الأحد، 18 ديسمبر 2011

مقتطفات الخامس والعشرين من العمر

مقتطفات الخامس والعشرين من العمر

في هذا اليوم يجد قلمي مادة خصبة يجول فيها، لينقل بعضًا مما يتزاحم في عقلي: أفكار وأحلام وآمال لا أجد أفضل من تلك الذكرى كي أدونها فيها، فقد لبثت في هذه الحياة لمدة ربع قرن كامل، لا أحسبها بالفترة الزمنية الطويلة، أو أنها كافية حتى أمنح نفسي الحق في التحدث عن حياتي فيها، غير أني أحسبها مناسبة خاصة ليعود فيها قلمي ليكتب من جديد.
الطفل هو تلك الأرض الخصبة التي يحل للوالدين أن يزرعا فيها ما شاءا من البذور، تبدو هذه الأرض ملكًا لهما في سنوات الطفولة الأولى، ورغم هذه الملكية في التصرف فإن عليهما أيضًا أن يخضعا للقوانين والضوابط الأخلاقية والدينية والإجتماعية في اختيار البذور التي ستبذرها أيديهما فيها، إن الكثير من المهارات يكتسبها الإنسان بالتعلم ، وقليل ما يرثه عن والديه، وربما كانت الموروثات هي أقل القليل من المهارات اللازمة للتعايش والحفاظ على البقاء، أما مهارات التعايش السلمي والتفاعل البناء فللطفل أن يكتسبها من والديه ، ثم من أسرته على اتساعها، ثم من مدرسته ومن ثم مجتمعه، وفي إعتقادي لا يدرك الطفل اللذات مالم يتعرف عليها، فما قيمة الشيكولاتة لشخص لم يتذوقها يومًا، إنه لم يعرف بها أو بروعة مذاقها، وبالتالي لن تمثل له أي قيمة تذكر، وماذا يعني الخوف من الكهرباء لدى إنسان بدائي لا يدرك ماهي الكهرباء، ولم يسمع بها من قبل، الأمر ذاته ينطق على الطفل، لهذا أعتقد أن بإمكان الأب والأم يناء رغبات الطفل، وعلى كل حال الأمر يحتاج للتخطيط السليم، فابنك هو المشروع الذي يستمر إلى ما لا نهاية، أو أن نهايته بالنسبة لك هي مفارقتك لهذه الحياة، ومن منا يحب أن يسعى للفشل بقدميه؟ هكذا فكر في أسلوب تربيتك لطفلك وأعتقد أنك ستغير الكثير.
"من لم يؤدبه والداه فسوف تؤدبه الأيام والليالي" هذا مثل نذكره كثيرًا، والموروثات القديمة لها قيمتها، ومع ذلك فإعادة النظر لهذه الأمثال وتحليلها ضرورة، فإن كان المجتمع يكمل مشوار الأسرة وبخاصة الأبوين في التربية؛ فإن الإنسان البالغ عليه أيضًا أن يكمل مشواره الخاص في تأديب نفسه وتهذيب سلوكه، لقد منح الله الإنسان العقل والحس والقدرة على التمييز ، وهو جل جلاله لم يمنحه تلك القدرات لكي يصبح عجينة لينة تشكلها الأيدي من حوله، وإنما جعله أيضًا قادرًا على إعادة تشكيل نفسه، وربما أن أسوأ كلمة يتفوه بها البالغ الراشد هي "لن أتغير وهكذا أنا وعليك أن تقبلني" إن هذا لأسوأ وأصدق دليل على السلبية، وإن كنت تؤمن بهذه الكلمات فعليك ألا تطلب من الآخرين إحداث تغييرات في سلوكهم، فلست بأفضل من الآخرين، ومبدأ المساواة يحتم عليك أن تقبل ما يسري على الآخرين بصدر رحب، وهذا لا يعني بالطبع أن تكون مرنًا لدرجة تفقدك الثبات، أو أن يكون من اليسير تغيير مبادئك ومعتقداتك وافكارك، لكن المقصود أن تحتفظ بمبادئك متى ثبت لك صحتها، وأن تخضعها لإعادة التقييم إذا قوبلت بالرفض الشديد، وتذكر أن أصحاب الفكر والمبادئ القوية معرضون لهجوم المجتمع، ليس لأن معتقادتهم خاطئة؛ وإنما لأن المجتمع ليست لديه الشجاعة الكافية لقبولها وتطبيقها.
لكل إنسان مواهبه وإمكانياته، بعض تلك المواهب يكون صريحًا ظاهرًا، وبعضها مطمور تحت الرماد، إنه كالنار المشتعلة تحتاج لمن يرفع عنها الرماد حتى تضيء ما حولها، ويعم دفئها وخيرها مبددًا سحب الظلام، تكثر المقالات من تناول موضوع المواهب بالنسبة للأطفال وطريقة اكتشافها، وقد تكتفي بعبارة "ما من إنسان لم يخلق بلا مواهب وطاقاات" هذا كلام حسن لكن ينقصه الوصفة المساعدة على اكتشاف المواهب للصغار والكبار، والأمر بسيط جدًا، فإن تحدثت عن الصغار قلت أن على الأسرة والمدرسة دور هام في توفير الإمكانيات، وتحفيز الطفل على دخول العديد من المجالات، مع تشجيعه والثناء عليه، ومن ثم دفعه للمجال الذي يظهر فيه تقدمًا ملموسًا، أما عن الكبير فالأمر يختلف، عليك أنت أن تبحث عن مواهبك، كيف؟ جرب أن تخوض التجارب على تنوعها، حاول أن تمسك قلمًا وأن تكتب شيئًا: خاطرة، قصة، مقالة، لا تطلع الآخرين على إنتاجك في التجارب الأولى، فغالبًا ما سيكون دون المستوى المطلوب، قد تقصر المشاركة على صديق مقرب، وقد تخوضا التجارب معًا، ابتعد عن المميزين جدًا ، ففي خطواتك الأولى قد تصدمك مواهب الآخرين وتصاب بالإحباط نتيجة لرغبتك وتعجبلك، ثم جرب أن تشتري لوحًا للرسم وفرشًا وألوانًا، ابحث عن مصدر يلقنك أساسيات الرسم، استهلك وقتًا في التجربة ولا تيأس فربما أصبحت رسامًا في المستقبل، خض في برامج الكومبيوتر على اختلافها ولا تفكر في احتراف برنامج واحد في البداية، ولكن خذ من كل علم بمقدار يسير، ثم انتقل لمجال آخر وهكذا، إنك في كل مرة تتعلم شيئًا جديدًا، وتتعرف على الفنون واحدًا تلو الآخر، وفي لحظة ما ستكتشف أنك تملك موهبة الكتابة أو الرسم أو العزف الموسيقي أو...الخ، وهنا ابحث عن شخص يجسد أحلامك في المستقبل وابدأ مشوارك، وابحث عمن يشاركك هواياتك ومواهبك.
الإنسان مخلوق يجمع بين القوة والضعف، أودعه الله إمكانيات وطاقات هائلة، وكذلك وضع فيه من الضعف الكثير، إن إدراكك لهذه الحقيقة كفيل أن يعينك على تقويم أسلوبك في التفكير والتعامل مع الآخرين، اغفر لحظات الضعف لمن حولك، ولك أيضًا، البعض يثور لشعوره بالضعف والمرارة في لحظة ما، البعض يكمن ضعفه في رغبة لا يستطيع تحقيقها، ولكل ما يثيره ويؤلمه، لهذا تعلم أن تغفر للآخرين حتى يغفر الله لك، وأنت أيضًا ارتكبت في الماضي أخطاء أثرت على حاضرك اليوم، بعضها أو الكثير منها لا يغفره غير صغر السن، وهو ليس إثمًا، وإنما تعلم مما فات درسًا، وامنح نفسك الفرصة والوقت الكافي لأخذ مشورة الآخرين.
في علم النفس هناك نظرية تقول بأن الإنسان ينظر إلى نفسه من زاوية تختلف عن نظرته للآخرين، إنه يرى نفسه كتركيبة معقدة تستحق من الآخرين مواساتها ، احترام رغباتها، مغفرة زلاتها، ومساعدتها لتحقيق ما تصبو إليه، في حين ينظر للآخرين باعتبارهم أكثر بساطة منه، فهم لا يعانون بما يكفي، وليس لديهم مشكلات أو مبررات حقيقة للتغاضي عن أخطائهم وهفواتهم، ومن هنا تنبع الأنانية، حيث قد يتطور الشعور لدى الفرد ليرى أنه محور المجتمع أونقطة المركز فيه، وأن على الآخرين أن يدوروا في فلكه خاضعين لظروفه وحاجاته ومزاجه الخاص أيضًا، وعندما تواجه نفسك بتلك الحقيقة تصدم وتنهار هذه الصورة الوهمية وتعيش في سلام مع نفسك ومع الآخرين من حولك.
ابتسم حتى تسعد الآخرين، ولا تنسى أن لكل شخص ما يبكيه، وليس الباسم غير إنسان ناجح في إخفاء آلامه وليس في محوها.


نسمه السيد ممدوح
18 ديسمبر 2011

الخميس، 24 نوفمبر 2011

مساعدة الآخرين، فن له أصوله

مساعدة الآخرين، فن له أصوله

أن ترغب في مساعدةِ الآخرين فهذا شعور نبيل، لكن السؤالَ هو: كيف ستساعد الآخرين؟ قد تحسب للوهلةِ الأولى أنَّ الإجابةَ عن هذا السؤال يسيرة، أو أنَّ كل ما عليك هو البحث عما يحتاجُه الآخرون لتسارعَ بتقديمه لهم؛ لكن ما يجب أن تفكرَ فيه بحق هو أن تتعلمَ فن مساعدة الآخرين، ولكل فن أصوله.

إن موقفَ تقديم المساعدة لشخص ما، يشتمل على ثلاثةِ عناصر رئيسة هي: (ماهية المساعدة، مَن تقدم له المساعدة، أسلوب أو كيفية تقديم المساعدة)، وإذا أردت أن تحسنَ الأداء في هذا الموقف، فعليك أن تعطي كلَّ عنصر حقَّه من الاهتمام، فماهية المساعدة من أيسرِ العناصر؛ فإذا رأيت كفيفًا يقف على جانبِ الطريق، فأنت تعلم أنَّ المساعدة التي يحتاجُ إليها في هذه الحالة هي أن تعينَه على عبور الطريق مثلاً، وإذا كان أبوك مريضًا ويحاول النهوضَ من كرسيه، فأنت تعلمُ أنَّ المساعدةَ المطلوبة في تلك اللحظةِ هي معاونته على الوقوف، وإذا رأيتَ أخاك الصغير يستذكر دروسَه ويعجز عن حلِّ مسألة ما، فأنت تعلمُ أن المساعدةَ المطلوبة هي معاونته على حلها، إذًا فمن اليسير أن تعرفَ ما سوف تقدم، ولهذا عليك أن تركزَ كثيرًا في العنصر التالي وهو: مَن تقدم له المساعدة؟

إن لكلِّ شخص ظروفه وصفاته الخاصة التي تجعل أسلوب التعامل معه يختلفُ عن غيره، فحين تعين طفلاً على عبورِ الطريق، فأنت تتعاملُ بأسلوب مختلف عما كنتَ تعامل كفيفًا أو رجلاً مسنًّا، كما أن تقديمَ المساعدة لطفل صغير في مادةِ الرياضيات يختلفُ عن تقديم ذات المساعدة لطفل يعاني من مشكلاتٍ عقلية أو بصرية مثلاً، ورعايتك لوالدتك المريضة تختلفُ عن تخفيف الأعباء عنها إن كانت صحيحة وهكذا، وعليك أن تتذكرَ أن الأشخاص المصابين بالإعاقاتِ والأمراض أكثر تحسُّسًا لقبولِ المساعدة، في واقع الأمر هم بحاجة لها، لكن تقديم المساعدات لهم هو أصعب ما يكون؛ لأن من المفترض أن تقدم المساعدة دون أن تنقلَ للطرف الآخر شعورًا صريحًا بعجزه، وعليك أن تتوقعَ ردَّ فعل سلبي منه، وإن حدث فهذا فهو يدلُّ في الغالبِ على فشلك في تقديم المساعدة بالطريقة الصحيحة، وهذا يحدث بشكلٍ لا إرادي من الطرف الآخر، وكل ما عليك هو تقبُّل الأمر بصدرٍ رحب، وإعادة المحاولة بطريقة مختلفة، ولهذا نجدُ أن الأشخاصَ المصاحبين لمثل هؤلاء بشكلٍ مستمر هم أفضل من يقدم لهم المساعدة؛ لأنَّ المصاحب هنا قد مر بتجارِبَ عديدة أكسبته الخبرةَ الكافية، فتجده يقدم المساعدةَ دون جرح لمشاعر الطرف الآخر، كما أنَّ الشخص المصاب قد يتجه لطلبِ العون منه بشكلٍ طبيعي؛ لأنَّه أدرك أن هذا الشخصَ يقدمُ له ما يحتاج إليه بلباقة، وهذه اللباقة لا تُدرك بسهولة، ولا بد أن تمرَّ بتجارب كثيرة حتى تتعلمها وتتقنها.

هناك أيضًا المساعدات الإضافية وليست الضرورية، إن تقديم مثل هذا النوع يكون غالبًا للأصحاء، وهي مساعدات دافعها الحبُّ أو الخوف على شخصٍ ما، أو إبعاده عن أي مصدر قلق أو خطر، ومن الأمثلة على هذا النوع: رغبتك في مساعدةِ والديك إبعادًا لهما عن أي مصدر قد يمثل خطرًا، أو يؤدي إلى مشكلاتٍ صحية مثلاً، فرغم أنَّ والدَك صحيح وذو بنية جيدة تجد أنك تصر على ألا يقودَ سيارتَه لتنوبَ أنت عنه في هذا، أو تصر على أن تكون مهمة حمل الأغراض - وبخاصة ثقيلة الوزن - من نصيبِك أنت، وهكذا، هذا النوع من المساعدات أيضًا يحتاج إلى حذرٍ في الأداء، حيث المطلوب أن تأتي مساعدتك محملة على محمل الحبِّ والتدليل للطرف الآخر وليس إعانته.

