا قد لا يلائم ذاك، هذه أيضًا حقيقة نقرها في حياتنا المادية حتى في التعامل مع الأثواب، فما يناسب صديقك قد لا يناسبك أو قد لا تشعر معه بالراحة.
وختامًا هناك دومًا ثوب سيريحك ، وكما نبحث في المتاجر عن هذا الثوب ونقضي الساعات في رحلة البحث تلك؛ فأنفسنا هي أيضًا أولى وأجدر بأن نوليها هذا الاهتمام، فالأبدان لا شيء بدون نفوس تسكنها.

نسمه السيد ممدوح
30 ابريل 2011


الخميس، 28 أبريل 2011

امنحه الحرية، امنحه القوة ليحيا حياة طبيعية


امنحه الحرية، امنحه القوة ليحيا حياة طبيعية

الأبناء نعمة من الله، ولكن عندما يرزقك الله بطفل يعاني من مشكلة صحية أو إعاقة بدنية أو عيب خِلقي ـ عندها تذكر أن الله ألقى على عاتقك مسؤولية كبيرة جدًا، لا تتصور أن الألم الذي سيعتصر قلبك حينها وصبرك عليه هو المقصود؛ بل هناك ما هو أكبر، فأنت تحمل عبء تنشئة هذا الطفل ليشعر بالفعل أنه يحيا حياة طبيعية، معادلة صعبة وعسيرة في تحقيقها لكنها ليست مستحيلة، طفل غير طبيعي ينشأ ويعيش باعتباره طبيعيًا ، كيف يمكن تحقيق ذلك؟
في بداية هذا المشوار الطويل الشاق احمد الله على ما ابتلاك به، وعاهد نفسك على أن يحيا ابنك بسلام وبحرية، وأن يحيا طبيعيًا، ثم ابدأ العمل، تذكر أن خوفك عليه وتألمك من أجله سيدفعك لارتكاب الأخطاء والهفوات، هذه ليست أخطاء بمعنى الأخطاء وإنما هي أخطاء في الأسلوب الصحيح للتعبير عن معاني الرعاية والإهتمام، فحتى عندما نهتم بمن نحب أو نهتم بأصدقائنا أو إخواننا أو والدينا .. الخ ـ علينا أن نذكر دائمًا هذا الخيط الرفيع الذي يفصل بين الرعاية وبين جرح شعور الطرف الآخر لشعوره بالنقص والعجز، لا نقول يجب أن نحافظ على هذا الخيط فقط؛ بل يجب أن لا يُمس أو يهتز أيضًا، فالشعور بالنقص والحرمان أو العجز ينمو سريعًا داخل الإنسان ويولد نوعًا من النضج المبكر في بعض جوانب شخصيته ، قد يكون البعض قادرًا على التعبير عن نفسه في تلك المواقف الحساسة، والكثير لا يملك ذلك، وهناك الأكثر ممن يملكون القدرة على التعبير لكن الشعور الداخلي بالألم والمرارة يدفعهم لالتزام الصمت رغمًا عنهم، لهذا لا تكن قاسيًا مع ابنك حتى في رعايتك وخوفك عليه، لا تسال سؤالًا لن تفيد منه ، إن كان ابنك يعاني من مشاكل بصرية فلا داعي لتسأله باستمرار "أتستطيع رؤية هذا هناك؟" أنت تطرح السؤال بنوايا طيبة وابنك يدرك هذا، لكن على كل حال قد اخترق سؤالك المتكرر قلبه ونزف منه ولو قطرات.
قد ترغب في أن تخفي عيوب ابنك عن الآخرين حتى لا يتعرض له البعض بالسخرية أو طرح الأسئلة المؤذية ، وهذا شعور نبيل منك؛ لكن افعل هذا بطريقة غير مباشرة، فلا تقل ارتدِ هذا حتى تخفي ساقك أو ذراعك مثلاً، ولكن قل له هذا أجمل عليك، ارتدِ هذا المعطف اليوم فأنا أفضله أكثر.
وفي كل الأحوال تذكر أن تمنح ابنك قدرًا كافيًا من الحرية، فالرعاية المستمرة تصيب الإنسان أحيانًا وفي لحظات معينة بما يشبه الاختناق النفسي، إنه نفس الشعور الذي قد ينتابك عندما تتواجد في مكان ضيق جدًا وتشعر بضيق التنفس، هكذا ابنك في لحظات معينة، أنت تخنقه ليس بالرعاية في حد ذاتها وإنما بشعوره الداخلي بالعجز الذي يجعله دومًا في حاجة للرعاية، وكلما كانت إعاقة ابنك بعيدًا عن القدرات العقلية، وكلما كان هو أكثر نضوجًا؛ كلما احتجت أنت لقدر أكبر من الوعي والحذر في التعامل معه.
تذكر لا تتصرف بدافع الحب الأبوي فقط، لا تتعاملي بقلب الأم فقط، لابد من التعقل في الكثير والكثير جدًا من المواقف، امنح ابنك الفرصة ليعيش بقوة وحرية، ساعده على أن يجتاز اوجه القصور فيه، لا تجعله يحيا في سجن نفسي كلما حاول الهروب منه رَددته أنت إليه دون أن تدري، وتذكر أن الكلمة البسيطة قد تُدمي، عندما يصطنع ابنك القوة والقدرة على الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية فاتركه يجرب ويخوض هذه المعركة، فهي ليست معركة مع الحياة وإنما معركة مع النفس، فقط اهتم وراقب عن بعد وكن جاهزًا عندما يطلب منك العون، وتمنى له الانتصار في معركته، وتذكر أن هذه المعركة حتمًا ستأتي فكن مستعدًا لها.
وكلمة أخيرة، إذا رزقك الله بأطفال أصحاء فلا تنسى أن تلقنهم أدب التعامل مع غيرهم من الأطفال الذين يعانون من مشكلات بعيدة عنهم، علم ابنك ألا يسخر من آخر، علمه أن يساعد الآخرين بحب، علمه أن لا يسأل الآخرين عن أسباب عدم قدرتهم على فعل هذا أو ذاك، علمه أن لا يتعجب من عيب خِلقي ، فأنت لن تكون سعيدًا إذا رُزقت بطفل يعاني من مثل هذه المظاهر المؤلمة.
ارحم طفلك وعلمه أن يرحم الآخرين من حوله.

