السبت، 30 أغسطس 2014

المحادثات الكتابية (الدردشة).. أدوات وتساؤلات



المحادثات الكتابية (الدردشة).. أدوات وتساؤلات


المحادثات الكتابية أو الدردشة Chat هي الوسيلة الأحدث للتواصل، ويعتمد هذا النوع من التواصل على استخدام برامج خاصة توفر إمكانية الإرسال والاستقبال كتابة بشكل مباشر ودون تأخر، أي أن المحادثة فورية، لا توجد فراغات زمنية للانتظار، ولكن هل المحادثات الكتابية كافية حقًا للتواصل الفعال؟ لماذا يعشق الكثيرون هذا النوع من المحادثات؟ وهل هناك مقومات شخصية تجعل البعض أكثر جاذبية عند التواصل الكتابي؟ للإجابة على تلك التساؤلات علينا أن نفهم سلفًا طبيعة تلك المحادثات وأدواتها
يتم التواصل أو بتعبير أدق الاتصال بين الأفراد في المجتمع عن طريق اللغة سواء اللفظية - مسموعة و مقروءة - والغير لفظية كتعبيرات الوجه وإشارات اليد والإيماءات، والمعروف أن المعنى ينتقل من شخص لآخر من خلال اللغة الغير لفظية بنسبة أعلى من اللفظية، فعندما تحيي أحدهم بقولك "صباح الخير" فهو يسمع عبارتك ويضيف إليها نبرة صوتك ومظهرك وتعبيرات وجهك وحركة شفتيك وهكذا، ولهذا نجد تعبيرات مماثلة: "كان يقولها بتهكم" "يبدو أنه مرهق ولكنه يحاول أن يتظاهر بالنشاط" "يبدو أنه سعيد حقًا" وهكذا، ومع أن العبارة المنطوقة واحدة إلا أنها اكتسبت معانٍ عدة مما أضيف إليها.
في الاتصال الكتابي ماذا يحدث؟ هناك طرفان يعرفان أو لا يعرفان بعضهما البعض في الأصل يتحدثان كتابة، أي يستخدمان اللغة اللفظية أو المنطوقة فقط، فإن كتب أحدهم: "صباح الخير" لم يفهم منها الآخر غير معنى التحية، ولحل تلك المشكلة وإثراء المحادثة تنافست برامج المحادثات الكتابية فيما بينها في توفير أدوات مساعدة للمستخدمين لتحسين الاتصال منها إمكانية تغيير لون وحجم الخط، استخدام الوجوه التعبيرية، استخدام الأصوات والحركات، إضافة الغمزات أو الوكزات، إضافة الصور الشخصية للطرفين، إمكانية تغيير لون وخلفية نافذة المحادثة، ولكن كيف تسهم تلك الأدوات في إثراء المحادثة؟
للإجابة على هذا السؤال لابد أن نعلم أن هناك ثقافة جديدة قد دخلت المجتمع ومن الضروري فهمها والتعامل معها عن وعي وإدراك، فعندما يتيح لك برنامج المحادثة تغيير لون الخط فالأمر ليس مجرد رفاهية، وإنما هو وسيلة للتعبير عن شخصيتك وتلوين كلماتك وإكسابها بعض الأحاسيس، فعندما تكتب تحية الصباح باللون الزهري ستبدو مختلفة عنها بالأصفر أو البرتقالي، إن اللون الزهري يعطي انطباعًا بالهدوء والمزاج الجيد، في حين يعطي اللون الأصفر إحساسًا بالشحوب، وكذلك يعطي اللون الأحمر الحرارة والروح العالية والحماسة، وهكذا بقية الألوان لكل منها معنًى خاصًا، كما أن لكل مستخدم لونه المفضل الذي يعبر عن شخصيته، فتجد الفتيات يملن لاستخدام اللون الأحمر والزهري والبنفسجي، في حين يميل الشباب لاستخدام اللون الأسود والأزرق والأخضر، ويبدو اللون الأسود دومًا لونًا محايدًا بلا مشاعر أو أحاسيس، وأحيانًا يعطي شعورًا بعدم الاهتمام، وقد يجعل من المستخدم ذو شخصية مجهولة يصغب سبر أغوارها.
وإن نحن تجاوزنا مرحلة الألوان بنجاح يحق لنا أن ننتقل لنتحدث عن حجم الخط، وهنا نجد أمرين، الأول: ان حجم الخط المناسب يعتبر بمثابة اعتبار واحترام للطرف الآخر في المحادثة، فكلما استخدمت خطًا ذو حجم مريح للعين كلما كنت أقرب للشخص الذي يحدث مستمعه بنبرة واضحة وهادئة ومهذبة، كما أن حجم الخط يعتبر مقياسًا لنبرة الصوت، وكلما زاد حجم الخط ارتفع الصوت وبدا أكثر شدة وعنفًا، ويضيف مستخدموا برامج المحادثة أسلوب تكرار الأحرف للدلالة على إطالة الكلمات ومدها مدًا زائدًا عند النطق لتأكيد معنًى معينًا، فكلمة "شكرًا" تختلف عن "شكرًاااااااااا" كلتاهما كلمة واحدة مع مشاعر مختلفة.