أمَّا إذا تحدثنا عن العنصرِ الثالث وهو كيفية تقديم المساعدات، فنجد أنه عنصرٌ متغير يرتبط بالعنصرِ الذي استوفيناه سابقًا؛ وهو الشخص الذي تقدِّم له المساعدة، وعلى كلِّ حال فإنَّنا نجد أنَّ المُساعداتِ المستَتِرة هي الأفضل، كما أن تجنبَ العبارات اللفظية الدالة على عجزِ الطرف الآخر أمرٌ شديد الأهمية، ومن المفيد جدًّا ألا تقدم مساعدة في غير موضعِها، حتى وإن كنت تتعامل مع شخصٍ يُعاني إعاقة ما، حاول أن تراقبَ الطرف الآخر لتتبينَ الأحوال التي يجب أن تلعبَ فيها دورًا فعالاً لإبداء المساعدة، ولا تسرف فيها أيضًا، فقد يؤدِّي الإسرافُ إلى قلبِ الأمور رأسًا على عقب، وبدلاً من أن يكون الطرف الآخر ممتنًّا لك، من الممكن أن يصبح مستاءً من مصاحبتك له، وهذا الاستياء مرجعه إصرارُك دون وعي على جعلِه سجين إعاقته الحقيقية أو الخيالية.

لهذا عزِّز رغبتك في مساعدة الآخرين بتعلم فنِّ المساعدة، ولا تنس قيمةَ التواضعِ والتباسط والحب، وأخيرًا لا تمنَّ على أحد بمساعدتك فتذهب بها أدراج الرياح.


النشر الأول على شبكة الألوكة

الخميس، 27 أكتوبر 2011

بالأمس كان


بالأمس كان

البارحة.. طيفك في الحلم زارني.. عاتبني ولامني.. أشفق لحالي وسألني: لم يا حبيبتي؟ الدمع في العينين مترقرق؟ لا تبتئس حبيبي.. أبكي على استحياء فلا تراني العيون.. غير عينيك لا حجاب يسترني. وما كان لي لأبحث عن ستر من عينيك.. لا تأسى لحالي.. ما كان الحزن ليطأ قلبًا به سكناك.. وما كان لعينين رأتك يومًا أن تلتهب بما يحرقها.. دموعي كالدواء المر المذاق.. بؤذينا ويشفينا.. تؤذيني لساعات .. فتشفيني أيام وأيام.. بت أستعذب مرارتها .. أبحث عما يفجرها تفجيرًا.. حيث تغلب المادة فينا.. وتتكاثف ثلوج الحياة من حولنا.. أفتش عما يثير بركان نفسي.. فتفيض الحمم ملتهبة تلهب عيني لتطهرها.. وتورد وجنتي بحرقتها.. وتحيي شفتي بملوحتها.. حين نتذوق الملح نذكر حلاوة السكر.. نتوق إليه.. فنبحث عما يبعث السعادة فينا.. عهدتك قويًا.. ما رأيت الدمع في عينيك يومًا.. لكن كنت دومًا ملهمًا لدموعي.. أبكي لأشتاق إليك أكثر.. وأذكرك أكثر.. وأذوب فيك أكثر.. وألتمس فيك سر القوة.. فأملك سر الحياة.. تارة تشرق شمسي بالليل ، وتارة تغيب بالنهار.. تعصف رياح البرد بصيفي تارة.. ويشتد الحر في شتائي تارة أخرى.. تسقط أمطاري متى شاءت.. وتمتنع متى شاءت.. تراني أرى ما ليس بكائن.. ويحجب عن عيني ما ليس بغائب.. بت أزرع السعادة في حقول الأحزان.. فشكرًا لطيفك الكريم.. وشكرًا لسرك الثمين.. أنت الدمع والبسمات.. أنت العزيز في دنيا الصغائر.. أنت الغائب بين الحضور.. وأنت سري المكنون.. المترفع عن أن تبصره العيون.

نسمه السيد ممدوح
27 أكتوبر 2011

الأربعاء، 14 سبتمبر 2011

توكيد الأفكار

توكيد الأفكار

أفكارنا جزء من شخصيَّاتنا، ومن الضروريِّ أن تؤمن بأفكارك وأن تنبع هي من ذاتك، أو قد تنبع مِمَّن حولك؛ على أنْ تَلقى قبولاً وتأييدًا داخليًّا منك، هذا الإيمان يولِّد الانسجام الداخليَّ ويحقِّق لك التوازن النفسيَّ المطلوب، وكلما زادت نقاط التلاقي الداخلي، كنتَ أكثر صحة وقوة.

لكن ثمة حالات يتعرَّض لها الإنسان تُفقِده بعض هذا الانسجام، هذا لا ينطبق على تغيير الأفكار أو تطويرها، أو رفض بعضها عن قناعة ورغبة في اعتناق ما هو أفضل؛ ولكن هذه الحالة التي أشير إليها هي حالة اعتلالٍ مؤقَّتة؛ كنوبات الزُّكام، والتوعُّكات التي نتعرض لها.

هذا يعني أنَّك عندما تشعر بحالة عدم الانسجام، فأنت في حالة مرَضيَّة مؤقتة، وأنت حتمًا بحاجة إلى العلاج، وهذا النوع من التوعكات طبيعي، ولا يدعو إلى الخجَل، وكثيرًا ما يملك صاحب الدَّاء الدواء أيضًا، لكن يعجز عن استخدامه.

في تجربة خاصة خُضتُها منذ أشهر، دفعَتْني لسطر بضعة أسطر من هذا المقال، في فترة ما تعرَّضت لهذا النوع من الاعتلال المؤقَّت، في ذلك الوقت دفعني التوتُّر والإحباط لمراجعة مقالاتي السابقة، وقتها بدأتُ أشعر بتحسُّن تدريجي، ثم وضعتُ يدي على بداية الطريق الصحيح، وتمكَّنت من الإمساك بطرف الخيط، فدوَّنت بذرة هذا المقال الذي لم يظهر للنُّور إلا بعد مُرُور أربعة أشهر، فلم أشأ أن أقدِّم العلاج الذي تراءى لي في فترة عدم استقرار، ولكن بعد أن نضجَتْ أفكاري الجديدة زادت ثقتي بهذا العلاج.

في بعض الأحيان نتعرَّض لنوبات من اليأس والاحباط، قد نشعر بفقدنا لمفاتيح السعادة، قد نشعر بالاضطراب بدون سببٍ مُدرَك في اللحظة ذاتها، قد تكون الضغوط النفسية أو الاجتماعية هي السببَ في الكثير من الأحيان، الإخفاقات المؤقتة أيضًا قد تولِّد حالاتٍ مشابهة من الاعتلال النفسي، الصدام مع المجتمع الأوسع، الشعور بالاختلاف أحيانًا بغضِّ النظر عن كون الاختلاف إيجابيًّا أو سلبيًّا، فحتى النماذج الإيجابية قد تُعاني من لحظات الإحباط؛ نتيجةً للاختلاف والتفَرُّد، وهذا من الدواعي التي ينادي بها التربويُّون في العناية بالأطفال المتميزين والمتفوقين عقليًّا، فحتى التميُّز والتفوق على الأقران يولِّد شعورًا بالانفصال عن الطبقة الطبيعيَّة، وهذا قد يولد بعض مشاعر الإحباط وعدم الاستقرار النفسي، ولكن لا تلبث هذه المشاعر أن تزول، خاصة إذا وَجد صاحبها السبيل الصحيح لتجاوز الأزمة، أو وجد من يعينه حقًّا على تجاوزها.

في مثل هذه الحالات، يحتاج الفرد إلى جرعة علاج، هذا العلاج سهل يسير جدًّا، العلاج يَكْمن في أفكارك أنت؛ فأنت في هذه اللَّحظة تفتقر فقط إلى الدَّعم، والمقصود الدعم الذي يدفعك إلى المزيد من التقارب والانسجام الجديد مع أفكارك، ومن ثَمَّ تعود لتؤكِّد نقاط التلاقي وتشعر بالرِّضا والتوازن الداخلي.

البعض ينجح في محاورة ذاته، رغم صعوبة هذا الحوار في لحظات الاعتلال، والكثير قد يفشل في هذه المُحاولات، فعندما تحاور نفسك فأنت مختلف تمامًا عمَّا إذا كنت في محاورةٍ مع غيرك، واقتناعك الداخلي بفكرةٍ ما قد يحتاج إلى بعض التدعيم من شخصٍ آخَر، لكن هذا الآخر سيكون بالضرورة موثوقًا به، وعلى أقلِّ تقدير موثوقًا في مخزونه العاطفيِّ تجاهك، فهو على كل حال لن ينقل إليك فكرةً جديدة، وإنما سيُعيد تلقينك لأفكارك، عندها تصطدم بحقيقتك التي طالما عشقتَها وانسجمت معها، ومع هذا الصدام المفاجئ، تفيق من حالة الياس والإحباط وعدم التوازن، وقد تشعر أنَّك خلال دقائق قد استردَدْت الكثير من قوتك، ومصدر قوتك هو أيضًا أفكارك.

لكن لماذا نشعر أننا ضعفاء فعلاً قبل تلك المواجهة؟
إننا نشعر وقتَها بالوحدة والغربة، فعندما نتغرَّب عن أفكارنا، نتغرب حتى عن أنفسنا، هنا يكون الشعور بالوحدة الداخلية أكثر مرارةً، فليس الغريب مَن يَحْيا وحده دون أصدقاء أو أقارب يقاسمونه ذكرياته وحياته، ويشاركونه آماله وأحلامه، وإنما الغريب من تغرَّب عن أفكاره، ولم يجد من يُقاسمه هذا المخزون الفكري.

عندما تَقِلُّ نقاط التلاقي أو تنعدم نصبح غرباء حقًّا، وعندما تقلُّ هذه النقاط بينك وبين نفسك، يكون الوضع أصعب بكثير.

لأجل هذا؛ لا تَلُم صديقك عندما يحتاج منك إلى هذا الدَّعم النفسي، لا تنتقده بالتخلِّي عن أفكاره ومعتقداته، لا تضغط عليه بتوجيه اللَّوم، لا تبثه المزيد من الأعباء، وقدِّم له العلاج بحبٍّ وثقة بأنه سوف يتقبَّله، وسوف يتخلَّص حتمًا من مشكلاته.

النشر الأول على شبكة الألوكة

الاثنين، 22 أغسطس 2011

العطاء.. متى؟!

العطاء.. متى؟!

متَى يُفترض أن تُسهِم بما لديك مِن عِلم أو خبرة؟

في الواقع ألحَّ عليَّ هذا السؤال بكثرة فيما مضَى، وكنتُ دائمًا أرى: أن على كلِّ فرْد منا أن ينظر لمن هو دونه في العِلم، فيشعر بأنَّ لديه بالفِعل ما يُقدِّمه للآخرين، وأنَّ ما لديه وإنْ كان قليلاً في نظرِه فإنَّه حتمًا سيَعني الكثيرَ بالنسبة للطرَف الآخر.

ولقدْ دفعني لكتابة هذه السطور موقفٌ بسيط تعرَّضتُ له في الآونة الأخيرة، كنتُ أقدِّم درسًا ضمنَ دورة مجَّانية على شبكة الإنترنت، كان موضوع الدورة خاصًّا بتعلم فنِّ التفصيل والخياطة، ولم تكُن تلك تجرِبتي الأولى، وكانتْ دروسي دومًا ناجحةً والحمد لله، وهناك الكثيرات ممَّن تعلمْنَ معي وأبدعنَ أيضًا، وكان منهجي في تقديم كلِّ هذا هو "أنا لستُ بمحترفة أو معلِّمة، وأنَّ العلم للجميع، ومِن حق أيِّ عضو آخَر أن يقدِّم ما لديه، ما دام كان ملتزمًا بآدابِ الحوار واحترام الآخرين، التعالي دومًا مبدأ مرفوض، ما جدَّ في الأمر هو مشاركة أُضيفتْ مِن عضوة جديدة لا تَزيد عني في العمر غير سَنة واحدة، ما أثارني في كلامها هو ثناؤُها على وضوحِ الشَّرْح، ومِن ثَم رأيها بأني ما زلتُ مبتدئة، وهذا واضحٌ مِن الخياطة، ثم ذيلتْ ردَّها بطلب لطيف لقَبول صراحتها، الواقع أنَّ في الأمر ثلاثَ نِقاط تثير الاهتمام:

الأولى: كيف يجتمع لشخصٍ إتقان تقديم المعلومة وشرْحها مصوَّرة، ثم يكون هو أيضًا مبتدئًا ما لم يكُن في الأمر معلومةٌ مفقودة تُجلِّي هذا الغموض، فلا يُتوقَّع مِن معلم لا يتمكَّن مِن نطق حروف العربيَّة بشكل صحيح أن يُلقِّنها لتلاميذه، ثم يأتي شخصٌ ويرَى أنَّ تقديم المادة رائعٌ لكن المعلِّم لا ينطق بشكلٍ جيِّد، ثَمَّة شيء مفقود في الأمْر، هذه حقيقة بالفِعل، فعندما كنت ألتقِط الصور كان لي عُذران هما: الدقَّة الشديدة للكاميرا المستخدَمة في التصوير، والتي تجعل مِن السهل اكتشافَ أيِّ عيوب في التطبيق حتى تلك التي لا تَراها العين المجرَّدة، والثاني هو قصورٌ خلقي في مقدم الدورة يتعلَّق بالجوانب البصريَّة، وهذا أمرٌ لا تتدخَّل فيه الممارسة مهما طالتْ.

لا يمكن لمعلِّم لا يستطيع نُطق حرف الراء مثلاً لعيب خلقي أن يُتقنَ نطقه ولو حاول آلافَ المرَّات، وهذا لا ينتقص مِن كفاءته كمعلِّم على كلِّ حال ما دام يُقدِّم المادة بشكلٍ جيِّد، وما دام عيبٌ كهذا لا يؤثِّر على تحصيل تلاميذه واستيعابهم، إذًا كان الأفضل ألاَّ يُوجه هذا الانتقاد بشكل عام، لو أنَّ القائل تروَّى بعض الشيء، فليس أقسَى على الآخرين مِن انتقاد يضغط على جوانبِ القصور الخلقيَّة فيهم، ليس الكلُّ أقوياء ليردَّ بقوة: بأنَّ هذا راجع لعيب خلقي وقُصور طبيعي فيه لا دخلَ له به.