نسمه السيد ممدوح
19 يناير 2011

النشر الأول في شبكة الألوكة
www.alukah.net

الأحد، 24 أبريل 2011

فانتازيا


فانتازيا

في ساعة غير مذكورة، حين تصطبغ الجدران باللون الأبيض، تغيب النوافذ، تستحيل الأصوات من حولي، حينها تدب الحياة في أوراقي وقلمي، تراني مرآتي وتقدر على محاورتي، لماذا العبرات يا سيدتي؟ هكذا باغتتني أوراقي، آذتها دموعي فأشفقت لحالي وصمتي، يا صديقتي أجيبيني : أكانت طفولتنا جميلة أم شبابنا هو الأسوأ؟
حيرتني وما الفارق؟

إن كانت هي جميلة فهي حقًا كذلك، وإن كان شبابنا اسوأ فهي لم تكن غير عادية أو سيئة من دونه يا عزيزتي.
أذكرك يومًا وصفتها بأنها حقًا جميلة.

خبريني أنت ألم تكن منازلنا دومًا فسيحة مزدانة مشرقة سعيدة؟ أما كانت وجباتنا وحلوتنا دومًا لذيذة؟ أما كانت أيامنا حقًا صافية نقية سعيدة؟ ألم تزل ذكريات الطفولة بيضاء طاهرة؟ أما كانت ذراعي أمي أكثر حنانًا وأحضانها أكثر دفئًا؟ أماكنت مدرستي جميلة؟ ونزهاتنا عديدة ومغامراتنا كثيرة؟ أما كانت صداقاتي كثيرة؟ وضحكاتني وتذكاراتي هنا وهناك لا عد ولا حصر؟ أما كانت قصصي بهيجة؟ أما كانت حدائقنا مزهرة ؟ وسماؤنا صافية ؟ وشتاؤنا ممتع وأمطارنا مثيرة؟

نعم كانت كذلك، وشبابك أيضًا بالجميل مزدان؛ لكن هو النضج يا صديقتي.
صدقت يا جليستي، أنت أيضًا في شبابي جميلة، وفي طفولتي ما عرفتك، وعشقت دميتي والعابي البسيطة، أما عشقك وقلمي فماكان غير حب شبابي ونضوجي، تحية لك طفولتي وسلام لأيامك النقية.

