الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

المشاركة الفعالة والتعبير عن الرأي


المشاركة الفعالة والتعبير عن الرأي

المشاركة الفعالة والتعبير عن الرأي 

مع انتشار التكنولوجيا، وزيادة وسائل وطرق الاتصال، وسهولتها، وانخفاض أسعارها، أصبح من غير المبرَّر أن يتوقف الأشخاص عن تبادل الآراء، ووجهات النظر، وأن يكتفوا بالاستماع والصمت، فقد باتت الإمكانات المادية والتقنية متاحة، وانحصرت المشكلة في توفر الإمكانات الشخصية، أو ما يمكن أن نطلق عليه "مقوِّمَات الشخصية القادرة على النقاش".

اليوم أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي - وأشهرها Facebook - من أهم العوالم الافتراضية التي يلتقي فيها الأفراد من أماكن متباعدة، وجنسيات وأعمار مختلفة، وقد كتبتُ عدة مرات حول تلك الشبكات، وناقشْتُ ثقافتها، وأدواتها، وضرورة الربط بينها، وبين الحياة الواقعية؛ بحيث يثمر التواصل عبرها، ولا يتوقف على الترفيه والتسلية، وإمضاء الأوقات بلا فائدة؛ ولأن تلك الشبكات توفر لكل شخص ملفًّا خاصًّا به، أو حائطًا Wall، أو خطًّا زمنيًّا يسجِّل نشاطاته Timeline، وكذلك توفر له إمكانية تدوين أفكاره على هذا الملف، أو مشاركة محتوًى يخص غيره، مع هذه الإمكانات أصبح من الممكن تصنيف مستخدمي هذه الشبكات إلى فئتين:
الأولى: فئة ذات فكر ورأي، ولديها ما يكفي من مقومات الشخصية؛ لطرح آرائها وأفكارها؛ ولهذا تجد ملفات هؤلاء غنية بالمشاركات التي تعبر عنهم بصدق، حتى إنك تستطيع أن تتعرف على ملامح شخصية الواحد منهم، وكأنك التقيت به لمرات، أو عدة مرات.

الثانية: فئة لا تهتم كثيرًا بالتعبير عن آرائها، وترى صفحات هؤلاء وملفاتهم الشخصية ممتلئةً بالمشاركات المتنوعة من هنا وهناك، بعضها يخص أصدقاءهم، وبعضها يخص مجموعات أو صفحات هم منتسبون إليها، وعندما تزور صفحاتهم لا تشعر بهم إلا فيما ندر، ربما يلزمك أن تكون ماهرًا بتحليل خياراتهم؛ حتى تعرف شيئًا عنهم، وصفحاتهم أشبه ما تكون بالمجلات المتنوعة.

وفي محاولتي لاكتشاف أسباب صمت الفئة الثانية، وجدت أن من بين الأسباب المقترحة خوفَ هؤلاء من التصريح بآرائهم:
ربما يخافون الرفض الاجتماعي، أو يخافون عدم نضوج آرائهم بما يكفي لِتُنْشَرَ، على كلٍّ، أن تنتظر الوقت المناسب لطرح آرائك ليس تصرُّفًا حكيمًا؛ لأن ذلك الوقت المناسب لن يتأتى أبدًا، وكتمان آرائك لفترة طويلة يُحَوِّلها لآراء جامدة عسيرة الفهم والهضم، وسيكون من الصعب عليك تعديلها فيما بعد، أو حتى التصريح بها، فكلما تجنبت التجربة خوفًا من نتائجها، زادك الخوفُ خوفًا جديدًا.

ومن بين الأسباب:
ضعف المستوى اللغوي للبعض:
وقد صرح لي البعض بهذا مرارًا، فَهُم يخشون الكتابة؛ لضعف مستواهم اللغوي، ومع ذلك ينسى هؤلاء أن اللغة ممارسة في المقام الأول، ما لم تُمَارِسْ لغتك، فلن تتطور أبدًا.

والسبب الثالث:
هو عدم الاهتمام، وفقدان الشعور باحترام الذات وتقديرها؛ فهؤلاء لا يُقَدِّرُون ذواتِهِم، ولا يحرصون على إبراز وجودهم في العالم الافتراضي، هم لا يزالون يشعرون بضرورة حجب شخصياتهم عن الآخرين، متناسين أن من يقرأ تدويناتهم أشخاص محددون من قِبَلِهِم في الأصل، وهم من بين أقاربهم، وزملائهم، وأصدقائهم، فما الذي يمنع من تداول الآراء معهم؟!