الثانية: لا يوجد مبرر لطرْح انتقاد، ثم طلب الاعتذار بلُطف لدواعي الصَّراحة، فالواقع أنَّ أحدًا لم يسألكِ الصراحة؛ لتكوني مضطرَّة إليها ما لم تكُن لك دوافع أخرى، أضِف إلى ذلك أنَّ القائل ومَن يُوجه له القول في عُمر واحد تقريبًا، وكلاهما صغيران جدًّا في مِثل هذا المجال، فعندما نحكُم على أداء شخصٍ ما: إذا كان جيِّدًا، علينا أن نراعيَ عوامل عدَّة مِن أهمها العمر وسنوات الخبرة، ومِن البديهي أنَّك لن تقارن بيْن موضوع إنشاء يكتبه طالِب في الإعدادية بموضوع لطالب في الابتدائية، والأغرب أن تلفتَ نظر طالب الابتدائية بأنَّ مستواه بسيط، هذه حقيقة وليستْ بحاجة لأن تُقال، وإلا كانتِ الحقيقة التي ثبتت بالفِعل هي أنَّك الأقلُّ ذكاءً والأكثر سطحيةً.

الثالثة: هل مِن المفترض أن ينتظرَ المرء اكتمالَ الخِبرة والتعلم لينتقل فعليًّا لمرحلة العطاء؟

المشكلة أنَّ العلم لا يَنتهي، وهذا ما سيجعلنا نتحوَّل للأنانيَّة والسلبيَّة، فنتلقَّى دومًا دون مقابل، والمبرِّر الزائف أننا ما زلنا نتعلَّم، وأنَّنا لم نبلغْ بعدُ الحدَّ الكافي لنعطي، هذا هو المقياس الذي بدأتُ به حديثي، وهو متى يفترض بنا أن نُعطي ونُسهِم بعلمنا وخبراتنا؟


أعتقد أنَّ مثل هذه الآراء المثبِّطة قد تؤثِّر على الكثيرين، تبثُّهم اليأس والإحباط، فحقيقة ليس كلُّ البشَر أقوياء يتحمَّلون سمومَ اليأس التي يبثُّها الكثيرون، بعضهم يبثُّها بوعي وقصْد، وهؤلاء هم الأسوأ، وهناك مَن يبثها بجهل وهؤلاء هم الأخْطر، فالقاصد يستهدف أشخاصًا بعينهم وهم غالبًا أقوياء؛ لكي يتحمَّلوا، أما الجاهل فهو يؤذي الكثيرين، البعض منهم سينجو وكثيرون سيهلكون.

المشكلة لا تبدأ مِن هنا، بل مِن نقطة تسبقها بكثير، تبدأ مِن التربية؛ ولهذا أقول: اعتنوا أكثرَ بالتربية الإنسانيَّة والأخلاقيَّة لأبنائكم، علِّموهم كيف ومتى يُعطون الآخرين، حبِّبوا إليهم التبرُّعَ بالعلم، إنَّه أفضل ما تسمو وتجود به النَّفْس، فالعلم لا يفْنَى، وتتناقله الأجيال، ومع تطوُّر وسائل التكنولوجيا أصْبح من السهل جدًّا أن تقدّم للآخرين، وأن تنشر، وأن تخدم الجماعة الأوسع.

تَعلَّموا وعلِّموا أبناءَكم فنَّ العطاء، وهذا هو بيتُ القصيد.

النشر الأول على شبكة الألوكة

http://www.alukah.net/Social/0/33931/#ixzz1Vi69cL6O



الأربعاء، 27 يوليو 2011

إعادة الإنتاج

إعادة الإنتاج

لكلِّ إنسان حياتُه الخاصة التي يحافظُ عليها وعلى سريتها، أو هكذا يفترض أن يكون، وهناك حدودٌ تفصل ما بين الحياةِ الخاصة والعامة، هناك أيضًا أشخاص يتاح لهم الاقتراب من الحياةِ الخاصة، وكل على حسب منزلتِه، لكن ثمة شيء مختلف في حياةِ الكتاب والأدباء والشعراء، إنه ما يُمكن أن نسميَه: "إعادة الإنتاج".

المواقفُ والذكريات والأفكار ملكٌ لصاحبها فقط، بعض هذه الممتلكاتِ تكون على درجةٍ شديدة من الخصوصية، وتجدُ الفردَ يغلق عليها البابَ بإحكام، لا يسمح لأحدٍ بالاقتراب منها، هذا لا يعني كونها غير مشروعة في ذاتِها، ولكن لكونِها شخصيةً وحساسة جدًّا، فيكون من غيرِ المسموح لأحد رؤيتها، هناك ممتلكاتٌ أقل خصوصية؛ كأفكارِنا وبعض مشاعرنا ومواقف حياتنا وحتى ذكرياتنا، فليس من المستحسنِ أن تكون هذه - رغم قلة خصوصيتها - على المشاعِ للجميع، هذا يعني أنك تعرضُ مفاتيحَك الخاصة للبيعِ في متجر عام، ولكن مثل هذه الأشياءِ قابلة لإعادةِ الإنتاج من جديدٍ في قوالب تعبيرية، وقد تكون في الغالبِ أدبيَّة.

ماذا نقصدُ بإعادةِ الإنتاج لمثل هذه المواد الفكرية والممتلكات؟

إنَّ تحويلَ موقف ما إلى مقالٍ أو خاطرة أو جملة موجزة بليغة أو قصة قصيرة ليس عملاً سهلاً، ولكنَّ البعضَ ممن يملك سرَّ القلم ويعرفُ كيف يخطُّ به بشكلٍ جيد يستطيع أن يقومَ بهذه العملية، فتتحول الذكرى أو الموقف إلى شيء آخر، وهنا يصبح المُنْتَجُ الجديد غيرَ شخصي، وقابلاً للنشر أيضًا، إن ذكريات هؤلاء ومشاعرهم ومواقف حياتهم - وإن كانت بسيطة - وخيالهم كلها مواد قابلة لإعادةِ الإنتاجِ والتشكيل، وكلما كانت عمليةُ الإنتاجِ احترافية، وتنطوي على الجوانبِ الفنية كانت أكثرَ إفادة، وكان المنتج أقوى تأثيرًا.

قد يكون الموقفُ في حدِّ ذاته مألوفًا لصاحبِه، وقد لا يوليه المحيطون به اهتمامًا يُذكر، لكنَّ ثمةَ شيئًا مختلفًا يراه هذا، نقطة هناك، فكرة تتراءى من بينِ الأحداث، شخص صامت يحملُ رسالةً بعينيه، إن تحويل مثل هذه اللمحات لكلمات في قوالب تعبيرية محكمة يجعلها أكثر تأثيرًا، كما يعني أن ما خفي على البعض قد يزاح من عليه الستار الآن، وقد تنكشف حقائق ومعانٍ، بعض المشاعر تترجم في هيئة خواطر أو مقالات، وقد تُبنى على الواحدةِ منها قصة أو رواية، على كلِّ حال تحولت المشاعرُ إلى رسالةٍ على هذا النحو، قد تخاطب غافلاً، قد تثري فكرًا آخر، قد تنبه ثالثًا، وقد تؤلم رابعًا، ومع ذلك فالخسائر دائمًا مُتوَقَّعة ولا بد منها؛ لأنَّ الحياة بجملتِها نسبية، ونحن نحسبُ الخسائرَ بالنسبةِ للمكاسب أو العكس، فنقرِّر أيهما أكثر، ولكل عمل خسائر ومكاسب، هذا طبيعي، فأنت لا تربحُ إلا إذا فقدت شيئًا، حتى الوقت يدخل في حسابِ الخسائر أيضًا؛ لتكتب ملخصًا لأحد المواضيع مثلاً، حتمًا ستخسرُ الوقت، ستخسر شيئًا من جهدك، ستضحي بعملٍ آخر، في المقابلِ ستقدِّم مادةً علمية مفيدة، وعليك أن توازنَ بين خسائرِك ومكاسبك، والأمر نسبي ولا عَلاقة له بالتعداد، الفائدة العلمية أكثر أهمية من الوقتِ والجهد، فالعلم يتواتر وهذا يكفي.

إنَّ إدراكَك لعمليةِ إعادة الإنتاج على درجةٍ كبيرة من الأهمية، فحين نعيدُ إنتاج بعض المواقفِ والذكريات نحولها لمنتجاتٍ عامة بطريقة مقصودة ومحسوبة أيضًا، ومع ذلك يظل الأشخاصُ القريبون من صاحبِ القلم مدركين أو قادرين على إدراكِ بعضِ أبعاد هذه المواقف، قد يكونون هم أنفسهم من الشخصياتِ التي شاركت في صناعة مثل هذه الذكريات والمواقف، ورغم أنَّهم يشعرون بذلك، وقد يعتبرون مثل هذا المنتج الجديد شيئًا شخصيًّا، بالرَّغم من هذا، فالجمهورُ الذي يُقدَّم إليه هذا المنتج لا يعلمُ شيئًا عن هذا، هو فقط يتلقَّى فكرةً أو رسالة، وهذا هو هدفُ الكاتب من عمليةِ إعادة الإنتاج والنشر، هذه ليست عمليةً مزعجة وإن كانت جديدة على البعض، الأمرُ فقط بحاجةٍ إلى محاولة للتكيف والتأقلم.

ولأنَّ عمليةَ الكتابة لا تقتصرُ على إعادةِ الإنتاج، فإنَّ الكاتب قد ينتج أعمالاً جديدة المنشأ، إن مصدرَ مثلِ هذه الأعمال قد يكونُ خياله فقط، أو أفكاره التي تراءت في ساعةٍ ما.

إنَّ ترجمة مثل هذه الأفكار ونشرها يفتح مجالاتٍ واسعة لمناقشتها والإضافة إليها مستقبلاً، فلا توجدُ فكرة غير هامة أو لا قيمة لها، قد تدون عبارة موجزة اليوم وتكتب عنها مقالاً غدًا، ليس من المحتومِ أن تكونَ أنت المعني بذاتك من وراء كتاباتك، قد تكتب أيضًا منفعلاً بذكريات صديق أو بموقف رأيته وأنت بالطريق، إنك على كلِّ حال تنفعلُ نتيجة مثير والمثيرات كثيرةٌ ومتعددة.

اليوم ومع تزايُدِ الإقبال على شبكاتِ التواصل الاجتماعي أصبح من الضَّروري أن يميزَ الكثيرون بين ما يجبُ أن ينشر على الجمهورِ العام، وما يجب أن يظلَّ مكنونًا مصانًا، كما أنَّ على مستخدمي مثل هذه الشبكات أن يلموا بأدواتها بشكلٍ جيد، قد تدوِّنُ شيئًا ما وتتيح قراءته لشخصٍ واحد أو مجموعة محددة، قد تدوِّن شيئًا آخر وتتيحُه للجميعِ وتحظره على شخصٍ واحد، قد تكتبُ لعائلتِك فقط، وقد تكتب لأصدقاءِ عملك فقط، وفي الحالتين لا أحدَ يرى ما تكتبُ سوى من اخترتَ مسبقًا، هناك ضوابطُ للخصوصيةِ يمكن الإفادة منها، كذلك هناُك ضوابط يجبُ أن تتوافرَ لديك، وعلى كلِّ حال تظلُّ عملية إعادة الإنتاج أو الإنتاج الجديد تحظى بأهميةٍ عبر هذه الشبكات، يرجعُ السبب إلى سرعةِ الانتشار وهذا هو المطلوب، فحين تكتبُ وتقرِّرُ النَّشرَ فأنت تبحثُ عن وسيلة نشر جيدة وسريعة، ولأنَّ هذه الشبكاتِ تتيحُ ذلك بدون تكاليف تقريبًا، على عكسِ الجرائد والمجلات فقد تستخدمُها لهذا الغرض، هذا يعني أنَّ إنتاجَك خالٍ من التفاصيلِ الشخصية ما دام منتجًا جماهيريًّا، لكن ثمة أشخاص متخوفون من هذه العملية، هذا أيضًا ليس شاذًّا، فعندما تمسك (ميكروفون) الإذاعةِ لتتحدثَ فيه لأول مرة ستشعرُ بالخوفِ؛ لأنَّ ما سوف تصرحُ به سيصلُ لآذانِ الملايين، ومع تَكرارِ التجربةِ يصبحُ الأمرُ يسيرًا، ويبقى المهم هو أن تقرِّرَ ما سوف تقولُه، أنت لا تخشى الجماهير، وتدرك أيضًا أن فكرة طرحت في مقال اليوم يمكن أن تعدلَ في مقال بعد سنة، وكثيرًا ما تراجعَ الأدباءُ عن بعض أفكارهم مع اكتمالِ النضوج الفكري والثقافي، هذا طبيعي، ولو أنَّك انتظرتَ النضجَ الكامل فلن تكتبَ شيئًا، والصَّمتُ لا يدفعُ عادة إلى مزيدٍ من التفكير والنمو، إن كنتَ تملكُ قلمًا وفكرًا فأنتج، لا مشكلة، وانشر وناقش، أنت الرَّابحُ على كلِّ حال.

وختامًا أعودُ فأسجِّلُ هذه العبارةَ التي كتبتها في يومٍ من الأيام على فكرة مشابهة على إحدى الشبكات الاجتماعية: "يَنطقُ القلم فيُنطِق وراءَه الكثيرين"، فتخير لقلمِك حسن الحديث وأصوبه.