نسمه السيد ممدوح
23 ابريل 2011


الجمعة، 15 أبريل 2011

الدستور


الدســـــــــــــــــــــــــــتور

لكل نشاط أو ظاهرة قانون يحكمها، وكذلك سلوك الإنسان، وكما يوجد للدول دساتير تخضع لها كافة القوانين والقرارات ولا تخرج عنها التزامًا وانقيادًا لها ؛ فكذلك الإنسان أيضًا، فلكل فرد دستوره الخاص الذي يحكم كل تصرفات وقراراته وآراؤه، وهذا الدستور ليس مكتوبًا، وإنما هو دستور من نوع خاص جدًا، لأنه دستور أخلاقي يتكون داخل عقل الإنسان وشعوره، من يضع هذا الدستور؟ وهل يتشاركه الإنسان مع غيره؟ وكيف يحكم تصرفاته طبقًا لمواده؟

الحقيقة أن هذا الدستور يكتب داخل الإنسان مادة مادة مع سنوات التربية في الصغر، ويصقل وينقح فيما بعد مع سنوات تكوين الشخصية، ويختتم ويصادق عليه مع سن الرشد، ففي البداية يشارك الأب والأم في كتابة مواده الأولى، وتغرس الأعمدة التي سيقام عليها بناء هذا الدستور فيما بعد، وشيئًا فشيئًا تتسع دائرة المؤسسين والمشاركين في وضع الدستور، ويدخل فيها الإخوة والأقارب والجيران ، ومن ثم المدرسة والمجتمع على اتساعه، وبالطبع تلعب وسائل الإعلام دورًا هامًا في ذلك، ويعتبر هذا الدستور الأخلاقي جزء مما يسمى بالإطار المرجعي للفرد الذي يشمل بجانب مبادئه وأخلاقه وأفكاره ـ خبراته وتجاربه ومعارفه وثقافته وأسلوب حياته، وفي مرحلة تكوين الشخصية يبدأ الفرد يلعب دوره الخاص في تعديل هذا الدستور وتنقيحه والإضافة إليه وذلك عن طريق الاحتكاك بأفراد معينين والقراءة في مجالات معينة وممارسة النشاطات المختلفة، ويبدأ في ملاحظة الأشياء من حوله ونقدها وهكذا، وما إن يصل لسن النضج والرشد حتى ينتهي تقريبًا من تنقيح دستوره ويصادق عليه، والمفترض فيما بعد أن يعمل طبق هذا الدستور الذي يمثل أخلاقه على عمومها ومبادئة التي يجب أن يتمسك بها وألا يتنازل عنها، وكل على حسب دستوره يعمل.

وعلى هذا فقرارات الفرد وتصرفاته في المواقف على اختلافها لابد وأن تعبر عن هذا الدستور، وأن تكون خاضعة ومنقادة له أيضًا، فكريم الخلق مثلاً يصادق بكرم، ويحب بكرم، ويعاتب بكرم، ويوبخ بكرم، ويحاسب بكرم، وحتى عندما يغضب يغضب بكرم، ولكن كيف يقوم بكل هذا طبقًا لمبدأ الكرم؟ إنه يصادق بإخلاص ، ويحب بطهر ونقاء ، ويعاتب بلين ورفق، ويوبخ بدون جرح ويقبل الاعتذار بلطف، ويحاسب بعدل وهدوء، وعندما يغضب يتمالك أعصابه وقت الغضب، ويعفو إن ملك العفو، ويقتص بعدل وباحترام للإنسانية على مطلقها، يسمو بروحه عن قبول الاهانة وتوقيعها على الغير، ولا يقبل بمعاملة المثل، بل هو دومًا الأفضل في ردة الفعل، إنه يطبق أيضًا مبدأ القوة والاعتزاز بالنفس لكن باتزان.

