كلمات



ذكرتك ولذكراك آهٍ تنتزعها من الصدر انتزاعًا، لا إرادة ولا فكر ولا خيار، أنت دمعة وأنة وتنهد بلا كلام، أنت فوق الرغبة والسؤال، أين أنت في الفكر؟! شارد بلا عنوان، أما صورتك إلا نقش مختوم به الفؤاد، آهٍ ذكرتك ولذكراك ألف آهٍ وآهٍ.


 
أصدق ما فينا هو أبعد شيء عن العيون، وعن الكلمات ، وعن الوضوح، أجمل ما فينا هو أعمق ما بذواتنا، وأشرف عاطفة تلك التي تدفعنا للعمل صامتين، فنعمل ونعمل ونقول ولا نكاد نقول، ونبين ولا نكاد نبين، ونكشف المظهر ونخفي المضمون، وأصدق دمعة تثقل بالروح ولا تنفذ من العيون، وأعذب كلمة تطل من بين الأهداب لا من الشفاة، وترى في ذاتها شرف يسمو بها عن قوالب الكلام والحروف، لأجل هذا تحب شخصًا ما ولا تدري لمَ تحبه؟ وأي موضع منه جميل؟ فكأن الجمال يسري فيه من هنا إلى هناك، فيأخذك إلى كل ناحية من نواحيه، فلا أنت تعرف إجابة لتساؤلاتك ولن تعرف أبدًا ما دام الحب بروعته قد ربط بين عمقك وعمقه، وأروع أنواع الحب أكثره غموضًا.


لشدة ما أكره الأقنعةـ نحن دائمًا مضطرون إليها، لسنا كاذبين أو مخادعين، نحن فقط مضطرون ومدفوعون لذلك، فكما نرتدي ملابسنا كل صباح فنحن نرتدي ما يناسبنا من الأقنعة الزائفة: ابتسامة، دمعة، فرح، كآبة، خجل.. الخ، للأسف لسنا صادقين لأن الصدق كثيرًا ما يكون جارحًا أو صادمًا أو محبطًا للآخرين، حتى عندما نجيب بأننا بخير نصبح كاذبون، وقليلاً ما نصدق الإجابات، الأقنعة إنها أسوأ ما نرتديه حقًا، وهي أثقل ملابسنا على رقتها وضعفها، وإنها لتزول سريعًا حال ما نغيب عنا الوجوه، وما أصعب على النفس من ابتسامة زائفة وإن كان بها الشفاء، الدواء دومًا مر المذاق ولكننا نحتاج للإرادة لنتجرعه مكرهين علنا نشفى من آلامنا.


إن لي حبيبًا طوته الليالي، وكان كالسر بين طيات قلبي، هو بين الذكرى والنسيان، يأبى أن يشرد من الفكر، هو للعين كالسراب ، لا يفارقني وهو عني ناء بعيد ، غدا ينشر سري في النهار ، ويصبح جليًا واضحًا كالشمس ، وغدا تلمسه يداي وتبلغه أشواقي وتحتضنه روحي، غدا أمسي بقربه كنجمتين ضمتهما السماء في ليلة مقمرة بهية، غدا أبثه حبي وحناني وحنيني، غدا نتساءل عن أحوالنا اليوم، حيث يمسي حاضرنا ماضٍ، وبعضًا من الذكرى.

ليتني أملك القرار فأذوب وأتلاشى فيك يا حلمًا طال عليه الأمد، واشتد به البعد، ليتني أتحول متلك الى حلم، فنلتقي في دنيا الأحلام

عندما أكون وحدي أثق بأن شيئًا واحدًا ينقصني، وعندما أكون معك أشعر بأن الكثير ينقصني، أتراه عيبًا أم ميزة فيك؟ إن كنت على قدر فلسفتي فحتمًا ستحسبه جميلاً في وصفك، وثناء على روحك، وتجددًا فيما يجمع بيننا.

لا تكن غير ذاتك، غير من بعض مظاهرك وجوانب حياتك، أضف إليك ما يزيدك حسنًا ورقيًا وبهاءً، وانزع عنك ما يؤذيك ويشوه روحك ويطمس مواطن الجمال فيك، لكن إياك والعبث بجوهرك، إن فقدت جوهرك فقدت أجمل ما فيك، وإن أحببت شخصًا فاقبل جوهره كما خلقه الله، لا تحاول تغييره فيفقد طبيعته وبراءته وفطرته النقية، إن الأشياء المصطنعة عديمة القيمة ، وكل طبيعي نفيس وغالٍ وكذلك أنت وأنا، كن طبيعيًا وصن جوهرك فهو أثمن ما وهبك الله.

كان عندي كتابٌ من درر.. عشقت غلافه في الصغر.. وعشقت سطوره وبعض معانيه في الصبا.. وما إن أتى الشباب حتى تلاشت سطوره.. وابيضت صفحاته.. وظننته قد فنى.. أو أن طفولتي قد صورته في أبهى الحلل.. وهو عنها ناء بعيد بعد الأرض عن القمر.. ومرت سنوات وسنوات.. وعدت أقلب صفحاته علِّي أجد فيه شيئًا ذا ثمن.. فكان ممزق الغلاف مهترئ الصفحات.. وإذ بسطوره محبرة.. وجالت عيناي على ما بقي فيه من درر.. قد أتى عليه الزمن.. وضاع الجمال بين سطوره.. كنقش من تراب محاه المطر.. قد بلى كتابي وأنا في غفلة عنه أعوام طوال.. لا محيت سطوره من قبل وإنما محي من العين النظر.. لو أدركت علتي لما تركته ضحية للزمن وللغبر.. ليس كل ما لا تراه العين غائبًا.. ولا كل ما تراه قد حضر.. النور في العين والقلب والعقل نعمة إن ضيعناها ضيعنا في الحياة نعم كثر..