النشر الول على شبكة الألوكة

www.alukah.net

الجمعة، 10 يونيو 2011

المدرسة والأسرة للقضاء على الأمية الثقافية والاجتماعية


المدرسة والأسرة للقضاء على الأمية الثقافية والاجتماعية

لم يعد التعليم مطلبًا ضروريًا فحسب للإنسان؛ بل إنه أصبح اليوم حق لكل إنسان يناله ليتمكن من مواصلة حياته على نحو طبيعي ومثمر أيضًا، ولم يعد التعليم قاصرًا على الإلمام بقواعد القراءة والكتابة فقط، ولم يعد أيضًا مسمى الأمية قاصرًا على أولئك ممن لا يملكون مهارة القراءة والكتابة، بل أصبحت هناك أمية ثقافية وأمية تكنولوجية وأمية اجتماعية.
وفي الوقت الذي تركز فيه وسائل الإعلام والمدارس على الجوانب التكنولوجية ، وادخال التكنولوجيا الحديثة في العملية التعليمية تحقيقًا لهدف الإفادة منها على أقصى ما يمكن داخل الفصول الدراسية، وتحقيقًا لاستخدام التلاميذ لها واكسابهم المهارات العملية في هذا المجال - وفي ظل هذا كله يبدو أن الأمية الثقافية والاجتماعية لا تنال القدر الكافي من الاهتمام سواء داخل المدرسة أو الأسرة.
والثقافة هي مصطلح شدبد الاتساع والشمول أيضًا، وتضم الثقافة أساليب الحياة التي يعيشها الفرد وما يكتسبه من أسرته ومجتمعه، وتضم قيمة وتقاليده وأعراف مجتمعه، وخبراته الشخصية التي يكتسبها بنفسه، والخبرات الجماعية التي يكتسبها من مجتمعه والمحيطين به، وأيضًا لغته ومقدار حصيلته اللغوية، ومعلوماته ومعارفه العامة والخاصة، وبالطبع يندر أن تتحقق الأمية الثقافية بنفس الشكل الذي تتحقق به الأمية الهجائية، إلا أن أقل القليل من الثقافة يعد بمثابة أمية أيضًا.
وهناك الأمية الاجتماعية، ويمكن أن نقول أنها نقص المهارات الاجتماعية، ومن ذلك مهارات الاستماع والحوار والشجاعة الأدبية والقدرة على التفاعل في الجماعات الصغيرة والكبيرة نسبيًا، وعدم الخوف من مواجهة المجتمع، ومن الجدير بالذكر أن هذه المهارات تحتاج في الأساس لبناء نفسي قوي وثابت، أي أنها تحتاج إلى تقدير إيجابي للذات يولد ثقة بالنفس ومن ثم القدرة على اكتساب مثل هذه المهارات التي بدورها ستعزز هذا التقدير وتزيد الثقة وتدفع للنجاح.
إن العمل على تحقيق البناء النفسي الجيد ومن ثم اكتساب المهارات الاجتماعية سيساعد على توسيع دائرة الثقافة للفرد، وسيجعله أكثر رغبة للقراءة والإفادة من الآخرين وتقديم المساعدة لهم أيضًا، وهذه العملية تبدأ منذ السنوات الأولى للطفل، والمفترض ألا يقتصر دور المدرسة على تزويد الطفل بالمعلومات فقط، بل لابد من مراعاة خطوط الثقافة العامة وبأسلوب يتناسب مع التكنولوجيا الحديثة ومعطيات العصر، وإن كانت القراءة وما تزال وستزال الطريقة الأمثل لتلقي المعلومات ـ فإن عملية القراءة تحتاج لإمكانيات وليس مجرد توفير مكتبة داخل المدرسة، الأمر بحاجة لاهتمام حقيقي لتكوين مكتبة مناسبة تشتمل على الكتب الملائمة لكل مرحلة دراسية على أن ترتب على هذا الأساس مما يساعد الطلاب على التجول فيها بحرية والتماس متعة اختيار كتاب معين لقراءته، كما لابد وأن تصمم على نحو جذاب ، وقد تقسم لأركان بحيث يختلف ديكور كل قسم عن غيره تبعًا للمرحلة العمرية التي يُخصص لها، وعلى أن تراعى فيها عوامل الراحة الحقيقية على نحو عملي وليس على نحو نظري فقط، ومن المفيد توفير مربيين متخصصين لإدارة المكتبة وتحفيز الطلاب على القراءة وعقد المسابقات الثقافية بجوائز قيمة، وعلى أن يراعى في ذلك اكساب الأطفال الشجاعة الأدبية التي تمكنهم من مناقشة ما قرؤوه أو طرح الأسئلة أو سرد ملخص لما استوعبوه.
ويمكن الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة داخل المكتبات وذلك عن طريق توفير الكتب الإلكترونية وعلى أن تتوفر أجهزة كومبيوتر حديثة وشاشات بأحجام مناسبة، ومراعاة الأطفال الذين يعانون من مشكلات بصرية أو سمعية ضرورة داخل المدارس ، وقد ساعدت التكنولوجيا الحديثة على تيسير مهمة المدرسة في هذا الشأن، ويمكن أيضًا تحفيز الطلاب على القراءة عن طريق توزيع اسطوانات الكتب والقصص مجانًا كنوع من أنواع المهاداة من المدرسة، وقد تعقد المسابقات الجماعية حول هذه القصص ، ومن المهم جدًا تطوير مهارات التعبير لدى الطلاب وخاصة التعبير الإرتجالي، وتلعب إذاعة المدرسة دورًا هامًا في هذا المجال على أن تنظم بشكل جيد، وعلى أن تكون الموضوعات المطروحة فيها شيقة وممتعة ومفيدة، ومن عوامل نجاح الإذاعة المدرسية ارتباطها الوثيق بالطلاب عن طريق اعداد الاستقصاءات لمعرفة مايهم الطلاب وما يثير انتباههم وفضولهم ومحاولة إشباعة، والصحافة الإلكترونية مفيدة لطلاب الصفوف العليا كالمراحل المتوسطة والثانوية بشكل خاص، وتمثل الصحافة الإلكترونية مشروعًا رائعًا يقوم على تنفيذه مجموعة من الطلاب قد تزيد عن عشرة طلاب في مشروع واحد، ومع هذا فالأمر يتطلب إمكانيات تكنولوجية ورغبة حقيقية من إدارة المدرسة.
وبالرغم من أن كل ما سبق يخص المدرسة كمؤسسة تعليمية فإن الأسرة كمؤسسة اجتماعية لها دور شديد الأهمية، فحث الابناء على المشاركة في الإذاعة المدرسية ومسرح المدرسة وتنظيم الحفلات ضرورة، وحين يرفض الطفل ذلك بدواعي الخجل والخوف فيكون الأفضل طلب ذلك من المعلم أو المعلمة ليختار بنفسه هذا الطفل باعتباره متميزًا وسيحقق نجاحًا، مما يزيد من ثقة الطفل بنفسه ويجعله في مواجهة الموقف ، ومع تشجيع الأسرة سيتغلب على خجله أو خوفه بالتكرار، مما يعني شخصية أقوى وأكثر تماسكًا.
وعقد المسابقات الثقافية في المنزل من الأنشطة المفيدة خاصة في الأسر الكبيرة حيث يتولى تنظيم هذه المسابقات أحد الأعمام أو الأخوال مثلاً، ويكون المشاركون من جميع أفراد الأسرة من سن متقارب، وقد تكلف الأم أو الأب كل ابن بتقديم ورقة عمل عن موضوع معين كل أسبوع، وذلك بمفهوم بسيط للتشجيع على القراءة والبحث، على أن تستغل الفكرة لزيادة شجاعة الابن وذلك بأن يقوم بقراءة ما جمع من معلومات على بقية أفراد الأسرة.
ومع تكرار النشاطات يمكننا أن نحصل على جيل جديد من الأطفال بوعي وثقافة وشجاعة أدبية وفكرية أيضًا، ويكون بإمكاننا أن ننظر لغد نظرة أكثر إشراقًا.

نسمه السيد ممدوح
1 يونيو 2011

النشر الأول في شبكة الألوكة

www.alukah.net

الثلاثاء، 31 مايو 2011

سمر الروح


سمر الروح

على الرمل ويدي وسادتي.. من روعة السماء تذوب حبات الرمل كأنها الحرير يداعبني .. ونسمات الهواء تلاطفني .. من قال أن لليل وحشة يا عمري؟ إن سمر الروح فيه والنواس يصحبني .. ماكنت وحدي والسماء على اتساعها من فوقي.. ماكنت وحدي والأرض خالية من حولي . ماكنت وحدي ولا شيء سوى الصمت من بعد حسي .. أكنت وحدي وروحك تآنسني؟! آهٍ لو أن خيل الثواني يكف عني .. ويتوقف الزمن من حولي .. ولا ينفك الليل وصحبة الروح يا عمري ..

نسمه السيد ممدوح
31 مايو 2011

الأحد، 22 مايو 2011

ساعة من يومك لغد

ساعة من يومك لغد

من الطبيعة نستقي الكثير من الدروس الحياتية، ولأن الإنسان جزء من هذه الطبيعة فهو أيضًا يخضع لقوانينها، ومن قوانين الطبيعة التغير المستمر وعدم الثبات على وتيرة واحدة، لكن هذا لا يعني التقلب والعشوائية، وإنما يعني التغير من حال إلى حال في سلسلة مدروسة كما لو أن كل عنصر يدور في هذه السلسة ينهي حلقة ليدخل في الأخرى ويبدأ من جديد، فالليل لا يستمر وكذلك النهار، والليل يتبعه نهار وكذلك النهار يتبعه ليل، والصيف لا يستمر وهكذا بقية الفصول، هناك ترتيب تسير عليه، وهناك دورة لكل شيء، وحتى الحياة لها دورة أيضًا، وفي جسم الإنسان دورات عديدة، وفي حياته الاجتماعية والنفسية كذلك، وحلقة الترفيه والترويح عن النفس من بين الحلقات التي يمر بها الإنسان باستمرار، وتخطيها المتعَمَّد له بالقفز قد يعرضه للأخطار النفسية المتراكمة.
إن قدرة الإنسان على العطاء والعمل والاتقان مرهونة بكفاءته وخبرته من ناحية، وتأهيله النفسي وقدراته ومعنوياته من ناحية أخرى، لا يكفي أن تكون ملمًا بعلم ما أو متقنًا لحرفة ما حتى تتم عملك على أفضل ما يكون، إن الأشخاص المرهقون والذين يعانون من مشكلات نفسية حتى لو لم تكن كبيرة قد تواجههم صعوبة العمل باتقان، وبالطبع لن يشعروا بمتعة هذا العمل وسيكون نوعًا من العقاب الذي تفرضه عليهم الحياة بطبيعتها، قد يكون العلاج سهلاً وفي متناول الجميع، لكن هناك من يرفض تعاطيه، وهناك من يسيء تعاطيه، كما أن الإفراط فيه يعني تعريض الحياة بجملتها لأخطار التسيب والإهمال.
إن حصول الفرد على ما يكفيه من الترفيه بشكل مستمر وقد يكون بشكل يومي ضروري جدًا، وهناك اشكالية حول طبيعة ها الترفيه ومدته، فالترفيه لا يعني أن تستقطع من يومك ساعات طويلة أربع أو خمس ساعات، يكفي أن تمنح نفسك ولو ساعة واحدة لتحصل على الترويح المطلوب، لكن عليك أن تذكر أن ساعة الترويح ضرورية في يومك وعليك أن تحسب حسابها لا أن تتنازل عنها بسهولة في خضم الحياة، ومهما كان حجم المسؤوليات الإجتماعية الملقاه على عاتقك فعليك أن تتمسك وبشدة على الحصول على هذه الساعة، هذا لا يعني أنك شخص أناني؛ وإنما يعني أنك تدرك قيمة هذه الساعة في يوم غد، لأن الضغط النفسي والعمل المستمر حتمًا سيولد لديك الشعور بالإرهاق والملل، وعندها لن تكون بحاجة لساعة واحدة للترويح، بل قد تحتاج لخطة طويلة الأمد نوعًا ما لتستعيد حيويتك ونشاطك، كما أنك ستكون معرضًا لخطر الانتكاس مع التعرض للمواقف والظروف الضاغطة في تلك الفترة.
وإن أنت سلمت بحاجتك لهذه الساعة فعليك أن تبحث عن وسيلة ترويح مناسبة، المشكلة أن الكثير جدًا يغلب عليهم هذا الانطباع: الترويح يعني الضحك وبالتالي فالحل هو مشاهدة فيلم كوميدي أو الجلوس مع الأصدقاء لتبادل النوادر والأحاديث الفكاهية، ومع أن هذا أو ذاك قد يسليك لبعض الوقت فإن الترويح الحقيقي يعني شيء أكثر عمقًا من هذا، إن مطالعة كتاب ما لأجل المتعة والفائدة الغير مباشرة يعتبر نوعًا من الترويح الإيجابي بحق، أنت تشغل ساعة من ساعات وقتك الثمين بما يخفف عنك ضغوط الحياة من جهة، ويمدك بالإفادة من جهة أخرى، ومع ذلك فنوعية الكتاب المطلوب هنا ذات درجة كبيرة من الأهمية، فكتب الترويح تعطيك الفائدة ولا تحتاج إلى تركيز شديد كما هو الحال عند قراءة الكتب السياسية مثلاً، لا تعجب أن تكون الروياات القيمة نوعًا من أنواع الترويح المفيد، لأن المؤلفات الروائية الكبيرة هي أكثر من مجرد سرد لأحداث رواية فقط، وإنما غالبًا ما تحمل بين جنباتها الكثير من الإشارات والعبارات الفلسفية التي ستقودك للتفكير والتأمل، وبعضها يعالج موضوعات ذات جانب تاريخي مما ينعش ذاكرتك التاريخية وهكذا، أضف إلى هذا زيادة حصيلتك اللغوية تلك الحصيلة التي تظل بحاجة لإضافة وصقل على مدى الحياة.
بعض الأفلام السينمائية تعتبر وسيلة من وسائل الترويح عن النفس، ورغم أن المُشاهد يدرك جيدًا أن ما يراه على الشاشة ليس حقيقيًا؛ إلا أن تجاهل هذه الحقيقة هو ما سيجعلك تفيد حقًا من مشاهدة هذا الفيلم أو ذاك، إن معايشة أشخاص لا تعرفهم بعض المواقف يجعلك تتحرر قليلًا من أفكارك وضغوط حياتك، وسيساعدك أيضًا على التعايش فيما بعد مع من حولك، قد يكشف لك جوانب خفية في أشخاص مقربين منك قد تجاهلت أنت ظروفهم يومًا ما، هذا نوع من أنواع انعاش النفس وعلاجها، ومعايشة المواقف التمثيلية حتى لو لم تكن سعيدة وذرف الدموع أحيانًا يكون ذو فائدة كبيرة، لأنه سيحرر مشاعرك في لحظات، وسيشعرك بعدها بالراحة، وأنت لن تصل لهذه المرحلة من المعايشة إلا لو نحيت جانبًا اقتناعك بأن هذا الفيلم غير واقعي وأنه يحاول جذبك إليه ، لأنك في هذه الحالة ستتمنع عنه بطريقة غير مباشرة وبالتالي ستفقد المتعة والفائدة النفسية أيضًا.
لكن ثمة أمر بالغ الأهمية لابد أن تضعه في حسابك، لا تفوت الفرصة لتتعلم شيءً مما تقرأ أو تشاهد، اقرأ بعمق قدر المستطاع، افد من أي معلومة ترد ولو في سياق القصة مثلاً، إن كنت تقرأ عن أحداث تدور في بلد آخر فاعرف عادات هذا الشعب من خلال تصرف أفراده في الرواية، إن كنت تشاهد فيلمًا فتمتع بجوانبه الإخراجية: زاوية التصوير هنا، تعبيرات الوجه في تلك اللقطة وهكذا، فتراكم كل هذا يحقق لك الترويح المطلوب وتجديد النشاط.
وأخيرًا لا تنسى أن تحترم حاجة الآخرين للترويح، ولا تنسى أن الترويح الحقيقي لا يخالف الأخلاق والدين، الترويح الحقيقي يبني ولا يهدم، الترويح الحقيقي يجعلك أكثر نشاطًا وفاعلية ولا يسلمك للكسل والإهمال في العمل.

