الأحد، 19 أبريل 2009

قصر الرومانسية

قصـــــــــــــر الــــــــرومانسية

"سيدة القصر" هكذا أنا هنا منذ سنين، منذ أن نبض بداخلي قلب الفتاة وزارتني الأنوثة، وولت عني تلك الطفلة الساذجة، وإن تركت في عالمي أشياء كثيرة لا تنسى، ورسمت بطباشيرها على ذاك القلب الفتي أجمل ملامح الحياة، رسمت السعادة، والبراءة، لكن قلب الشابة ليس كقلب الطفلة، ومنذ أن نبض هذا القلب وعرف الحياة لم يرى سوى جدران هذا القصر، ولم أعرف نفسي سوى "سيدة القصر" أقضي أيامي وليالي بين الجدران، أرقب العالم من النافذة، أنظر إلى الناس، وكثيراً ما أحدثهم ويجيبونني، وقد تتلامس أيدينا ولكن.. ولكن لا أملك الخروج لهم، فلا أعرف أين مفتاح القصر ولا هم يعرفون.
وإذا ما أظلني الليل ، ونام الناس، ولم يبقى سوى ضوء القمر تراني أصعد طوابق قصري وأدلف إلى غرفة واحدة تلو الأخرى، جميع الغرف خالية لا أحد هنا ، والقصر على حالة منذ عشرة أعوام، ووسط هذا السكون أشعر باللذة ساعات وبالوحدة أيام وليالٍِ طوال، والوحدة قاتلة، تحرق النفس، وتميت المشاعر، وتعصف بالقلب فتحيله قلباً جليدياً لا ينبض، ولكن نار وحدتي تختلف، إنها تزيد النفس سمواً، والمشاعر التهاباً، والقلب دفئاً، حتى إذا بلغ الأمل ذروته، وتألق القصر بلهيب الشوق ، وبات سيد القصر على بعد أمتار ـ انطفأت الشموع، وخيمت الظلمة، وبلغ اليأس غايته، فلا سيد القصر يصل، ولا أبواب القصر تفتح، ولا مفر من انتظار الصباح.
"سيدة القصر" تحيا في قصر دون القصور، قصر لا هو من حجارة ولا من ذهب، قصر ليس له عنوان، قصر لا يبصره الناس، وإن مروا بجواره فهو عنهم مستتر، "سيدة القصر" تحاكي الناس وتعيش بينهم ولكنها سيدة قصر صنعه الفكر، وختمت عليه النفس بأنه "قصر الرومانسية" ، ويا أيها الرابض بين الضلوع اسكن هذا القصر فليس لك سواه، فانت إن خرجت للناس فأنت بلا شك مهزوم ، بل أنت منسي بلا اسم وبلا عنوان، فآثر الوحدة بين جدران ذاك القصر.
و"سيدة القصر" إذا ما مسها الحزن يوماً، أو زارها الفرح أغلقت النوافذ، وتركت الناس، وتفقدت غرف القصر علَّها تجد فيها ما تتوق إليه منذ أعوام، علها تجد الرومانسية المفقودة بين الناس والتي لا مكان لها اليوم سوى في قلوب القليل القليل، تلك الرومانسية التي يتغنى بها الشباب ، والتي تسعى الفتيات إلى بلوغها يوماً ، وهم يرونها كلمات يخطها القلم على ورقة بيضاء، أو هي وردة حمراء تتبادلها الأنامل يوم العيد، أو ألحان عذبة بتغنى بها الشعراء، و تراها سيدة القصر شيئاً آخر، إنها تلك الرابطة بين قلبين ، إنها ما يجعل أحد اثنين ليس بحاجة إلى أن يبكي أو يتحدث، فقط تكفيه نظرة للآخر ليدرك أن ما جاش به أحد القلبين قد مس الآخر، إنها ما يجعل الحبيب قادراً على أن يمسح عبرات خفية لم تلتمع بها مقلتي عيني محبوبته، لا بأنامله ولكن بنظرته، بمس الأنامل، ببسمة شفاة، إنها تلك القوة الخارقة التي تنبئ الحبيبة بقرب محبوبها وبحاجته إليها،إنها ما يجعل الوردة أكثر روعة وبهاءً من باقة الورود، إنها ما يجعل القمر وضاءً باسماً، إنها تلك الرابطة التي تدفع باثنين لأن يتحدثا بغير كلام، إنها القدرة على تجسيد الحب وليس الحب،القدرة على الحفاظ على الحب نهر جارِ متدفق على مر السنين.


نسمه
سنيورا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اتبعني على Facebook