الثلاثاء، 6 مارس 2012

نحو رؤية أوسع

نحو رؤية أوسع

من الجيد أن تتمتع بروح الأصالة، وأن تتعلق بكل عناصر قوميتك: دينك، لغتك، تاريخك، موطنك، إلا أن تطور هذا الشعور ليصبح بمثابة الجدار الذي يفصلك عن العالم، ويبقيك سجين قوميتك هو من أشد الأخطار، فمن الضروري أن تتمسك بلغتك وتاريخك، لكن عليك أن تسعى أيضًا لتكتسب المعرفة عن الشعوب الأخرى والحضارات التي سكنت الأرض سواء في العصور الماضية أو الحالية، أن تفكر بشكل منفرد وتنظر لنفسك منعزلاً عما حولك – إنها حتمًا رؤية يشوبها الكثير، وتفتقر للمنطقية والموضوعية.
وفي حين يمتلئ التاريخ بالحضارات التي عاشت وسكنت الأرض منذ سنين طويلة، نجد أن كل دولة تركز فقط على تلقين أبنائئها تاريخها، وكأنه هو التاريخ الوحيد لشعب أو حضارة سادت فيما مضى، وتذكر الحضارات الأخرى إذا استدعتها الضرورة لذلك، تذكرها مهمشة فتنقل لأبنائها خاصة في صغرهم اعتقادًا خاطئًا بأنهم كانوا مركز الاهتمام في العالم، وتحد من ادراكهم للواقع الفعلي في تلك العصور.
ويبدو أن من المستحيل تدريس تاريخ الحضارات جميعها لطلاب المدارس أو الجامعات، ومن الطبيعي أن يأتي التخصص ليوجد حلاً مرضيًا للمشكلة، إلا أن ترك النشء بدون خلفية عامة أو نقاط رئيسية وأسماء لحضارات وشعوب تمكنهم من تكوين صورة عامة لتاريخ البشرية، وتكون معينًا لهم على بداية رحلة البحث والقراءة في التاريخ، وفي أي تخصص شاؤوا هو أيضًا ضرورة ملحة، وليس المطلوب تضمين كل هذه المعلومات في الكتب الدراسية المقررة، ولكن المطلوب هو توفير النشرات والملخصات التاريخية الميسرة والتي تقدم ملخصات حقيقية لفترات تاريخية طويلة، ملخص لا يتعدي الخمسين صفحة يركز فقط على أهم الأحداث والأسماء والتواريخ مرتبة بشكل واضح، بعيدًا عن الحشو والإسهاب، تكون مفتاحًا تاريخيًا في يد مالكها، وبجانب تلك الملخصات هناك المحاضرات الثقافية والندوات التي لا يعرفها الطلاب في الدول العربية إلا في الجامعات على أمل أن تكون جيدة بما يكفي، فمن الضروري أن يرتبط النشء الجديد بالعلم والمعرفة ، وأن يعشق المعلومة ويسعى إليها.
وإن هذا الأمر الذي كثيرًا ما أصدره المعلمون والمعلمات، والآباء والأمهات - إنه من أسوأ الأوامر التي تجلب العناء، وأكثرها غموضًا، وأقلها فاعلية "اقرأ كي تعرف" فصغير السن لا يعرف من أين يبدأ؟ وعن ماذا يبحث؟ وأي كتاب يختار؟ وكيف يختار؟ وحتى الكبير منهم إذا أقبل على موضوع جديد لا يعرف عنه شيئًا كان من العسير عليه أن يبدأ، وتراه يتخبط يمينًا شمالاً حتى يهتدي لمصدر جيد يصبح بمثابة نقطة الانطلاق له، فما بالك بصغير السن؟
من أجل هذا كانت مسؤولية الكبار والمجتمع ومؤسساته تجاه النشء الجديد، وللأسف ما أن تقرأ الكلمات حتى يظن الآباء والأمهات أنهم بمنآى عنها، وأن لا التزامات عليهم تجاه أبنائهم، ولأجل هذا نقولها صريحة: ساعدوا أبناءكم واستقطعوا من أوقاتكم وجهودكم لتعدوا لهم ما لم تعده المدرسة أو مؤسسات التربية والتعليم في المجتمع، هذا دور لا يقل أهمية عن توفير المأكل والمشرب، إن غذاء الروح أهم وأثمن من غذاء الجسد، ابحثوا لهم وأعينوهم وتعلموا لتعلموهم، واقرؤوا لتفيدوهم، وقصوا عليهم ما سجلته ذاكرة التاريخ في الماضي، وليكن لكم لقاء ثقافي في كل أسبوع تمنحونهم فيه المعرفة مبسطة ميسرة، إن أبناءكم أمانة فأدوا لها حقها ولا تضيعوها.

نسمه السيد ممدوح
29 نوفمبر 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اتبعني على Facebook