الاثنين، 9 أبريل 2012

لا للإزدواجية بين العالم الواقعي والعالم الإفتراضي

لا للإزدواجية بين العالم الواقعي والعالم الإفتراضي

في العدد الثالث عشر من مجلة مملكة المرأة الإلكترونية والذي صدر في مايو 2009 كتبت موضوعًا بعنوان "في مواجهة التكنولوجيا" وتبنيت فيه مبدأ نابليون: "الهجوم خير وسيلة للدفاع" وكان الموضوع يصور حالة القلق والصراع التي تعايشها الأسرة في مواجهة التطورات التكنولوجيا المتسارعة، وفي الوقت الذي نشر فيه الموضوع لم يكن نجم الفيس بوك قد علا كما هو الحال اليوم، وأعتقد أن هذا الصراع البشري التكنولوجي قد ازداد عنفًا الآن، ولكن ثمة عوامل كثيرة يجب أن نضعها في الاعتبار عندما نناقش موضوعًا كهذا، فلم تعد العلاقة صراعًا كما كانت ، ولم يعد الموضوع الأساسي للمناقشة هو الإتاحة أو المنع، وإنما أصبح علينا أن نناقش كيفية التعامل مع التكنولوجيا، وأن نضع مباديء تربوية تواكب هذا التقدم واضعين في اعتبارنا استحالة المنع والعزل، إذن ما الحل؟
عندما كتبت موضوعي السابق منذ ثلاث سنوات قلت أن علينا أن نهتم بنظم الدفاع الداخلية لابنائنا وشبابنا، وأن نحصنهم إيمايًا وأخلاقيًا، وأن نحاول جاهدين مواكبة التكنولوجيا في تطورها المتسارع، والسبب في ذلك أن يصبح الآباء والأمهات محل ثقة الأبناء وبالتالي يصبح الإنقياد لنصحهم وتوجيهاتهم في مثل هذه المجالات أيسر، لكني رأيت أن علي اليوم أن أضيف الكثير لأثري هذا الموضوع، فهناك ثقافة يجب أن يتشربها الآباء والمربون ، وأن ينقلوها للنشيء الجديد، إن أول ما يجب أن تضعه في اعتبارك وأن تنقله لصغير السن بين يديك هو ألا خوف فعلي من الإنترنت وشبكات التواصل، لا يوجد ما يثير الخوف والرعب إذا ما قمت بفتح حساب لك على أحد تلك الشبكات مستخدمًا اسمك الشخصي الثنائي، إن الحساب هنا لا يعبر عن شخصية أخرى وإنما يعبر عن شخصيتك، فبداية لا يجب أن يكون هناك ازدواجية بين شخصيتين: شخصية واقعية وشخصية افتراضية.
إن فكرة عدم الاإزدواجية على قدر كبير من الأهمية، فهي ستقوم سلوك الشخص على الإنترنت لأنه سيؤمن أن كل ما يصدر عنه في العالم الإفتراضي سيلحق به في العالم الواقعي، إذن لا مجال لتفريغ الضغوط أو تلبية أي رغبات غير مسموح بها في الحياة الواقعية، كما أن تواجد الأسر بأغلبية أفرادها على الشبكات الإجتماعية هو أيضًا شكل من أشكال السيطرة الإجتماعية الغير مباشرة، وهذا التواجد حتى دون توجيه النصح الدائم يصبح بمثابة الرقابة الحميدة، إنه سيجعل المستخدم في حالة وضوح مستمرة واستقامة طبيعية.
عندما تفاجأ بالاسم المستعار لابنك فعليك أن تتنبه وأن تسأله بوضوح عن سبب اختيار اسم غامض كهذا، وعليك أن تشرح له ثقافة الأسماء المستعارة، فهناك أشخاص تتطلب أنشطتهم اختيار أسماء مستعارة تصبح بمثابة أسماء شهرة لهم في هذا المجال، أما فيما دون ذلك فالاسم المستعار حقيقة لا قيمة له خاصة إذا اخترت اسمًا غامضًا، فاختيارك يدل حتمًا على شخصيتك، وقد سبق وشاهدت أسماء مستعارة تثير الدهشة بحق، البعض يستخدم معان سيئة، البعض يستخدم أسماء لا يمكن مناداته بها، البعض يستخدم جمل كاقتباسات محل الأسماء، والبعض يغرق اسمه بالزخارف، والسؤال هو: ما السبب وراء هذا الاسم أو ذاك؟ أين أنت من هذا الاسم؟ هذا بعض مما يجب أن نضعه في اعتبارنا في هذه الأيام.