نسمه السيد ممدوح
22 مايو 2011

الخميس، 5 مايو 2011

ابلغوه مني السلام


ابلغوه مني السلام

دقت الساعة وشاركتها القلوب، وفُتِحَت الأبواب وسالت الدموع، تشابكت أيدينا وأودعتك أمانتي، أكان وداعًا أم املاً في اللقاء لا جواب، وارتجفت الدرجات وأغلقت الأبواب، وانتُزِعَت الروح مني وقلبي معلق هناك، لا أرض ولا سماء، وبين اثنين متباعدين كان دومًا هناك، وتمر الأيام وفتجان قهوتي ملؤه النصف، وشمسي تشرق دومًا قبل الأوان، تقاسمنا الحياة فلي النصف في كل حال، وأمانتي لا تزال بعهدتك هناك، وبت علامة لوصول القطار، ولكل مسافر: احمل له مني سلام، وقالوا لا نعرف له عنوان، حلم هو أم حقيقة تذكري ربما اشقاك الانتظار وسلمك للهذيان، وبين الحين والحين يتغير شيء ما هناك في الأفق، ولا يلبث أن يعود كما كان، كم مضى على الفراق يا سيدي؟ كم بقي على يوم اللقاء؟ إن كان عشقي لفكرة فحتمًا لا أمل في الجواب، ولابد من الانتظار، سلام حبيبي، لا تنساني ، فأنت مني ويومًا تعود ترد أمانتي، هكذا خلقنا اثنين وافترقنا لنعود يومًا من جديد: اثنين ولا مكان للوداع.

نسمه السيد ممدوح
5 مايو 2011 م


السبت، 30 أبريل 2011

ما وراء المعاني


ما وراء المعاني

كثيرًا ما نردد عبارة "اقرأ ما بين السطور" لكن كثيرًا ما ننسى أن علينا حقًا أن نقرأ ما هو مخبأ أسفل الكلمات التي على السطور، أكثر المعاني عمقًا قد نعبر عنها بعبارات بسيطة جدًا، وتبقى العلاقات بين الصور والكلمات هي الدليل للمعاني الخفية المقصودة، لهذا لا تسلم دومًا بأول معنى يتوصل إليه عقلك، ثق أن وراء العبارات القصيرة خاصة معانٍ كثيرة.
وفي هذه الأسطر سأخوض جولة مع عبارة بسيطة نقشتها يومًا ، أظن أن الكثير من رسالتي لم يبلغ أحدًا، ليس لصعوبة في تركيب الجملة أو استخدام مفردات بعيدة المعنى؛ ولكن لهذا الفارق الكبير بين بساطة التصوير وعمق المقصود، يومًا كتبت "لا تقر بأن الثوب مريح مالم ترتديه من قبل" هذه العبارة القصيرة قد نقول أشباهها كثيرًا في حياتنا اليومية؛ لكن حين نكتبها مجردة فالأمر هنا يختلف، نحن نكتب بدون موقف معين ؛ إذا ليس من العدل أن ندرك الجملة في إطار موقف نرددها فيه عادة، وإنما علينا أن نناقشها بعمق أكثر.
الثوب هو حقًا هو كل ما يمكن ارتداؤه، هذه حقيقة لكن الثوب الذي قد تصوره الكلمة لأعيننا هو الثوب المنسوج لأن هذه هي أقرب صورة مادية للثوب، لكن الثوب بمعناه الواسع قد يكون غير مرئي وغير مادي أيضًا، في العربية نجد الكثير من التعبيرات التي تساعدنا لإدراك المعنى ، فنقرأ في القرآن لباس التقوى، ونقول ثوب الفرحة، ثوب الحزن أو الهم وهكذا، فالثوب هنا هو شيء ترتديه النفس أو يرتديه القلب وليس ثوبًا منسوجًا يرتديه البدن، ومادام الأمر كذلك فالمعنى حقيقة سيتجاوز ذاك الذي ننظر إليه بسطحية.
عندما نقول لا تقر بأن الثوب مريح مالم ترتديه من قبل فهذا أيضًا يعني أنه ليس من الصواب أن نحكم على حالة ما أو وضع ما بأنه سيكون كذا أو كذا مادمنا لم نعايشه قبلاً، وهذا يعني أيضًا قصور حكما على المستقبل حتى لو كان مستقبلنا، ويقودنا هذا أيضًا لندرك أن المبالغة في إصدار الأحكام على حالات مستقبليه قد يجعلنا عرضة للصدمات والانتكاسات، لماذا؟ لأننا حين نحكم بأنه عندما يحدث كذا أوعندما سنكون في هذا الموقف سنكون سعداء فإننا نؤهل أنفسنا لانتظار ماهو جيد فقط، وعندما يحدث ماليس متوقعًا قد نصاب بخيبة أمل، هذا لا يعني أن نتوقف تمامًا عن التفكير أو توقع ما يمكن أن يكون، أو كيف سنكون في المستقبل، لكن يعني أن نبتعد قدر الإمكان عن المبالغات.
من ناحية أخرى قد نرى شخصًا يرتدي ثوبًا مختلفًا عنا، وفي هذه الحالة ليس من العدل أيضًا أن نصدر عليه حكمًا بأنه سعيد أو بنبغي عليه أن يكون كذلك، أو أن عدم ارتياحه لهذا الثوب خطأ وأنه هو المسؤول؛ فمادمنا لم نرتدي هذا الثوب من قبل فيجب أن تكون احكامنا عليه حذره، وما يلائم هذا قد لا يلائم ذاك، هذه أيضًا حقيقة نقرها في حياتنا المادية حتى في التعامل مع الأثواب، فما يناسب صديقك قد لا يناسبك أو قد لا تشعر معه بالراحة.
وختامًا هناك دومًا ثوب سيريحك ، وكما نبحث في المتاجر عن هذا الثوب ونقضي الساعات في رحلة البحث تلك؛ فأنفسنا هي أيضًا أولى وأجدر بأن نوليها هذا الاهتمام، فالأبدان لا شيء بدون نفوس تسكنها.

نسمه السيد ممدوح
30 ابريل 2011


الخميس، 28 أبريل 2011

امنحه الحرية، امنحه القوة ليحيا حياة طبيعية


امنحه الحرية، امنحه القوة ليحيا حياة طبيعية

الأبناء نعمة من الله، ولكن عندما يرزقك الله بطفل يعاني من مشكلة صحية أو إعاقة بدنية أو عيب خِلقي ـ عندها تذكر أن الله ألقى على عاتقك مسؤولية كبيرة جدًا، لا تتصور أن الألم الذي سيعتصر قلبك حينها وصبرك عليه هو المقصود؛ بل هناك ما هو أكبر، فأنت تحمل عبء تنشئة هذا الطفل ليشعر بالفعل أنه يحيا حياة طبيعية، معادلة صعبة وعسيرة في تحقيقها لكنها ليست مستحيلة، طفل غير طبيعي ينشأ ويعيش باعتباره طبيعيًا ، كيف يمكن تحقيق ذلك؟
في بداية هذا المشوار الطويل الشاق احمد الله على ما ابتلاك به، وعاهد نفسك على أن يحيا ابنك بسلام وبحرية، وأن يحيا طبيعيًا، ثم ابدأ العمل، تذكر أن خوفك عليه وتألمك من أجله سيدفعك لارتكاب الأخطاء والهفوات، هذه ليست أخطاء بمعنى الأخطاء وإنما هي أخطاء في الأسلوب الصحيح للتعبير عن معاني الرعاية والإهتمام، فحتى عندما نهتم بمن نحب أو نهتم بأصدقائنا أو إخواننا أو والدينا .. الخ ـ علينا أن نذكر دائمًا هذا الخيط الرفيع الذي يفصل بين الرعاية وبين جرح شعور الطرف الآخر لشعوره بالنقص والعجز، لا نقول يجب أن نحافظ على هذا الخيط فقط؛ بل يجب أن لا يُمس أو يهتز أيضًا، فالشعور بالنقص والحرمان أو العجز ينمو سريعًا داخل الإنسان ويولد نوعًا من النضج المبكر في بعض جوانب شخصيته ، قد يكون البعض قادرًا على التعبير عن نفسه في تلك المواقف الحساسة، والكثير لا يملك ذلك، وهناك الأكثر ممن يملكون القدرة على التعبير لكن الشعور الداخلي بالألم والمرارة يدفعهم لالتزام الصمت رغمًا عنهم، لهذا لا تكن قاسيًا مع ابنك حتى في رعايتك وخوفك عليه، لا تسال سؤالًا لن تفيد منه ، إن كان ابنك يعاني من مشاكل بصرية فلا داعي لتسأله باستمرار "أتستطيع رؤية هذا هناك؟" أنت تطرح السؤال بنوايا طيبة وابنك يدرك هذا، لكن على كل حال قد اخترق سؤالك المتكرر قلبه ونزف منه ولو قطرات.
قد ترغب في أن تخفي عيوب ابنك عن الآخرين حتى لا يتعرض له البعض بالسخرية أو طرح الأسئلة المؤذية ، وهذا شعور نبيل منك؛ لكن افعل هذا بطريقة غير مباشرة، فلا تقل ارتدِ هذا حتى تخفي ساقك أو ذراعك مثلاً، ولكن قل له هذا أجمل عليك، ارتدِ هذا المعطف اليوم فأنا أفضله أكثر.
وفي كل الأحوال تذكر أن تمنح ابنك قدرًا كافيًا من الحرية، فالرعاية المستمرة تصيب الإنسان أحيانًا وفي لحظات معينة بما يشبه الاختناق النفسي، إنه نفس الشعور الذي قد ينتابك عندما تتواجد في مكان ضيق جدًا وتشعر بضيق التنفس، هكذا ابنك في لحظات معينة، أنت تخنقه ليس بالرعاية في حد ذاتها وإنما بشعوره الداخلي بالعجز الذي يجعله دومًا في حاجة للرعاية، وكلما كانت إعاقة ابنك بعيدًا عن القدرات العقلية، وكلما كان هو أكثر نضوجًا؛ كلما احتجت أنت لقدر أكبر من الوعي والحذر في التعامل معه.
تذكر لا تتصرف بدافع الحب الأبوي فقط، لا تتعاملي بقلب الأم فقط، لابد من التعقل في الكثير والكثير جدًا من المواقف، امنح ابنك الفرصة ليعيش بقوة وحرية، ساعده على أن يجتاز اوجه القصور فيه، لا تجعله يحيا في سجن نفسي كلما حاول الهروب منه رَددته أنت إليه دون أن تدري، وتذكر أن الكلمة البسيطة قد تُدمي، عندما يصطنع ابنك القوة والقدرة على الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية فاتركه يجرب ويخوض هذه المعركة، فهي ليست معركة مع الحياة وإنما معركة مع النفس، فقط اهتم وراقب عن بعد وكن جاهزًا عندما يطلب منك العون، وتمنى له الانتصار في معركته، وتذكر أن هذه المعركة حتمًا ستأتي فكن مستعدًا لها.
وكلمة أخيرة، إذا رزقك الله بأطفال أصحاء فلا تنسى أن تلقنهم أدب التعامل مع غيرهم من الأطفال الذين يعانون من مشكلات بعيدة عنهم، علم ابنك ألا يسخر من آخر، علمه أن يساعد الآخرين بحب، علمه أن لا يسأل الآخرين عن أسباب عدم قدرتهم على فعل هذا أو ذاك، علمه أن لا يتعجب من عيب خِلقي ، فأنت لن تكون سعيدًا إذا رُزقت بطفل يعاني من مثل هذه المظاهر المؤلمة.
ارحم طفلك وعلمه أن يرحم الآخرين من حوله.

