الأحد، 19 أبريل 2009

العمـــــر والأحــــزان

أدخلني حبك سيدتي مدن الأحزان..
وأنا من قبلك لم أدخل مدن الأحزان..
لم أعرف أبداً أن الدمع هو الإنسان..
أن الإنسان بلا حزن ذكرى إنسان..
هذا ما قاله نزار قباني في قصيدة طويلة بعنوان" قصيدة الأحزان" ولكن..
هل حقيقة أن الدمع هو الإنسان؟ وأن الإنسان بلا حزن ذكرى إنسان؟ وهل العمر ليس إلا أحزان؟ وأين السعادة في حياة الإنسان؟ وهل كان الحب يوماً طريقاً إلى مدن الأحزان؟
تساؤلات تدور ويبقى الجواب حائراً، والحقيقة التي يسلم بها الجميع هي أن العمر هو إحساس وشعور، وليس أيام وساعات، ولم تكن أعمارنا يوماً مجرد أرقام، والشاب قد يحيا عشرين سنه على الأوراق وفي الواقع هو كهل ناهز الستين أو السبعين، والعجوز قد يحيا عقوداً على الأوراق وهو في واقعه لم يحيا سوى بضع سنوات، فكيف يحسب العمر وكيف نشعر به، ومتى يأتي الشباب؟ ومتى نصبح كهولاً؟
نحن نسير في الحياة ونعايش الأحزان والأفراح، وقد يمر اليوم بأحزانه كما لو كان أعوام، وكأن الإنسان فيه يسير ألف عام يجر أحمالاً لا يقوى عليها إنسان، يلهث من التعب والإعياء ولا يصل إلى غايته وكأن اليوم لا ينتهي ، وكأن الليل ما كان، وتمر أيام كلمح البصر، تفيض فيها القلوب بالفرحة ،وتتعالى الضحكات، فأيهما أطول: أيام الحزن أم أيام الفرح؟ إنها لاشك أيام الحزن الثقال، ولهذا يحسب العمر بالأحزان لا بالأفراح فالوزن النسبي للأحزان أكبر وأكبر، والحزن يحفر ملامحه على وجه الإنسان، ويدمي القلب، ويزيد العمر أضعاف وأضعاف، فالشاب اليتيم الذي عمل في سن الطفولة ليجد قوت يومه هو في داخله رجل تجاوز الأربعين بأحزانه وهمومه، والكهل الذي ولد لأسرة ثرية وتربي في أحضان القصور ورزق زوجة جميلة مثالية وأطفالاً أصحاء، وعاش حتى عايش أحفاده من حوله يلعبون ـ هو في حقيقته شاب ذو ذهن صاف ونفس مشرقة.
والحزن كالمعلم القاسي النبرات، يملي دروسه على الإنسان، فاحذر الغدر واحذر الفراق، واحذر صديق قد خان ، واحذر أن تحب حتى يأتي الموت بسلطانه ليواري العزيز التراب، ولا تفرح كثيراً فبعد الأفراح تتوالى الأحزان، ولا تصادق كثيراً فخير الأصدقاء ما قل وصان، ولا تقل دمت في فرح ونعمة فأنت لا تدري ما يكون في المساء.
والحب إذا دخل القلب أسعدة ساعات، وإذا دام في القلب قاده إلى مدن الأحزان: الشوق إلى الحبيب .. فراق الحبيب .. غدر الحبيب .. أو حمل على الظهر مربوط بوثاق الحب والأنفاس من ثقل الأحمال متقطعة، ولا اللسان يشكو، ولا للعين أن تدمع من الألم ، وإذا أحببت يوماً وأنت فقير لا تملك قوت يومك، فكم خنجر ينغرس في القلب من القهر والحرمان ، فلا أنت تهادي الحبيب، ولا بيدك انقاذه إذا تألم وطلب الدواء، ولا انت تملك له أبسط سبل السعادة إلا إذا رزقت حبيباً القناعة عنوانه في الحياة.


نسمه (سنيورا)
11 مارس 2008م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اتبعني على Facebook