يتوقع الكثيرون أن آراءهم غير ذات أهمية، ولا يدركون أنه حتى في الدراسات والبحوث يُعَدُّ امتناع بعض أفراد العيِّنَة نتيجةً بحد ذاتها، وتنال هذه النسبة السلبية من أفراد العينة قسطًا من الدراسة، وفي دراسة شخصية مصغَّرة قمت بها حول فكرة الطموح، وعلاقتها بتحقيق الأهداف، والتصور الشخصي للنجاح، أرسلت للكثير من أقاربي وأصدقائي ومعارفي حتى على نحوٍ غير مباشر، أرسلت إليهم العديد من التساؤلات حول الموضوع، وفي حين وصلتني إجابات ممتازة من أشخاص شعروا أن كونهم ضمن عيِّنة الدراسة، فهذا تقدير شخصي لهم، أولئك يتمتعون بدرجة عالية من تقدير الذات، وشعورهم الذاتي بأنفسهم رائع، ولديهم قدر كبير من الثقة، في المقابل تجاهَلَ البعض الرد على التساؤلات، وكان الانشغال سببًا للبعض الآخر، وإن كان التجاهل يرجع لسبب فعلي مع كون الشخص مُقَدِّرًا لفكره ووجوده، لكان من المنطقي أن يتلقى الباحث أو مرسل التساؤلات، رسالة اعتذار واضحة، وهذا ما لم يحدث مع من تجاهل الرد تمامًا.

في تجربة حقيقية قمت بتحديد يوم في الأسبوع لطرح سؤال على أصدقائي، ومرتادي صفحتي الخاصة على Facebook، وقمت بدور مدير الندوة أو الحوار، وكنت أحاول توليد الأفكار أثناء الحوار قدر المستطاع، وفي نهاية اليوم أقوم بتلخيص نتيجة المناقشة التي تستمر يومًا كاملاً، ومن خلال تجربتي لاحظت أن هذا النوع من الأنشطة مفيد جدًّا، وقد يكون بمثابة تدريب للأشخاص على خوض تجربة النقاش، وتبادل الآراء، ومع تكرار المناقشة بدا واضحًا أن هناك ضيوفًا يحرصون على الوجود، وإن فاتهم وقت المناقشة، فهم يسعون لتسجيل آرائهم في اليوم التالي، وكان هذا مؤشرًا على تَقَدُّم هؤلاء في النشاط؛ لهذا قمت بتطوير الفكرة، وجعلت من ضيوفي مقترِحِين للأسئلة أيضًا، وبالفعل وصلَتْني مقترحات من البعض، وإن كانت قليلة، ومن ملاحظاتي أن الضيوف كانوا يتحاورون مع مدير الندوة أكثر من تحاورهم مع بعضهم البعض، ويظهر أن تلك مرحلة متقدمة لم يصلوا إليها بعدُ، وقد كان الضيوف يعجبون عادة بخلاصة المناقشة التي توضِّح لهم كيف كانت آراؤهم مفيدة، خاصة بعد ترتيبها، وتنظيمها، وعزلها عن الأسماء والأشخاص.

وأُرْفِقُ لكم بعض النماذج حول الأسئلة التي طُرِحَتْ:
ما هي أفضل هدية تُقَدِّمُها لمريض تذهب لزيارته؟
أيهما تُفَضِّلُ: قراءة كتاب ورقي مطبوع، أم كتاب إلكتروني تقرؤه على الكمبيوتر، أو الحاسب اللوحي Tablet، أو أي جهاز إلكتروني آخر؟

إتقان الفتاة للطبخ ضرورة أم ميزة؟

أيهما تُفَضِّل للترويح عن نفسك: الذهاب للحدائق، أم التجول في المراكز التجارية الكبيرة؟

أيهما تُفَضِّل: حفلة عفوية تلقائية، أم حفلة منظَّمة ذات برنامج مُعَدٌّ مسبقًا؟

أيهما أنسب برأيك: الزواج في بيت مستقل، أم الزواج في بيت الأسرة؟

عندما ترغب في دعوة أصدقائك لتناول طعام الغداء أو العشاء، فأيهما تُفَضِّل: دعوة منزلية وتحضير مائدة مُعَدَّة بالمنزل، أم دعوة خارج البيت في أحد المطاعم أو الفنادق؟

ورغم بساطة الأسئلة أحيانًا، فقد كانت خلاصة المناقشة ممتازة.

