الجمعة، 15 أبريل 2011

الدستور


الدســـــــــــــــــــــــــــتور

لكل نشاط أو ظاهرة قانون يحكمها، وكذلك سلوك الإنسان، وكما يوجد للدول دساتير تخضع لها كافة القوانين والقرارات ولا تخرج عنها التزامًا وانقيادًا لها ؛ فكذلك الإنسان أيضًا، فلكل فرد دستوره الخاص الذي يحكم كل تصرفات وقراراته وآراؤه، وهذا الدستور ليس مكتوبًا، وإنما هو دستور من نوع خاص جدًا، لأنه دستور أخلاقي يتكون داخل عقل الإنسان وشعوره، من يضع هذا الدستور؟ وهل يتشاركه الإنسان مع غيره؟ وكيف يحكم تصرفاته طبقًا لمواده؟

الحقيقة أن هذا الدستور يكتب داخل الإنسان مادة مادة مع سنوات التربية في الصغر، ويصقل وينقح فيما بعد مع سنوات تكوين الشخصية، ويختتم ويصادق عليه مع سن الرشد، ففي البداية يشارك الأب والأم في كتابة مواده الأولى، وتغرس الأعمدة التي سيقام عليها بناء هذا الدستور فيما بعد، وشيئًا فشيئًا تتسع دائرة المؤسسين والمشاركين في وضع الدستور، ويدخل فيها الإخوة والأقارب والجيران ، ومن ثم المدرسة والمجتمع على اتساعه، وبالطبع تلعب وسائل الإعلام دورًا هامًا في ذلك، ويعتبر هذا الدستور الأخلاقي جزء مما يسمى بالإطار المرجعي للفرد الذي يشمل بجانب مبادئه وأخلاقه وأفكاره ـ خبراته وتجاربه ومعارفه وثقافته وأسلوب حياته، وفي مرحلة تكوين الشخصية يبدأ الفرد يلعب دوره الخاص في تعديل هذا الدستور وتنقيحه والإضافة إليه وذلك عن طريق الاحتكاك بأفراد معينين والقراءة في مجالات معينة وممارسة النشاطات المختلفة، ويبدأ في ملاحظة الأشياء من حوله ونقدها وهكذا، وما إن يصل لسن النضج والرشد حتى ينتهي تقريبًا من تنقيح دستوره ويصادق عليه، والمفترض فيما بعد أن يعمل طبق هذا الدستور الذي يمثل أخلاقه على عمومها ومبادئة التي يجب أن يتمسك بها وألا يتنازل عنها، وكل على حسب دستوره يعمل.

وعلى هذا فقرارات الفرد وتصرفاته في المواقف على اختلافها لابد وأن تعبر عن هذا الدستور، وأن تكون خاضعة ومنقادة له أيضًا، فكريم الخلق مثلاً يصادق بكرم، ويحب بكرم، ويعاتب بكرم، ويوبخ بكرم، ويحاسب بكرم، وحتى عندما يغضب يغضب بكرم، ولكن كيف يقوم بكل هذا طبقًا لمبدأ الكرم؟ إنه يصادق بإخلاص ، ويحب بطهر ونقاء ، ويعاتب بلين ورفق، ويوبخ بدون جرح ويقبل الاعتذار بلطف، ويحاسب بعدل وهدوء، وعندما يغضب يتمالك أعصابه وقت الغضب، ويعفو إن ملك العفو، ويقتص بعدل وباحترام للإنسانية على مطلقها، يسمو بروحه عن قبول الاهانة وتوقيعها على الغير، ولا يقبل بمعاملة المثل، بل هو دومًا الأفضل في ردة الفعل، إنه يطبق أيضًا مبدأ القوة والاعتزاز بالنفس لكن باتزان.

أما دنيء الخلق ، ضعيف النفس فإنه أيضًا يتصرف في ضوء دستوره الخاص الذي يتيح له الكذب، الغش، قبول ما ليس له حق فيه، الغدر، القوة المطلقة، ويؤمن بمدأ الغاية التي تبرر الوسيلة مهما كانت ، وقس على هذا سلوكه في الصداقة، الحب، العتاب، الحساب، الغضب.
والفرد لا يستقل بدستوره وإنما يتشارك بعض مواده مع غيره، وكما يساهم الآخرون في كتابة دستوره ؛ هو أيضًا يلعب دوره في كتابة دساتيرهم الخاصة، فالأخوة لديهم مواد دستورية مشتركة، والأصدقاء كذلك، والأزواج كذلك، والأسرة على عمومها كذلك، ويتسع النطاق شيئًا فشيئًا لنجد بعض مواد الدستور مشتركة بين غالبية أفراد الجماعة الكبيرة داخل المدرسة والجامعة ثم القرية والمدينة والدولة بأكملها، وقد نجد مواد إنسانية مشتركة بين غالبية سكان الأرض.

لاجل كل هذا علينا أن نولي دساتيرنا الخاصة اهتمامًا كبيرًا، وعلنيا أيضًا أن نحترمها، ولا مانع من تعديلها إذا ثبت لنا أن بعض موادها خاطئة ومرفوضة ، هذا على كل حال أفضل من الانقياد لدستور ذو مستوى أخلاقي غير مقبول، وأخيرًا: تحية لذوي النفوس الكريمة والدساتير الفاضلة.

نسمه السيد ممدوح
15 ابريل 2011




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اتبعني على Facebook