السبت، 22 يناير 2011

ديناميكية التربية


ديناميكية التربية

التربية عملية ديناميكية تتطور من جيل إلى جيل، وعندما تصبح عملية جامدة بلا تغيير أو تطوير فقد تتحول حينها لتربية فاشلة، فالحياة تتغير والأرض لا تزال تدور، وعلينا أن نواكب الجديد، لا ننساق وراءه؛ وإنما نتفاعل معه، ناخذ منه ونعطيه، وكذلك التربية، تتغير وتتطور بتطور ما حولها.
إذا كنت ابن فأنت بالطبع ستكون ممتنًا لوالديك لتربيتهما لك، هذا الإمتنان لا يعني أن تتوقف عن التفكير، أو أن تكرر هذا النموذج التربوي بحذافيره مع ابنائك، هناك واجب عليك أو هكذا يفترض أن يكون، عليك أن تمتن لوالديك وأن تدرس النموذج التربوي الذي نشأت عليه بطريقة نقدية، ما هي أوجه التميز في هذا النموذج؟ وما هي أوجه القصور؟ والقصور لا يعني أنك تسيء لوالديك أو تنكر أفضالهما عليك، فكل فرد يختلف عن غيره، وأنت قد تلمس في ذاتك وشخصيتك أشياء لم تلاحظها في إخوتك، وربما تمنيت لو أن والديك لمسا هذا في وقت مبكر ومنحاك الفرصة لتكون أفضل، هذا الإستنتاج يجب أن تحوله لفكرة إيجابية في حياتك، إذن ابحث عن شيء مشابه في ابنائك، أو قدم لهم الفرص المبكرة لتظهر هذه السمات مثلاً، قد تكون شخصًا محبًا للقراءة لكنك لم تجد تشجيعًا كافيًا من والديك، فلا يكفي أن يوفر لك الأبوين مكتبة من الكتب فقط، وأنت عندما نضجت وأصبحت قادرًا على التفكير النقدي ـ عندها وجدت أن لو كان والدك ساعدك بالنقاش والمشاركة في قراءة كتاب بعينة كل فترة وفي وقت مبكر لكانت حصيلتك المعرفية تحسنت كثيرًا جدًا، ولكنت قد كونت مهارات فكرية أفضل، هذا يعني أنك لن تكتفي بتوفير مكتبة مميزة لابنائك، بل إنك ستضع برنامجًا شيقًا للقراءة، وستشاركهم في قراءة كتب معينة وتدير حولها النقاش وهكذا، أنت هنا تضيف جديدًا للنموذج الذي تبعه والديك.
ضع في اعتبارك أيضًا أن النموذج الذي نشأت عليه طُبق في فترة زمنية مختلفة، وسائل التقدم والتكنولوجية كانت أبسط كثيرًا، وهذا يعني أن النموذج القديم ليس صالحًا وحده في ظروف جديدة زادت فيها المتغيرات، بغض النظر عن كونها إيجابية أو سلبية، فاليوم مثلاً دخل الكومبيوتر بقوة في حياتنا، لقد اختلف وضعه في منازلنا ومدارسنا وأعمالنا عما كان عليه حين كنت أنت صغيرًا، وهذا يعني أن عليك أن تضيف لنموذجك التربوي قوانين وقواعد جديدة للتعامل مع هذا الجهاز، فأنت لا تستطيع اتباع سياسة المنع التام أو الانفتاح التام، وإنما تلزمك قيود معينة، وهذه القيود من الخطا أن توضع من فراغ، لابد أن تفكر كثيرًا في كل مرحلة عمرية وما تحتاج إليه، وعليك أن تحدد أي مستوى مطلوب من الرقابة في كل مرحلة، وكل هذه الجوانب لم تشغل والديك فيما مضى، ولكن كانت هناك بدائل لها.
وأنت كأب أو أنت كأم عليكما أن تدركا هذه الطبيعة الديناميكية للتربية، وقد يسعى الأبناء لإدارة النقاش معكما لمزيد من الخبرة، ومن الظلم أن تفسرا هذا جحودًا وإنكارًا لكما، بل عليكما أن تكملا مسيرتكما في التربية والبناء بالمشاركة البناءة في هذا التطوير، فمسؤولية الأب والأم لا تتوقف عند نضوج الأبناء، وإنما هناك مسؤوليات أخرى تضاف ، فالمشاركة في وضع سياسة التربية الجديدة للأحفاد ضرورية جدًا، لكن عليك أن تذكر دائمًا أن هذه المشاركة استشارية، أنت بالنسبة لابنك مستشار تعطيه النصيحة وتشاوره في الأمر لأنك تملك الخبرة وهو يملك ما يدعهما من معرفة بالواقع الجديد وما جد فيه من متغيرات بحكم القدرة على مسايرة التغيير وعلاقتها بالعمر، وعليك أن تتعامل مع هذا كواقع دون حساسيات، وتذكر أن ابنك سيلعب هذا الدور في المستقبل، لهذا قدم له نموذج جيد يحتذي به عندما يكون في مثل موقفك ويلعب دور المستشار.
وعلى كل حال فإن الحوار هنا له أصوله وآدابه ، وإن نحن التزمنا بها مع التعقل والتروي فستكون النتيجة نماذج جيدة ومتطورة للتربية، وكل فرد ذو عقلية نقدية يستطيع أن يساهم بطرح نموذج تربوي ممتاز تصقله الدراسة والإطلاع في النواحي النفسية والإجتماعية.

نسمه السيد ممدوح
22 يناير 2011


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اتبعني على Facebook