الهدف من تلك التجربة هو تعزيز شعور الفرد بقيمته الذاتية، وبأهمية أفكاره وآرائه، وتعديل سلوك الشخص؛ بحيث يصبح أكثر قدرة على التفاعل، خاصةً مع استمارات البحث؛ فالبحوث، ومدى دقتها ومصداقيتها، وتعبيرها عن الواقع - هي الخطوة الأولى نحو تقدم المجتمع، وحصر مشكلاته وحلها، وعدم التفاعل مع مراكز البحوث والباحثين وجامعي البيانات يمثل مشكلة خطرة، وعقبة من عقبات النمو والتطور، ولا تزول تلك العقبة بغير نشر الوعي، ومحاولة تعديل السلوك قدر المستطاع، وإليكم أحد الأسئلة التي طُرِحت من خلال تجربتي مع خلاصة المناقشة كمثال على التجربة:
"الجمعة 27 سبتمبر 2013
اجتمعنا اليوم، وكان سؤالنا كالتالي:
أيهما تفضِّل: قراءة كتاب ورقي مطبوع، أم كتاب إلكتروني تقرؤه على الكمبيوتر أو الحاسب اللوحي Tablet أو أي جهاز إلكتروني آخر؟

ومن خلال المناقشة، توصلنا للتالي:
القراءة ضرورة سواء كان المقروء كتابًا ورقيًّا أو إلكترونيًّا.

البعض منا ذكر مُعوِّقات للقراءة أدت إلى ابتعاده عن ممارسة هذا النشاط عما كان عليه سابقًا، ومِنْ بَيْنِ ما ذُكِرَ تَغَيُّرُ ظروف الحياة، والانشغال، وفقدان الصبر، وطول البال.

انقسمنا من حيث التفضيلُ لفريقين:
الفريق الأول: مَالَ إلى تفضيل الكتاب الورقي، وتنوعت الأسباب التي بُني عليها تفضيله، ومنها:
سهولة حمله، والتنقل به.

إمكانية تدوين الملاحظات عليه.

إمكانية التوقف المفاجئ عن القراءة، ثم استكمالها فيما بعد.

الشعور النفسي بالكتاب، وهنا مال البعض إلى رائحة الورق القديم والشعور به، في حين مال البعض الآخر إلى الشعور الأقوى بالطباعة الحديثة، والورق الجديد.

مناسبة الكتاب المطبوع للمضامين التي تتميز بالدسامة، والتي تحتاج إلى تركيز.

الشعور النفسي بقيمة الكتاب المطبوع.

الميل إليه بحكم العادة، والتربية، ورؤية الأبوين وهما يمارسان عادة القراءة، وبين أيديهما كتاب ورقي عادي.

الفريق الثاني: فَضَّلَ الكتاب الإلكتروني، وكان الجهاز الأفضل هو التابليت، ومن بين أسباب التفضيل:
سهولة الحمل والانتقال.

إمكانية حل مشكلات الطباعة السيئة، أو الخط الصغير.

سهولة الحصول على الكتاب بدون تكلفة في الكثير من الأحيان.

تلافي مشكلة وزن الكتاب خاصة في المؤلفات الضخمة.

الحفاظ على موارد البيئة ونظافتها بتقليل كَمِّ الورق المُصَنَّعِ، والمستهلَك.

وقد انتقد الفريق الأول الكتاب الإلكتروني، وجاء من بين الانتقادات.

الآثار المترتبة على التعرض للشاشة، وإجهاده العينَ.

صعوبة التركيز، خاصةً مع المضامين الدسمة.

فقدان المتعة والشعور بالكتاب.

ولقد أشرنا خلال نقاشنا للعديد من الأمور الهامة، منها:
تساءلنا حول طبيعة القراءة، وهل هي هواية أم حاجة؟
نَوَّهْنا للدور الذي يجب أن يلعبه الآباء؛ لتحبيب أبنائهم في القراءة، وممارسة هذا السلوك أمامهم؛ ليكونوا قدوة حسنة.

ضرورة تعليم الجيل الجديد الطرق المثلى؛ للإفادة من التكنولوجيا، وألا تكون مقتصرة على الترفيه فقط، وأكدنا على أن القدوة، والمثل الحي على درجة عالية من الأهمية.

أشرنا إلى ضرورة التعرف على المزيد من مميزات القراءة الإلكترونية، وما تُوَفِّره الأجهزة الإلكترونية الحديثة من أدوات تساعد القارئ.

أخيرًا أشكركم لتفاعلكم، وانتظروا لقاءً جديدًا الجمعةَ المقبلة بمشيئة الرحمن.

بإمكان فرد واحد داخل كل أسرة أن يعيد التجربة، وأن يتحمل تلك المسؤولية في تعديل سلوك الأفراد المحيطين به؛ فالمجتمع لا يتغير بتغير القادة فقط، وإنما يلزمنا تغيير القاعدة، ونشر الوعي والثقافة بها.

النشر الأول على شبكة الألوكة
 http://www.alukah.net/Culture/0/62563/#ixzz2kWeHZ8eY

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اتبعني على Facebook