الوجوه التعبيرية والوكزات والغمزات والحركات المرحة، جميعها أدوات مساعدة للتعبير عن المشاعر، فالوجه المبتسم J المرفق بكلمة "شكرًا" بالطبع يختلف عن كلمة "شكرًا" مفردة، وهناك الكثير من الوجوه التعبيرية والرموز التي تستخدم في برامج المحادثات، ومن المهم جدًا التأكيد على أن الإسراف في استخدام تلك الرموز أو عدم استخدامها على الإطلاق ذو دلالة ليس عن مضمون الكلام وإنما عن شخصية المتكلم، الغمزات والوكزات هي بمثابة إشارات التنبيه وقد تعني :"هاااي أنا هنا" وتستخدم للفت الانتباه وأحيانًا كبديل عن الصمت الذي يصعب تحطيمة بكلمة.
الصور الشخصية هي أداة للتعبير عن شخصية المتحدث، والألوان وخلفيات نافذة المحادثة بمثابة الغرفة أو المكان الذي يتم فيه اللقاء، فعندما تتحدث إلى صديقك عبر نافذة سوداء اللون سيختلف الأمر كثيرًا عما لو كانت نافذة المحادثة تحمل صورة الشاطئ التأثير نفسي لا أكثر.
وبما أن للمحادثات الكتابية ثقافة خاصة بها وأدوات فمن المنطقي جدًا أن يكون بعض الأشخاص ماهرين أكثر من غيرهم في تحقيق تواصل جيد عبر هذا الأسلوب من الاتصال، ومن بين المهارات التي تميز شخص عن آخر في هذا المجال سرعة الكتابة، لماذا؟ لأن جودة وفاعلية هذا النوع من الاتصال تكمن في السرعة والفورية، فانت ترسل رسالة ومن المفترض ألا تمر ثوان حتى يصلك الرد عنها، وكلما كان الشخص أكثر سرعة كلما أعطى محدثه إحساسًا بالتقدير والاهتمام، كما أن السرعة تعبر عن فكر المتحدث أحيانًا وعن شعوره اللحظي كشعوره بالارتباك او التردد او الحيرة، لأجل هذا تضيف برامج المحادة اداة تمكن الطرف الآخر من معرفة ما إذا كان المتحدث يكتب ام لا لما لتلك المعرفة من أثر نفسي.
المهارة الثانية تكمن في طريقة إكساب العبارات المشاعر والأحاسيس من خلال اختيار مفردات معبرة، خط ذو حجم ولون مناسبين، تضمين الرسائل وجوه تعبيرية واضحة.
وللإجابة على السؤال الذي طرحناه في بداية الحديث وهو: هل التواصل الكتابي كافٍ وفعال؟ نظرة على أرض الواقع تبين الكثير، مع بداية ظهور هذا النوع من الاتصال ساد الاعتقاد أن من يميل إليه يكون دافعه هو التحرر من قيود الشخصية المعروفة، والتستر وراء اسم مستعار، ومن ثم العبث واختلاق القصص والحكايات بحرية ودون رقابة، ولكن في الوقت الحاضر لم يعد هذا الاعتقاد مقبولًا، فاالغالبية باتت تستعمل هذا النوع من الاتصال سواء بين الأصداقاء والأقارب والجيران وزملاء العمل بالإضافة إلى الغرباء، وهناك الكثيرين ممن أنشؤوا علاقات صداقة دامت لسنوات عبر العالم الافتراضي باستخدام تلك الوسائل، هذا يعني أن فعالية هذا النوع من الاتصال تتوقف على عدة عوامل منها توافق طرفي الاتصال في سرعة الكتابة فلها أثر نفسي فعال، كفاءة الطرفين على نقل المشاعر وتضمينها الكلمات لتبدو اكثر حيوية، وهناك أيضًا طبيعة لشخصية، حيث أن الشخص الخجول جدًا قد يجد في هذا النوع من التواصل فرصة مثالية لمحادثة أصدقائه وأقاربه مع تقليل شعوره بالخجل، كلا الطرفين يعرف بعضه البعض فلا مجال للخديعة أو اللعب من وراء الستار، بعض الأشخاص لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم مشافهة بكفاءة ولكنهم يؤدون ذلك على نحو أفضل كتابة، وأخيرًا الهدف من التواصل ذو تأثير كبير، فإن كان الهدف تبادل العبارات المهذبة والإبقاء على العلاقات والمودة فالاتصال الكتابي يبدو فعالًا، وإن كان الهدف تبادل الآراء والأفكار والمناقشة الفكرية والتعرف على نظرة كل طرف لمكونات الحياة والمجتمع فالتواصل الكتابي يبدو رائعًا خاصة مع إمكانية قراءة الرسالة أكثر من مرة أو الاحتفاظ بها، أما إن كان المطلوب معرفة طبائع الآخر والإلمام بنواياه وأخلاقه ومكنونات نفسه فالتواصل الكتابي هنا ذو فعالية محدودة للغاية.
وأخيرًا هل هناك أخلاقيات لهذا الأسلوب للاتصال؟ بالطبع توجد اخلاقيات ولكننا في مجتمع بحاجة لنضج الوعي والتفكير حتى تتوافر لدينا نقاشات جادة تهدف حقًا لوضع أخلاقيات لاستخدام وسيلة جديدة من وسائل التكنولوجيا قد جذبت إليها الكثيرين لما تخلقه من جو هادئ وخيالي، والإنسان بطبيعته يميل للخيال الذي يحلو له ويصور له مايريد بالطريقة التي يريدها ويتمناها، ممتزجة بما لديه من معارف وخبرات وتجارب حياتية ومشاعر ماضية وحاضرة.

نسمة السيد ممدوح
30 أغسطس 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اتبعني على Facebook