أما دنيء الخلق ، ضعيف النفس فإنه أيضًا يتصرف في ضوء دستوره الخاص الذي يتيح له الكذب، الغش، قبول ما ليس له حق فيه، الغدر، القوة المطلقة، ويؤمن بمدأ الغاية التي تبرر الوسيلة مهما كانت ، وقس على هذا سلوكه في الصداقة، الحب، العتاب، الحساب، الغضب.
والفرد لا يستقل بدستوره وإنما يتشارك بعض مواده مع غيره، وكما يساهم الآخرون في كتابة دستوره ؛ هو أيضًا يلعب دوره في كتابة دساتيرهم الخاصة، فالأخوة لديهم مواد دستورية مشتركة، والأصدقاء كذلك، والأزواج كذلك، والأسرة على عمومها كذلك، ويتسع النطاق شيئًا فشيئًا لنجد بعض مواد الدستور مشتركة بين غالبية أفراد الجماعة الكبيرة داخل المدرسة والجامعة ثم القرية والمدينة والدولة بأكملها، وقد نجد مواد إنسانية مشتركة بين غالبية سكان الأرض.

لاجل كل هذا علينا أن نولي دساتيرنا الخاصة اهتمامًا كبيرًا، وعلنيا أيضًا أن نحترمها، ولا مانع من تعديلها إذا ثبت لنا أن بعض موادها خاطئة ومرفوضة ، هذا على كل حال أفضل من الانقياد لدستور ذو مستوى أخلاقي غير مقبول، وأخيرًا: تحية لذوي النفوس الكريمة والدساتير الفاضلة.

نسمه السيد ممدوح
15 ابريل 2011




الأربعاء، 13 أبريل 2011

نحن مثل البطاريات


نحن مثل البطاريات

بالطبع نحن ندرك أهمية الكهرباء في حياتنا، فاليوم أصبح انقطاع الكهرباء يمثل أزمة حتى داخل منازلنا والتي امتلأت بالكثير من الأجهزة الكهربائية، ولم تعد الأمور قاصرة على الترفيه فقط؛ بل إن الكثير من هذه الأجهزة أصبح من ضروريات المعيشة، وتوفير الكهرباء إما أن يكون عن طريق خطوط الكهرباء المعروفة أو باستخدام البطاريات، ونحن جميعًا نعلم أن لكل بطارية طاقة كهربائية معينة تستهلك فتصبح البطارية بلا قيمة، وهناك بطاريات قابلة لإعادة الشحن، ومالم تشحن البطارية بشكل كامل فإن طاقتها ستنفذ بسرعة، ومع تكرار الشحن تستهلك البطارية وتضعف حتى تصبح غير ذات قيمة تذكر، نحن نتفق على كل ما سبق لكن السؤال هو: هل تؤمن حقًا بأن الإنسان مثل البطارية القابلة لإعادة الشحن؟

فكما أن الكهرباء ذات أهمية كبيرة في حياتنا فإن الطاقة الإيجابية المكتسبة بداخلنا والتي نعبر عنها بالروح المعنوية المرتفعة تحظى بذات الأهمية، وكما ذكرت فنحن نكتسب هذه الطاقة ولا نخلقها أو نوجدها بأنفسنا، وكما يرى الفيزيائيون بأن الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من عدم؛ فأيضًا طاقتنا الإيجابية يمكن أن ينطبق عليها الأمر ذاته، فهي فعلاً لا تفنى ولكن تتغير صورتها وهي أيضًا لا تنشأ من عدم، إذن هناك حتمًا أشياء قد تتحول لتصبح طاقة إيجابية نكتسبها نحن لنفرغها مرة أخرى في أشكال جديدة من النشاط والحركة، ونحن نحتاج لشحن أنفسنا بهذه الطاقة من وقت لآخر، وكل على حسب قدرته، لكن من المهم أن ندرك أن الشحن الكامل أفضل من جرعات بسيطة لا تكاد توفر لنا شيء غير مواصلة الحية بتعب وإرهاق، ولكن كيف نشحن أنفسنا بهذه الطاقة؟