نسمه السيد ممدوح
19 يناير 2011

النشر الأول في شبكة الألوكة
www.alukah.net

الأحد، 24 أبريل 2011

فانتازيا


فانتازيا

في ساعة غير مذكورة، حين تصطبغ الجدران باللون الأبيض، تغيب النوافذ، تستحيل الأصوات من حولي، حينها تدب الحياة في أوراقي وقلمي، تراني مرآتي وتقدر على محاورتي، لماذا العبرات يا سيدتي؟ هكذا باغتتني أوراقي، آذتها دموعي فأشفقت لحالي وصمتي، يا صديقتي أجيبيني : أكانت طفولتنا جميلة أم شبابنا هو الأسوأ؟
حيرتني وما الفارق؟

إن كانت هي جميلة فهي حقًا كذلك، وإن كان شبابنا اسوأ فهي لم تكن غير عادية أو سيئة من دونه يا عزيزتي.
أذكرك يومًا وصفتها بأنها حقًا جميلة.

خبريني أنت ألم تكن منازلنا دومًا فسيحة مزدانة مشرقة سعيدة؟ أما كانت وجباتنا وحلوتنا دومًا لذيذة؟ أما كانت أيامنا حقًا صافية نقية سعيدة؟ ألم تزل ذكريات الطفولة بيضاء طاهرة؟ أما كانت ذراعي أمي أكثر حنانًا وأحضانها أكثر دفئًا؟ أماكنت مدرستي جميلة؟ ونزهاتنا عديدة ومغامراتنا كثيرة؟ أما كانت صداقاتي كثيرة؟ وضحكاتني وتذكاراتي هنا وهناك لا عد ولا حصر؟ أما كانت قصصي بهيجة؟ أما كانت حدائقنا مزهرة ؟ وسماؤنا صافية ؟ وشتاؤنا ممتع وأمطارنا مثيرة؟

نعم كانت كذلك، وشبابك أيضًا بالجميل مزدان؛ لكن هو النضج يا صديقتي.
صدقت يا جليستي، أنت أيضًا في شبابي جميلة، وفي طفولتي ما عرفتك، وعشقت دميتي والعابي البسيطة، أما عشقك وقلمي فماكان غير حب شبابي ونضوجي، تحية لك طفولتي وسلام لأيامك النقية.

نسمه السيد ممدوح
23 ابريل 2011


الجمعة، 15 أبريل 2011

الدستور


الدســـــــــــــــــــــــــــتور

لكل نشاط أو ظاهرة قانون يحكمها، وكذلك سلوك الإنسان، وكما يوجد للدول دساتير تخضع لها كافة القوانين والقرارات ولا تخرج عنها التزامًا وانقيادًا لها ؛ فكذلك الإنسان أيضًا، فلكل فرد دستوره الخاص الذي يحكم كل تصرفات وقراراته وآراؤه، وهذا الدستور ليس مكتوبًا، وإنما هو دستور من نوع خاص جدًا، لأنه دستور أخلاقي يتكون داخل عقل الإنسان وشعوره، من يضع هذا الدستور؟ وهل يتشاركه الإنسان مع غيره؟ وكيف يحكم تصرفاته طبقًا لمواده؟

الحقيقة أن هذا الدستور يكتب داخل الإنسان مادة مادة مع سنوات التربية في الصغر، ويصقل وينقح فيما بعد مع سنوات تكوين الشخصية، ويختتم ويصادق عليه مع سن الرشد، ففي البداية يشارك الأب والأم في كتابة مواده الأولى، وتغرس الأعمدة التي سيقام عليها بناء هذا الدستور فيما بعد، وشيئًا فشيئًا تتسع دائرة المؤسسين والمشاركين في وضع الدستور، ويدخل فيها الإخوة والأقارب والجيران ، ومن ثم المدرسة والمجتمع على اتساعه، وبالطبع تلعب وسائل الإعلام دورًا هامًا في ذلك، ويعتبر هذا الدستور الأخلاقي جزء مما يسمى بالإطار المرجعي للفرد الذي يشمل بجانب مبادئه وأخلاقه وأفكاره ـ خبراته وتجاربه ومعارفه وثقافته وأسلوب حياته، وفي مرحلة تكوين الشخصية يبدأ الفرد يلعب دوره الخاص في تعديل هذا الدستور وتنقيحه والإضافة إليه وذلك عن طريق الاحتكاك بأفراد معينين والقراءة في مجالات معينة وممارسة النشاطات المختلفة، ويبدأ في ملاحظة الأشياء من حوله ونقدها وهكذا، وما إن يصل لسن النضج والرشد حتى ينتهي تقريبًا من تنقيح دستوره ويصادق عليه، والمفترض فيما بعد أن يعمل طبق هذا الدستور الذي يمثل أخلاقه على عمومها ومبادئة التي يجب أن يتمسك بها وألا يتنازل عنها، وكل على حسب دستوره يعمل.

وعلى هذا فقرارات الفرد وتصرفاته في المواقف على اختلافها لابد وأن تعبر عن هذا الدستور، وأن تكون خاضعة ومنقادة له أيضًا، فكريم الخلق مثلاً يصادق بكرم، ويحب بكرم، ويعاتب بكرم، ويوبخ بكرم، ويحاسب بكرم، وحتى عندما يغضب يغضب بكرم، ولكن كيف يقوم بكل هذا طبقًا لمبدأ الكرم؟ إنه يصادق بإخلاص ، ويحب بطهر ونقاء ، ويعاتب بلين ورفق، ويوبخ بدون جرح ويقبل الاعتذار بلطف، ويحاسب بعدل وهدوء، وعندما يغضب يتمالك أعصابه وقت الغضب، ويعفو إن ملك العفو، ويقتص بعدل وباحترام للإنسانية على مطلقها، يسمو بروحه عن قبول الاهانة وتوقيعها على الغير، ولا يقبل بمعاملة المثل، بل هو دومًا الأفضل في ردة الفعل، إنه يطبق أيضًا مبدأ القوة والاعتزاز بالنفس لكن باتزان.

أما دنيء الخلق ، ضعيف النفس فإنه أيضًا يتصرف في ضوء دستوره الخاص الذي يتيح له الكذب، الغش، قبول ما ليس له حق فيه، الغدر، القوة المطلقة، ويؤمن بمدأ الغاية التي تبرر الوسيلة مهما كانت ، وقس على هذا سلوكه في الصداقة، الحب، العتاب، الحساب، الغضب.
والفرد لا يستقل بدستوره وإنما يتشارك بعض مواده مع غيره، وكما يساهم الآخرون في كتابة دستوره ؛ هو أيضًا يلعب دوره في كتابة دساتيرهم الخاصة، فالأخوة لديهم مواد دستورية مشتركة، والأصدقاء كذلك، والأزواج كذلك، والأسرة على عمومها كذلك، ويتسع النطاق شيئًا فشيئًا لنجد بعض مواد الدستور مشتركة بين غالبية أفراد الجماعة الكبيرة داخل المدرسة والجامعة ثم القرية والمدينة والدولة بأكملها، وقد نجد مواد إنسانية مشتركة بين غالبية سكان الأرض.

لاجل كل هذا علينا أن نولي دساتيرنا الخاصة اهتمامًا كبيرًا، وعلنيا أيضًا أن نحترمها، ولا مانع من تعديلها إذا ثبت لنا أن بعض موادها خاطئة ومرفوضة ، هذا على كل حال أفضل من الانقياد لدستور ذو مستوى أخلاقي غير مقبول، وأخيرًا: تحية لذوي النفوس الكريمة والدساتير الفاضلة.

نسمه السيد ممدوح
15 ابريل 2011




الأربعاء، 13 أبريل 2011

نحن مثل البطاريات


نحن مثل البطاريات

بالطبع نحن ندرك أهمية الكهرباء في حياتنا، فاليوم أصبح انقطاع الكهرباء يمثل أزمة حتى داخل منازلنا والتي امتلأت بالكثير من الأجهزة الكهربائية، ولم تعد الأمور قاصرة على الترفيه فقط؛ بل إن الكثير من هذه الأجهزة أصبح من ضروريات المعيشة، وتوفير الكهرباء إما أن يكون عن طريق خطوط الكهرباء المعروفة أو باستخدام البطاريات، ونحن جميعًا نعلم أن لكل بطارية طاقة كهربائية معينة تستهلك فتصبح البطارية بلا قيمة، وهناك بطاريات قابلة لإعادة الشحن، ومالم تشحن البطارية بشكل كامل فإن طاقتها ستنفذ بسرعة، ومع تكرار الشحن تستهلك البطارية وتضعف حتى تصبح غير ذات قيمة تذكر، نحن نتفق على كل ما سبق لكن السؤال هو: هل تؤمن حقًا بأن الإنسان مثل البطارية القابلة لإعادة الشحن؟

فكما أن الكهرباء ذات أهمية كبيرة في حياتنا فإن الطاقة الإيجابية المكتسبة بداخلنا والتي نعبر عنها بالروح المعنوية المرتفعة تحظى بذات الأهمية، وكما ذكرت فنحن نكتسب هذه الطاقة ولا نخلقها أو نوجدها بأنفسنا، وكما يرى الفيزيائيون بأن الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من عدم؛ فأيضًا طاقتنا الإيجابية يمكن أن ينطبق عليها الأمر ذاته، فهي فعلاً لا تفنى ولكن تتغير صورتها وهي أيضًا لا تنشأ من عدم، إذن هناك حتمًا أشياء قد تتحول لتصبح طاقة إيجابية نكتسبها نحن لنفرغها مرة أخرى في أشكال جديدة من النشاط والحركة، ونحن نحتاج لشحن أنفسنا بهذه الطاقة من وقت لآخر، وكل على حسب قدرته، لكن من المهم أن ندرك أن الشحن الكامل أفضل من جرعات بسيطة لا تكاد توفر لنا شيء غير مواصلة الحية بتعب وإرهاق، ولكن كيف نشحن أنفسنا بهذه الطاقة؟

الأمر ليس صعبًا كما قد نتصور لكن المشكلة دائمًا تنبع من وجود الفرد ضمن مجموعة تحيط به قد لا تدرك قيمة عملية إعادة الشحن أو تعوقها دون أن تدري لنقص الوعي أو عدم الإكتراث الفعلي، كل ما عليك لتعيد شحن نفسك هو أن توجد في مكان هادئ، أن تبتعد قدر الإمكان عن الضغوط والمشكلات، بعض الأشخاص تساعدهم الوحدة والعزلة المؤقته ولو لساعات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة لاتمام هذه العملية، على أن لا يتعرضوا بعدها مباشرة لنشاط مفاجيء يستنفذ كل طاقتهم دفعة واحدة لتعود المشكلة للظهور مرة أخرى، البعض الآخر يشعر بأن الإندماج مع أشخاص معينين أو السفر لأماكن جديدة قد يمده بما يريد، هناك من يجد في قراءة القصص والروايات الخيالية ضالته وهكذا، لكل شخص وسيلة تساعده على إعادة الشحن، وهذا ما يدركه كل شخص إذا حاول أن يتامل ذاته وأن يخوض معها عدة تجارب لإنجاز المهمة، لكن ماذا عن المحيطين به؟

إن الإنسان في تلك الحالة أو لنقل عند إعادة شحن ذاته يحتاج للكثير من الاستقلالية بحيث لا يشكل الآخرين ضغوطًا نفسية عليه ككثرة السؤال أو التعجب من حاله أو الاستهزاء برغباته، فقد يكون من غير المالوف أن ترى رجلاً في العقد الخامس من عمره يريد أن يقرا رواية خيالية ويستمتع بها، هذا قد يكون غريبًا لكن عليك أن تضع في اعتبارك أن مثل هذا الشخص قد يكون في مرحلة إعادة الشحن، وأن ابداءك للتعجب قد يقطع عليه العملية وقد يسبب له الكثير من الضيق في تلك اللحظة، من جهة أخرى مادامت عملية إعادة الشحن بالنسبة له ووسيلتها لا تعود عليك بالضرر فالأفضل أن لا تقحم نفسك في الأمر.
مثال آخر عن الاشحاص الذين يحتاجون للعزلة لاتمام هذه العملية، وقد يكون الأكثر اجتماعية هم الأكثر طلبًا لهذه الوسيلة لاتمام عملية الشحن؛ لأنها ستوفر لهم الهدوء المطلوب بعيدًا عن ضغوط الحديث والمجاملات وإبداء الحلول ومشاركة المناقشات، لهذا لا تحاول التدخل في عزلة أحدهم مادام يبدو هو هادئًا ولم يطلب منك المساعدة، قد تسأله ما إذا كان بحالة جيدة أم لا وتكتفي بذلك، لكن الأفضل أن لا تكرر السؤال، وعندما سيحصل هو على مايريد سيخرج تلقائيًا من عزلته، عندها لا تحاول سؤاله عن تلك الساعات وتابع حياتك وكأن شيئًا لم يحدث.
إن ادراكنا جميعًا لتلك الحاجة الطبيعية لإعادة الشحن يعني أننا قد نحيا حياة سعيدة بالفعل، وأننا سنترك لكل فرد منا هامش من الحرية ليقوم برفع معنوياته بنفسه ويواصل حياته بيننا بنشاط وايجابية، أما أن نتعامل مع هذه الحاجة الضرورية بقلة اهتمام أو استهزاء فالنتيجة حتمًا ستكون نفاذًا لطاقة الآخرين والتحول إلى السلبية، أو قد يحدث الأسوأ : الإنفجار ثم التوقف عن العطاء تمامًا.