هناك أيضًا ثقافة الصور الرمزية في المنتديات والشبكات الإجتماعية، إن الصورة خير دليل ومعبر عن الشخصية، وبإمكاننا أن نستقرئ الكثير من الصورة الرمزية لشخص ما، فصفات كالإنطوائية أو حب الظهور يمكن أن تظهر بوضوح من خلال اختيار الصورة الرمزية، و الإختلاف واضح بين صورة مرعبة مثلاً يطغى عليها اللون الأسود والأحمر وبين صورة مشرقة، والـمثلة كثيرة ويصعب حصرها.
واليوم أصبحت أدوات النشر وتسجيل الإعجاب من أكثر ما يبرز الشخصية على أن تستخدم استخدامًا صحيحًا، فأنت تعجب بما يعجبك حقًا، ولا مجال للمجاملات هنا، فقد يضع صديقًا لك فكاهة لا تروق لك وترى أن ليس من اللائق أن تعيدها في الواقع، وهنا لا تقم بالضغط على زر الإعجاب مطلقًا مادامت لا تعبر عن جزء من شخصيتك، كذلك عندما تقوم بمشاركة الآخرين خبرًا أو مقالاً أو أبياتًا من الشعر، فأنت بين أمرين: إما أنك معجب بهذا المحتوى وتعيد نشره مقترنًا باسمك فأنت راضٍ عنه، وإما تعيد نشره لتدون عليه ملاحظاتك وتدير النقاش مع من حولك حول هذا الموضوع، فلا تسيء استخدام زر المشاركة وعبر عن شخصيتك دومًا.
وأسلوب الحوار المتبع ومفرداته هي أيضًا جانب لا يمكن تناسيه، فإن كان ابنك يتحدث بأسلوب في واقعه وبآخر في عالمه الإفتراضي فعليك أن تناقشه بجدية في هذا الأمر، واضعًا في اعتبارك اختلاف الظروف، فالشبكات الإجتماعية ليست بيت الأسرة الصغير ولا بيت العائلة؛ إنها المجتمع المفتوح بلا حدود وهذا المجتمع يتطلب نوعًا خاصة من الأسلوب.
إن تحديد الهدف من التواصل الإجتماعي عبر الشبكات أمر شديد الأهمية، وكل له غرضه من فتح الحساب على هذه الشبكات، فهناك من يريد التواصل مع أسرته فقط، وهنا لابد وأن يقوم هذا الشخصي بإغلاق حائطه وملفه الشخصي ، وعليه أن يحجب كل هذا عن الغرباء ممن ليسوا أصدقاء له، وعليه أن يقبل صداقة من يعرفه حقًا، وهناك من يرغب بعرض أفكاره أو منتجاته، ويتعامل مع الآخرين باعتباره شخصية عامة فلا يدون شيء من خصوصياته مطلقًا، وهنا يكون من مصلحته أن يتح للجميع قراءة ما يكتب مع الحرص على خلو المحتوى من المضامين الشخصية وإلا اصبحت حياته مشاعًا للجميع، وثمة شخصيات تتوسط بين هذا وذاك ولكل حالة ما يناسبها من اجراءات الخصوصية، وعلى المربيين أن يدركوا مثل هذه الإعتبارات وأن ينقلوها لابنائهم بتفتح واقتناع.
لا يمكنك أن تنعزل تمامًا عن التكنولوجيا ولكن اهتم ببناء نفسك داخليًا، وتعلم كيف تقاوم الأخطار، وكيف تستخدم أدوات الإتاحة والمنع ، ولا تكن غير ذاتك، إن الأسوياء فقط تتطابق صورهم في العالم الحقيقي والعالم الإفتراضي.


نسمة السيد ممدوح
9 إبريل 2012


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اتبعني على Facebook