الأمر ليس صعبًا كما قد نتصور لكن المشكلة دائمًا تنبع من وجود الفرد ضمن مجموعة تحيط به قد لا تدرك قيمة عملية إعادة الشحن أو تعوقها دون أن تدري لنقص الوعي أو عدم الإكتراث الفعلي، كل ما عليك لتعيد شحن نفسك هو أن توجد في مكان هادئ، أن تبتعد قدر الإمكان عن الضغوط والمشكلات، بعض الأشخاص تساعدهم الوحدة والعزلة المؤقته ولو لساعات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة لاتمام هذه العملية، على أن لا يتعرضوا بعدها مباشرة لنشاط مفاجيء يستنفذ كل طاقتهم دفعة واحدة لتعود المشكلة للظهور مرة أخرى، البعض الآخر يشعر بأن الإندماج مع أشخاص معينين أو السفر لأماكن جديدة قد يمده بما يريد، هناك من يجد في قراءة القصص والروايات الخيالية ضالته وهكذا، لكل شخص وسيلة تساعده على إعادة الشحن، وهذا ما يدركه كل شخص إذا حاول أن يتامل ذاته وأن يخوض معها عدة تجارب لإنجاز المهمة، لكن ماذا عن المحيطين به؟

إن الإنسان في تلك الحالة أو لنقل عند إعادة شحن ذاته يحتاج للكثير من الاستقلالية بحيث لا يشكل الآخرين ضغوطًا نفسية عليه ككثرة السؤال أو التعجب من حاله أو الاستهزاء برغباته، فقد يكون من غير المالوف أن ترى رجلاً في العقد الخامس من عمره يريد أن يقرا رواية خيالية ويستمتع بها، هذا قد يكون غريبًا لكن عليك أن تضع في اعتبارك أن مثل هذا الشخص قد يكون في مرحلة إعادة الشحن، وأن ابداءك للتعجب قد يقطع عليه العملية وقد يسبب له الكثير من الضيق في تلك اللحظة، من جهة أخرى مادامت عملية إعادة الشحن بالنسبة له ووسيلتها لا تعود عليك بالضرر فالأفضل أن لا تقحم نفسك في الأمر.
مثال آخر عن الاشحاص الذين يحتاجون للعزلة لاتمام هذه العملية، وقد يكون الأكثر اجتماعية هم الأكثر طلبًا لهذه الوسيلة لاتمام عملية الشحن؛ لأنها ستوفر لهم الهدوء المطلوب بعيدًا عن ضغوط الحديث والمجاملات وإبداء الحلول ومشاركة المناقشات، لهذا لا تحاول التدخل في عزلة أحدهم مادام يبدو هو هادئًا ولم يطلب منك المساعدة، قد تسأله ما إذا كان بحالة جيدة أم لا وتكتفي بذلك، لكن الأفضل أن لا تكرر السؤال، وعندما سيحصل هو على مايريد سيخرج تلقائيًا من عزلته، عندها لا تحاول سؤاله عن تلك الساعات وتابع حياتك وكأن شيئًا لم يحدث.
إن ادراكنا جميعًا لتلك الحاجة الطبيعية لإعادة الشحن يعني أننا قد نحيا حياة سعيدة بالفعل، وأننا سنترك لكل فرد منا هامش من الحرية ليقوم برفع معنوياته بنفسه ويواصل حياته بيننا بنشاط وايجابية، أما أن نتعامل مع هذه الحاجة الضرورية بقلة اهتمام أو استهزاء فالنتيجة حتمًا ستكون نفاذًا لطاقة الآخرين والتحول إلى السلبية، أو قد يحدث الأسوأ : الإنفجار ثم التوقف عن العطاء تمامًا.

نسمه السيد ممدوح
13 ابريل 2011


اتبعني على Facebook