نسمه السيد ممدوح
13 ابريل 2011


الاثنين، 14 مارس 2011

لا لعشوائية التربية


لا لعشوائية التربية

الأطفال وقضايا التربية من أكثر ما يشغل بال الآباء والأمهات، الغريب أن قضايا التربية لا تشغل بال الكثير من الشباب والشابات كما يجب أن يكون، في حين تبرز فجاة على رأس قائمة الاهتمامات بعد الزواج، وكأنها موضوع مؤجل لحينه وليس قضية تفرض نفسها في وقت مبكر جدًا.
إن هذا الوضع هو ما يجعل الكثير من الأمهات والآباء من الشباب يعانون كثيرًا لوضع سياسة تربوية ناجحة، كما أنهم في كل خطوة يواجهون بالجديد الذي يجعلهم في حاجة لمراجعة مافات وتقويم أخطاء تربوية ارتكبوها من دون قصد في مراحل سابقة، ورغم تلافي الأخطاء في المستقبل فإن آثارها للأسف تظل موجودة في نفوس ابنائهم، إذن كيف يمكن حل هذه المشكلة؟
إن عملية التربية لا تبدأ بعقد الزواج ووجود بيت يضم بين أحضانه زوج وزوجة يحلمان بالذرية الصالحة، ولكنها عملية تبدا من وقت يسبق ذلك بكثير، وقد لا يكون من قبيل المبالغة إذا قلنا أنها تبدأ من تخطي مرحلة المراهقة المبكرة والدخول في سن النضج أو الدخول للجامعة، لأن الأب الجيد والأم الجيدة يحتاجان لاعداد شخصي بأكثر مما يقدمه المجتمع الخارجي، وهذا الإعداد يبدأ بالتفكير في المستقبل والصورة التي يحب كل من الأبوين أن يجسدها في ابنائه، وبالتالي يبدأ في البحث عن سبل تحويلها لواقع، عندها يكتشف أن عليه أن يعد نفسه ويزودها بالكثير من المعارف والخبرات والمهارات، وعلى سبيل المثال قد تجد الفتاة نفسها مدفوعة للقراءة بعمق في مجال التاريخ والأدب واللغة ومراجعة ما درسته في السنوات الماضية والإضافة إليه لأنها تريد أن تغرس في ابنائها حب الوطن وأصالة العروبة ، وأنها تريد أن تكون مصدرًا ثريًا للمعرفة لابنائها ، أو قد يجد الشاب نتفسه مدفوعًا للبحث أكثر في مجال الكومبيوتر والانترنت ومعرفة طرق السيطرة على البرامج المختلفة وتنفيذ الرقابة المناسبة على الأجهزة ليوفر درع من الأمان لابنائه في المستقبل، وقد يجدان أنفسهما بحاجة للمزيد من كورسات اللغة ليكون بمقدورهما معاونة ابنائهما في المستقبل إذا ما كان خيار المدارس الأجنبية أو التعليم الدولي هو الحل الأفضل.
والأمر لا يقتصر على تعلم مهارات واكتساب خبرات فقط، بل هناك أيضًا خبرات نفسية وسلوكية قد يجد الشاب أو الفتاة أن عليه أن يكتسبها ليصبح فيما بعد أب فاضل او أن تصبح هي أم فاضلة يخرجان جيلاً جديدًا من الابناء يفخر به الوطن، فعلى سبيل المثال قد تشعر الفتاة بضرورة ممارسة تجربة تعليم الأطفال الصغار مباديء القراءة والكتابة لأن هذا سيكسبها الكثير من المعارف التي تجعلها مؤهلة لخوض تجربة ناجحة مع ابنائها، ودون أن يكون الابناء هم التجربة الأولى، وهذا التدريب بالطبع سيكون جادًا وبهدف تحقيق نتائج جيدة وليس امضاء للوقت فقط، وليس أيضًا على محمل الترفيه، وإنما هو عمل مخطط ليحقق هدفًا مستقبليًا أكثر نبلاً.
كما أن التفكير في الطريقة المناسبة للتربية تقلل من احتمالات وقوع الأخطاء الغير مقصودة، كما أنها تجعل الشاب أو الفتاة في حالة تأهب دائمة ومراقبة النماذج المختلفة من حولهما، فيقيمان أسلوب هذا الأب، أو ينتقدان طريقة التربية في هذا البيت بأسلوب بناء، أو يندفعان للقراءة في هذا الجانب ليقومان سلوك هذا الطفل وهكذا، وحين تأتي اللحظة المناسبة ويصبح لهما طفل يتحملان مسؤولية تربيته سيكونان في مرحلة استعداد مناسبة، ومع كم جيد من المعارف والخبرات، كما سيكون بإمكانهما توقع الكثير من الأشياء ورسم سيناريوهات للمستقبل يمكن دفعها للوصول للأفضل.
وعلى هذا سيكون من حقنا أن نحلم بجيل جديد من الابناء أفضل بكثير من جيل ينشأ في ظل عشوائية التربية وأخطاء آباء وأمهات يتعاملان مع الأزمة فقط بعد وقوعها ، ولا يستعدان لها ، أو يسعيان لمنع حدوثها.

نسمه السيد ممدوح
14 مارس 2011

السبت، 12 فبراير 2011

الشبيهان


الشبيهان

بين الزحام.. تطالعني الكثير من العيون.. والكل يضحكون ويتبسمون.. وأنا بينهم بعينين لا تبصر من ضوء الإشراق إلا نزر يسير.. ضممت إلي معطفي وشمس الصيف تلهب كل شيء من حولي.. لكن شتاء نفسي كان أقسى.. وأدنيت قبعتي علَّها تخفي بعضًا من ملامحي.. تلك التي في ربيعها كانت شاحبة.. يائسة.. بائسة.. محطمة الحلم تنشد من يمنحها اليقين.. ومن يملك اليقين؟
بين الوجوه.. اصطدمت عيناي بوجه يشبهني.. إنها صورتي في المرأة لابد.. لكن كنتَ أنتَ بمعطف يشبهني في حر الصيف.. وقبعة زاحفة على عينيك.. ورغم حجابك وسترك كانت ملامحكَ جزء مني .. ضاعت ابتسامتك مثلي.. أنتَ حتمًا تبحث عني..
ياأيها القدر كم كنت كريمًا عطوفًا على بائسين مثلك ومثلي .. أبعد تلك السنين نلتقي بين الزحام.. أنتَ اليقين المفقود في نفسي.. ويقينك عندي.. اقترب نتصافح ليولد معنى جديد هاهنا.. اهدني كتابًا وأمنحك قلمًا.. دعنا نهدي الحياة وجهًا جديدًا يبتسم لمعنى أكثر عمقًا.. إنهم يضحكون من حولنا.. طالعهم هنا وهناك.. يضحكون على واقعهم المرير وهم غافلون..أين الإنسان بينهم؟ ضاع معنى الإنسانية بين الزحام.. وظنوه كلمة أو شعارات.. وفي كل لحظة يقدم الدليل والبرهان.. نعم فَقَدَ الإنسان الكثير ويحتاج لقبلة الحياة.. مد إلي يدك نمنحه إياها بطفل نلقنه الكرم والكرامة .. مد إلي يدك ولنعقد الميثاق.

نسمه السيد ممدوح
11 فبراير 2011


الأحد، 23 يناير 2011

إلى مدينة الإنسانية المغمورة تحت المياه


إلى مدينة الإنسانية المغمورة تحت المياه

وألقاني الزمان على ظهر الأمواج، كقطعة من حطام سفينة كانت يومًا عظيمة، تاريخ وآمال وأحلام وبقايا من أمجاد، واليوم خشبة صغيرة، يومًا ترجف الريح من حولها فترجها رجًا، وساعةً تداعبها النسمات، إلى أين المصير؟ لا شواطئ في الأفق هناك ، ولا صخرة على البعد مطلة من بين الأمواج، إلى أين؟ لا جواب، يا كل غالٍ مسلوب تنشد منقذ به تُستَرد! إلي إلي والفجر سيأتي عما قريب، فقط نحزم الأمتعة ونشحذ الهمم، إلي إلي مازال للكون رب يحميه، إلي إلي مازال للأمل باب نطرقه وطريق نسير فيه، إلي إلي وغدًا تصعد من الأعماق، شامخة قوية تصارع الأيام، وإليها نعود كما كنا .. ويعود التاريخ وتعود الأمجاد.

نسمه السيد ممدوح
23 يناير 2011


السبت، 22 يناير 2011

ديناميكية التربية


ديناميكية التربية

التربية عملية ديناميكية تتطور من جيل إلى جيل، وعندما تصبح عملية جامدة بلا تغيير أو تطوير فقد تتحول حينها لتربية فاشلة، فالحياة تتغير والأرض لا تزال تدور، وعلينا أن نواكب الجديد، لا ننساق وراءه؛ وإنما نتفاعل معه، ناخذ منه ونعطيه، وكذلك التربية، تتغير وتتطور بتطور ما حولها.
إذا كنت ابن فأنت بالطبع ستكون ممتنًا لوالديك لتربيتهما لك، هذا الإمتنان لا يعني أن تتوقف عن التفكير، أو أن تكرر هذا النموذج التربوي بحذافيره مع ابنائك، هناك واجب عليك أو هكذا يفترض أن يكون، عليك أن تمتن لوالديك وأن تدرس النموذج التربوي الذي نشأت عليه بطريقة نقدية، ما هي أوجه التميز في هذا النموذج؟ وما هي أوجه القصور؟ والقصور لا يعني أنك تسيء لوالديك أو تنكر أفضالهما عليك، فكل فرد يختلف عن غيره، وأنت قد تلمس في ذاتك وشخصيتك أشياء لم تلاحظها في إخوتك، وربما تمنيت لو أن والديك لمسا هذا في وقت مبكر ومنحاك الفرصة لتكون أفضل، هذا الإستنتاج يجب أن تحوله لفكرة إيجابية في حياتك، إذن ابحث عن شيء مشابه في ابنائك، أو قدم لهم الفرص المبكرة لتظهر هذه السمات مثلاً، قد تكون شخصًا محبًا للقراءة لكنك لم تجد تشجيعًا كافيًا من والديك، فلا يكفي أن يوفر لك الأبوين مكتبة من الكتب فقط، وأنت عندما نضجت وأصبحت قادرًا على التفكير النقدي ـ عندها وجدت أن لو كان والدك ساعدك بالنقاش والمشاركة في قراءة كتاب بعينة كل فترة وفي وقت مبكر لكانت حصيلتك المعرفية تحسنت كثيرًا جدًا، ولكنت قد كونت مهارات فكرية أفضل، هذا يعني أنك لن تكتفي بتوفير مكتبة مميزة لابنائك، بل إنك ستضع برنامجًا شيقًا للقراءة، وستشاركهم في قراءة كتب معينة وتدير حولها النقاش وهكذا، أنت هنا تضيف جديدًا للنموذج الذي تبعه والديك.
ضع في اعتبارك أيضًا أن النموذج الذي نشأت عليه طُبق في فترة زمنية مختلفة، وسائل التقدم والتكنولوجية كانت أبسط كثيرًا، وهذا يعني أن النموذج القديم ليس صالحًا وحده في ظروف جديدة زادت فيها المتغيرات، بغض النظر عن كونها إيجابية أو سلبية، فاليوم مثلاً دخل الكومبيوتر بقوة في حياتنا، لقد اختلف وضعه في منازلنا ومدارسنا وأعمالنا عما كان عليه حين كنت أنت صغيرًا، وهذا يعني أن عليك أن تضيف لنموذجك التربوي قوانين وقواعد جديدة للتعامل مع هذا الجهاز، فأنت لا تستطيع اتباع سياسة المنع التام أو الانفتاح التام، وإنما تلزمك قيود معينة، وهذه القيود من الخطا أن توضع من فراغ، لابد أن تفكر كثيرًا في كل مرحلة عمرية وما تحتاج إليه، وعليك أن تحدد أي مستوى مطلوب من الرقابة في كل مرحلة، وكل هذه الجوانب لم تشغل والديك فيما مضى، ولكن كانت هناك بدائل لها.
وأنت كأب أو أنت كأم عليكما أن تدركا هذه الطبيعة الديناميكية للتربية، وقد يسعى الأبناء لإدارة النقاش معكما لمزيد من الخبرة، ومن الظلم أن تفسرا هذا جحودًا وإنكارًا لكما، بل عليكما أن تكملا مسيرتكما في التربية والبناء بالمشاركة البناءة في هذا التطوير، فمسؤولية الأب والأم لا تتوقف عند نضوج الأبناء، وإنما هناك مسؤوليات أخرى تضاف ، فالمشاركة في وضع سياسة التربية الجديدة للأحفاد ضرورية جدًا، لكن عليك أن تذكر دائمًا أن هذه المشاركة استشارية، أنت بالنسبة لابنك مستشار تعطيه النصيحة وتشاوره في الأمر لأنك تملك الخبرة وهو يملك ما يدعهما من معرفة بالواقع الجديد وما جد فيه من متغيرات بحكم القدرة على مسايرة التغيير وعلاقتها بالعمر، وعليك أن تتعامل مع هذا كواقع دون حساسيات، وتذكر أن ابنك سيلعب هذا الدور في المستقبل، لهذا قدم له نموذج جيد يحتذي به عندما يكون في مثل موقفك ويلعب دور المستشار.
وعلى كل حال فإن الحوار هنا له أصوله وآدابه ، وإن نحن التزمنا بها مع التعقل والتروي فستكون النتيجة نماذج جيدة ومتطورة للتربية، وكل فرد ذو عقلية نقدية يستطيع أن يساهم بطرح نموذج تربوي ممتاز تصقله الدراسة والإطلاع في النواحي النفسية والإجتماعية.

