الأحد، 23 ديسمبر 2012

دائمًا .. الأخلاق

دائمًا .. الأخلاق
  

أعجب لمن يجرد العلم من الأخلاق، أعجب لمن يولي جل اهتمامه للجوانب العلمية والتقنية ناسيًا أو متناسيًا الجوانب الأخلاقية لعمله، أعجب لجامعاتنا التي تهتم - إن اهتمت - بتخريج طلاب حاملين لكم لا بأس به من المعلومات، وتتجاهل في الوقت ذاته بناء هؤلاء الطلاب نفسيًا بما يتوافق مع طبيعة عملهم ومجال دراستهم وتخصصهم.
بلغتني في الآونة الأخيرة شكوتين من صديقتين عزيزتين لا تعرف إحداهما الأخرى، أحزنني ما سمعت حقًا، فقد شكت الواحدة تلو الأخرى من الطبيب المعالج لطفلها واصفة إياه: بالكفء من الناحية الطبية البحته، بالسيء المتغطرس الغير آبه من الناحية الأخلاقية، حاصرة المشكلة في اضطرارها إليه لكفاءته العلمية، على تجاهله للرد على تساؤلاتها ، ومراعاة مشاعرها كأم يلتهمها القلق على طفلها المصاب، وليت إصابته عادية.
ودون طرح لتفاصيل كثيرة أحرص شدة الحرص على سترها لما فيها من الخصوصية أجد نفسي مشفقة على أم كهذه، وآسفة على طبيب لم يعي من الطب غير جفاف المعلومات ، ولم يفقه من طرق العلاج والمداواة غير العلاج الدوائي البحت، آسف لطبيب مجرد من الإنسانية لا يأبه بالوضع النفسي لمريضه إن كان كبيرًا، ولا لوالديه إن كان طفلاً صغيرًا.
أدرك جيدًا أن العبء ثقيل، وأن الطبيب في ساعة واحدة يعايش أكثر من موقف يستلزم منه ضبط النفس والتحمل والمواساة، فما بالك بيوم عمل كامل بما ينطوي عليه من الإجهاد الذهني والنفسي، وما بالك بيوم يجر يوم في العمل المضني المتواصل، ولكن.. وعندما نقول لكن فنحن نعني بها الكثير، الطب معنى ورسالة سامية ، ولأن الطب رسالة فليس كل من تخرج من كلية الطب جديرًا بأن يحملها، الطبيب لا يفحص المريض ليشخص مرضه ويدون له ما يلزمه من الأدوية ، وإنما هو يطبب مريضه منذ أن تخطو قدميه أعتاب غرفته، والطبيب الناجح هو من يعالج مريضه ويدعمه نفسيًا قبل أن يمنحه العلاج الدوائي، وهو من يجعل المريض راغبًا بزيارته متلمسًا فيه الامان،وهو من يشجع مريضة منذ اللحظة الأولى بابتسامة تحمل الكثير من المعاني، لأنه طبيب يدرك أن العلاج أكبر من مجرد أقراص أو سوائل نتجرعها، قد تشفي أجسادنا وتبقى نفوسنا مشوهة بما شاب الأجساد من أمراض وآلام.
الأخلاق تعني الكثير، ونحن جميعًا بحاجة إليها: معلمون، أطباء، باحثون، دارسون، عاملون ، صناع ومزارعون، في كل عمل ننجزه نحن بحاجة للأخلاق.

نسمة السيد ممدوح
23 ديسمبر 2012


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اتبعني على Facebook