لا تحسبهم سواء، الألف عن الألف مختلفتان، والياء عن الياء متباينتان، وبينهما كلمات في اللفظ متشابهات، وإن تماثل اللفظ فالحق مختلفات، إن غُير الحبر، إن غُير الورق، إن غُيرت أصابع بالقلم ممسكة، إن غُير قلب بالنبض يتفعل ؛ فكلها مختلفات، متباينات، فلا تحسبهم أبدًا سواء.

لا تحزن حبيبي.. هذه العبرات الشاردة على وجنتي ترد لي الحياة.. تمنحني شيئًا من الدفء.. إنها كحبات المطر على أرض جدباء.. لا تحزن حبيبي.. ماكانت ندمًا.. ماكانت أسفًا.. ولكن بعضًا من روحي أنشدها في لحظات.. تحرق وجنتي فتعيد لها الإحساس.. تلهب عيني لحظة توقد فيها بريق الحياة.. لا تحزن حبيبي فبقربك تموت الأحزان.

لا تحسب كل صامت سعيد يهنأ بالحياة من حوله، فمن الهموم مالا تعبر عنه الحروف ، ومنها ما لا تقدر على حمله حتى الدموع، وإن عمي عنها القلب؛ فلا أمل في رحمة في الحياة من بعد.

لا تسمعني غزلاً، لا تمازحني طويلاً، وحاورني كفكرة: تناقشها، تؤيدها، تنتقدها، تخاصمها، تصالحها، حينها أصبح جزءً من تفكيرك، وأغرس في عقلك وكيانك، وعندها أصبح حبيبتك.

ليست الرؤوس وحدها تشيب؛ وإنما شيب النفوس أسبق.. وتضعف العظام وضعف الآمال أكبر.. وكل شيء في الجسد ينكسر وكسر القلوب أعمق .. ويقال للكهل احذر والعلاج لا يجدي ولا شيء ينفع.. وكذلك النفس إذا شابت لا دواء معها يفلح.. وإكسير الشباب أسطورة ليت لها في الواقع وجودًا .. وإن وجدت فهل للرحمة في قلوب العالمين مَسْكن؟ فطعن الروح أقبح.. والجسد إن أصيب لا يلبث أن تلتئم جروحه ولا تلبث آلامه أن تهدأ.. أما عذاب المشاعر فلا مُسكن له إلا الرحمة وحدها.. ووحدها تنفع..

لا تسألني حبيبي.. وخلي لدموعي السبيل.. غريبة هي عن عينيك.. فما نزف القلب قبلاً ولا بكت العينان كاليوم.. رحمةً بي يا سيدي.. وعهدي بك فيلسوفًا يقرأ ما سطر بأحبار سرية.. فجرح اليوم غريب عميق.. ماكنت أنت مقترفًا إثمًا.. وكيف للنبيل أن يلام.. ولكن هي نفسي فَقَدتُ جزءً منها هناك.. يوم ضيعت قلمي في غفلة الحزن.. وما أدركت يومها أني فقدت بعضًا بل جوهر الروح في جسدي.. إن عجزت دموعي أن ترد مفقدوتي فلعلها ترثي ما بقي من نفسي.. ولعلك كريم لترحم ساعة ضعفي..

الحياة كتاب مليء بالمعاني، فاقرأ بعين العاشق لها، تلمس أجمل ما فيها، ولكل معنى لذة لا تفقدها

إذا جاء يوم تبدلت فيه المعاني، وبات العطاء تبديد للوقت، وأصبح المكسب وحده متربعًا عرش الاهتمام، وأضحى كل كريم الخلق جاهل في أعين المجتمع، فإن كان بك شيء من إنسانية فلا تكسر كريمًا، فقد قل الكرام وإن ماتوا لن تجد لهم خلفًا، وإن كنت له محبًا، وعليه تخشى قسوة الآخرين وغدر الزمان، فكن له درعًا ويكفيك شرفًا أن تكون حارسًا للجمال، فجمال الخلق دره إن ضيعها الجميع فقدت وفقد معها معنى الإنسان..

وحزمت حقائبي وقطعت تذكرة في قطار الرحيل.. وفي الطريق مر بي طفل صغير: يا سيدتي لما ونحن من حرارة الصيف نشكو؛ وننشد النسمات الحانية على شاطئ جميل؟! فقلت يا صغيري هذا معطفي وتلك قبعتي تقيني من عيون الناظرين، وحرارة الصيف أهون من نار الغربة، فدعني أرحل دون أن تبصرني العيون، فلا يُطلب مني البقاء ، ولا يُأمل في تأخر قطار الرحيل، دعني أرحل علِّي أبلغ مدينة الفضل عنوانها ، وعلِّي أصادف في الدنيا من لا يقتل كل حلم فتي في نفس كان صغر السن إثُمها الوحيد، دعني أرحل علَّ الرحيل يكون لي دواء.. دعني أرحل .. دعني أرحل..

غريب أنت يا طائري بين الطيور
ترفرف بينهم لكنك دومًا وحيد
ربما قضى عليك القدر بالغربة فلا تبتئس
وابحث لك عن وليف دون الطيور
حلق في الفضاء وصادق الغيوم
علها تضمك إليها وتخفيك عن العيون
ولعل غربتك يومًا تهون



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اتبعني على Facebook