نسمه السيد ممدوح
22 يناير 2011


الأحد، 16 يناير 2011

شباب الإنترنت


شباب الإنترنت

الإنترنت ذلك العالم الإفتراضي اللامحدود، العالم الذي جذب إليه الكثيرين على اختلاف أهدافهم وثقافاتهم، هذا العالم الذي يحتل الشباب جزءً كبيرًا منه، يبرزون في المنتديات والشبكات الإجتماعية على اختلافها، ويتركون بصماتهم هناك وهناك في المواقع والمدونات، هذا العالم لا يزال وسيلة لم يفد منها الكثيرين، دع جانبًا اوجه الإفادة الشائعة والتي للأسف يرددها الكثيرون مجرد كلمات فقط كمتابعة الأخبار واكتساب المهارات ووو، ولكن ماذا عن بناء الثقافة ونشرها حتى في أبسط صورها؟
لا تتصور أن الثقافة أمر معقد جدًا فمفهوم الثقافة واسع لدرجة كبيرة، وتبرز ثقافتك واتجاهك الفكري حتى من خلال ألفاظك التي تعبر بها عن نفسك وعن الآخرين، ومع حرية التعبير على الإنترنت يتعامل البعض باعتبار أنهم أحرار تمامًا وأن لا توجد عيون تقرأ ما يكتبون ولا عقول تحكم عليهم، هذه الأحكام ذات طبيعة مختلفة، ولتكن الصورة أكثر وضوحًا دعنا نقول أن كل شاب عندما يضع رأيه هنا أو هناك فإن هذا الرأي وأسلوب التعبير عنه والمفردات المستخدمة في ذلك إنما هي ملامح لثقافة فرد ما ومؤشر على ثقافة مجموعة أكبر من الأفراد ممن ينتمي هو إليهم، وللأسف فهذه الإنطباعات التي نتركها هنا وهناك لا تكون في كثير من الأحيان إيجابية.
سأذكر مواقف بسيطة لؤأكد لك على أن ما أعنيه ليس معقدًا وليس بعيدًا عنك، على سبيل المثال ظاهرة الموضوعات المنقولة من منتدى لآخر طبيعية ومعروفة لدى الجميع، والنقل في حد ذاته ليس مشكلة ، لكن ما رأيك في موضوع ينقل من مكان لمكان حتى ينتشر حاملاً نصًا بالعامية ـ وإن تجاوزنا عن ذلك ـ مع ألفاظ إن دلت فإنما تدل على تدني المستوى الثقافي لكاتبها وكلي أسف على ذلك، كأن تصف مثلاً ما يقدمه البعض بكلمة "زبالة" أهكذا يعبر الشباب عن أفكارهم؟ أهذه هي مفردات شباب القرن الحادي والعشرين؟ ومثال آخر يستبدل بعضهم كلمة "منقول" في نهاية الموضوعات بكلمة "ملطوش" أهذه ثقافتنا اليوم؟ سؤالي للشباب الذين سيحملون على عاتقهم عبء بناء المستقبل الأفضل.
لحظة من فضلك لايزال هناك بقية، الأسماء المستعارة في المنتديات هذه قضية أخرى، أنت لم تفكر حين تختاراسمك بأن هذا يعبر عن ذاتك وثقافتك، فتجد من يسمي نفسه "جيوش الموت" أهذا اسم تحب ان يناديك به الآخرون؟ هناك من تسمي نفسها "حبيبة زوجي" أهكذا ثقافتك يا سيدتي الدلال فقط حتى في غير مواضعه؟ وهناك من يضع أسماء غريبة مليئة بالارقام والزخارف بدون داعي، أهذه ثقافتكم أيا الشباب؟ الفراغ ليس الزمني وإنما الفراغ الفكري والنفسي، أين افكاركم ؟ أين طموحاتكم؟
دعك من الأسماء ولنتأمل التعليقات في المدونات ومقاطع الفيديو على اليوتيوب وفي المواقع الإخبارية، نرى فئتين من المعلقين: فئة تقرأ وتعلق طبقًا لأفكارها سواء مؤيدة ام معارضة، على كل حال هي فئة جادة ولا غبار عليها ايًا كان رأيها، وفئة أخرى تترك تعليقاتها الساخرة حتى في غير مواضعها، تعليقات الكثير منها لا يحمل فكر أو رأي محدد، وإنما يحمل شعورًا باليأس حينًا واللامبالاة حينًا آخر، فأي هدف دفع هؤلاء للإطلاع على مقال أو خبر أو فيديو من هذا؟ ولهذا السبب نجد أن الكثير من الموضوعات الجادة لا تلقى سوى القليل من الاهتمام والتعليقات عليها قليلة جدًا، قارن هذا بموضوع كوميدي أو ساخر تجد العكس تمامًا، والأسوأ أننا نجد في أخبار جادة من يبحث عن النقاط السلبية ليتخذها نقطة انطلاق للسخرية والاستهزاء، ورغم التنويهات في كل مكان نجد الألفاظ المبتذلة للأسف وأساليب الحوار الرخيصة.
وأخيرًا اقول لحظة من فضلكم وسلوا أنفسكم لماذا دخلتم هذا العالم؟ إن كان للتسلية وبدون أي هدف آخر فأنا آسفة حقًا لأجلكم، وإن كان لنشر معلومة أو فكر أو ثقافة فراجعوا أنفسكم من فضلكم، نريد شباب نفخر بأننا منهم، أنا شابة وأنت شاب وأنتِ شابة ما رأيكم بخلق صورة أفضل لنا؟ الأمر ليس صعبًا ولكن لنراجع ما فات، ونصوب ما يمكن تصويبه، ونتفادى الأخطاء في المستقبل، تذكروا الكلمات مهما كانت بسيطة تترك آثارًا هنا وهناك، وثقافتنا تراكم للكثير.
وفي رأيي قدر نفسك أكثر، وتذكر أن الإنترنت بحريتها ليست وسيلة لتفريغ الضغوط فقط، وإنما حاول تحقيق شيء يدعمك نفسيًا بدلاً من الاتجاه السلي في التعبير عن نفسك وحياتك، كن أنت مثلاً مشرفًا لشعبك ولوطنك، تذكر حين تضيف صورة هنا أو كلمة هناك، حين تضع مقالاً في مكان أو تترك تعليقًا على ما كتبه أحدهم، تذكر أنك تعبر عن نفسك فارفع من قدرها.

نسمه السيد ممدوح
15 يناير 2011


الاثنين، 10 يناير 2011

حين يصمت الآخرون


حين يصمت الآخرون

الكلام وسيلة من وسائل الاتصال والتخاطب بين البشر، لكن الكثيرين لا ينظرون للصمت على أنه وسيلة تخاطب من نوع مختلف، الصمت ليس نقيض للكلام، وهو ليس إلا إسكات للصوت المسموع، أما المعاني والرسائل فتستمر بالتدفق من طرف لآخر؛ لهذا إذا كان علينا أن نتعلم آداب التحدث والاستماع فعلينا أن نولي احترام الصمت اهتمامًا أيضًا.
عندما يصمت الآخرون فإن صمتهم جميعًا لا يحمل ذات المعنى، بعضهم حزين على أمر ما، بعضهم معرض عن فكرة ما، بعضهم يرفض ما يعرض عليه بلباقة ودون أن يجرح شعور الآخرين بالرفض الصريح ، بعضهم يعلن عن عدم رضاه عن سلوك أحدهم دون أن يكون مضطرًا لإحراجه، بعضهم سعيد يكتفي باستعادة أحداث وأفكار خاصة في حياته تزوده بما يحتاج إليه من زاد البهجة والتفاؤل، بعضهم يهرب من ضجيج الحياة ويسبح بزورقه الصغير في بحر الخيال المترامي الأطراف، بعضهم في حالة انسجام مع ذاته لدرجة تجعله يسعى للإنفراد الذهني ولو لبضع دقائق، فلكل منهم ما يميزه عن الآخر، وفي بعض الأحيان يكون من الممكن قراءة رسالة هذا أو ذاك في عينيه، وبعض الأشخاص حذرين لدرجة تجعل من الصعب فهم ما يجول بخاطرهم في تلك اللحظة، لكن ماذا عليك أن تفعل أنت؟
إن لجوء شخص ما للصمت يعني أنه في حاجة إليه ليس ضعفًا أو هروبًا أو رغبة في الإنعزال المرضي، ولا يعني بالضرورة أنه مستاء من الآخرين أو يرفض تواجدهم، ولكن الصمت حاجه قد تكون ملحة في بعض الأحيان كالحاجة لتنفس الهواء ذاته، وقد تكون حاجة تكميلية تزداد النفس راحة بها، لهذا قدر حاجة الآخرين للصمت، احترم صمت رفيقك هذا أفضل من أن تلح عليه بالكلام، فكر قليلاً وانظر إلي عينيه في صمت أيضًا، قد تحسن قراءة شيء ما بداخلهما، لكن إن عجزت فالأفضل أن تلتزم الصمت أيضًا، وإن أردت أن ترسل إليه رسالة تضامن فاجعل وسيلتك شيء آخر غير الكلام، فالنظرة واللمسة تكفي في الكثير من الأحيان.
ولكن على كل حال إن كنت تحب شخصًا ما، إن كنت ممتنًا لشخص ما، إن كنت تقدر شخصًا ما، إن كنت تحترم شخصًا ما ـ فاحترم رغبته في الصمت في بعض الأوقات، فسيأتي يوم تحتاج فيه للصمت وستتمنى من يحترم صمتك.

نسمه السيد ممدوح
10 يناير 2011


الثلاثاء، 4 يناير 2011

حوار الأيدي المتعانقة


حوار الأيدي المتعانقة

كثيرًا ما نمارس أفعال نشأنا عليها فباتت في حكم العادة ، وقلما نوليها عناية ووقتًا ولو يسيرًا للتفكير والتأمل، ومع ذلك فنحن نفوت الكثير جدًا من المعاني والمشاعر الرائعة، فلكل فعل مهما كان يسيرًا معنى عميق ولكن من يمنح نفسه الفرصة للوصول لهذا المعنى على عمقه والتلذذ به حقًا؟!
عندما تقابل شخصًا للمرة الأولى فإنك تمد يدك له أو تجيب على يده الممدودة، وتلتقي راحتي اليد وتلتف الأصابع ، هذا ما تفعله عندما تلتقي بشخص لأول مرة، يكون الموقف جادًا نوعًا ما أو قل قليل المودة، إذ رصيدكما من الخبرات المشتركة والتجارب والذكريات قليل أو معدوم، لكن عندما تتكرر اللقاءات وتتوالى تبدأ المودة تتسرب شيئًا فشيئًا فيصبح التصافح بالأيدي قليل، وتحل محله سلوكيات أخرى أكثر قربًا ومودة، والأمر شائع بين النساء أكثر، لكن لماذا نتخلي عن مصافحة اليد أو نحولها لمصافحة سريعة كومضة البرق دون أن نلمس منها شيئًا؟!
موقف المصافحة أجمل من أن تفوته على نفسك وعلى الطرف الآخر حتى لو كان صديقًا حميمًا، فعندما تلتقي اليد باليد، تتجانب بواطن الكفين، تتشابك الأصابع، تشد الضمة أكثر، عندها نرسل لبعضنا رسائل خفية صامتة، ونترك الفرصة لأعيننا كي تتواجه بوضوح، فعندما تضع عينيك قبالة مصافحك، وتشد على يديه تشعر أن هناك الكثير من المودة الممزوجة بالإحترام تنساب بينكما من طرف لآخر، كأنهما سيلان ينحدران من عينيكما ليصبان في هذا الوادي الذي صنعته الأيدي المتعانقة، عندها يمكن أن تقول لمحدثك بصمت: ها أنا أجدد اللقاء والوصال وأبقي على الذكريات، وها أنا أذكر الآمال والأحلام والأهداف، وها أنا أعود لاعاهدك على الوفاء، وها أنا هنا معك أحترمك وأقدرك وأحملك مسؤولية حبي وثقتي وتقديري، أليس جميلاً أن تبث أخيك أو صديقك أو شريكك هذا المعنى من حين لآخر.
وروعة المصافحة لا تعني أن تنسى لذة اللقاءات الحارة بعد فترات الغياب والاشتياق، فلكل موقف ما يناسبه من وسيلة اتصال ومعنى ينقل عبرها، ولكل لقاء روعته، لكن امنح نفسك الوقت لكي تفكر، وكلما أمعنت في التفكير أكثر؛ كلما ازددت متعة وسعادة، فالحياة ليست إلا معاني، إما أن تفهمها فتسعد بها، أو تجهلها فترى كل شيء تعيس يبكي من حولك.

نسمه السيد ممدوح
4 يناير 2011


الأحد، 2 يناير 2011

عام من الخير


عام من الخير

"كل عام وأنت بخير" عبارة كلاسيكية نرددها كل عام دون أن نقصد بها شيئًا أو نفهم من ورائها شيئًا، عبارة فارغة المعنى تناقلتها الألسن حتى باتت زخرف لمعنى هش أو لا معنى على الإطلاق، ماهو الخير الذي ننشده؟ وماذا سنفعل لنكون بخير؟ أو ماذا بإمكاننا أن نفعل لنكون حقًا بخير؟ ولكي يصبح العام الجديد جديدًا بمعنى الكلمة؟
كل عام يمر نطوي عليه صفحة في كتاب الحياة لنفتح صفحة جديدة بيضاء لا تحوي حتى خبرات الماضي للأسف ، لماذا بتنا هكذا ولماذا أصبحنا نسير بلا هدف؟ هذا هو السؤال، وعلينا أن نجيب عنه بصدق ليصبح هذا العام عام جديد نتوسم فيه الخير، لا معنى لحياة روتينية تتشابه أيامها وتتكرر فيها مآسي كل عام فيما يليه حتى باتت الأعوام شيئًا واحدة، وصورة مملة بلا تغير، نريد أن نستقي من العام الماضي خبراته الناجحة، سننحي مواقف الضعف ونركز على مواقف القوة، سنعرف ماذا حققنا في العام الماضي وكيف حققناه، وسندرس أسباب الفشل لأن في معرفتها والقضاء عليها قوة، سنجمع الأساليب الصحيحة والناجحة لنطورها في العام الجديد، سنراجع أهدافنا ونحقق مالم يتحقق منها بعد، سنعترف أن تفرقنا ضعف وأن علينا أن نتحد لنصبح قوة تحقق المستحيل على الواحد منا، بإمكاننا أن نفعل وأن نبدأ باتحاد مجموعات صغيرة تتحد في العام المقبل في مجموعات أكبر وهكذا ننتقل من درجة لدرجة في سلم التكامل والنجاح.
نعم سنعيد تقييم علاقاتنا ونركز على العلاقات القوية المتينة وندعمها بالمزيد هذا العام، والعلاقات الهشة القائمة على المصالح سنحاول تصحيح أوضاعها دون يأس، وسنحد من الرياء والمجاملة الهدامة، سنتحدث بصراحة لنصبح أحرار في أفكارنا ومعبرين أقوياء عن أنفسنا ووجودنا.
نعم كل عام وأنتم بخير.. نعم بخير مع خبرات الماضي وأهداف المستقبل، بخير مع التعاون والوحدة، بخير مع الحب الصادق لا المجاملات المصطنعة والعبارات المتكلفة والبسمات المغتصبة، نعم بخير مع الفضيلة والطهارة ، نعم بخير بقربكم من الله وهو كل الخير.

نسمه السيد ممدوح
22 ديسمبر 2009م

اتبعني على Facebook