الأربعاء، 28 مارس 2012

مهارة الخط

مهارة الخط 

إذا كانت لديك رواية ما وقد قرأتها وعمرك أربع عشرة أو خمس عشرة سنة، ثم أعدت قراءتها وقد جاوزت العشرين فمؤكد ستقرؤها على نحو مختلف، وستدرك مالم تدركه من قبل، ولو أنك أعدت قراءة أحد الكتب أو المؤلفات التي درستها في الجامعة بعد أن مر على تخرجك منها عدة سنوات قد لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة ، فمن المؤكد أيضًا أنك ستدهش من سرعة وكم استيعابك.
ولا ينطبق هذا التغير على المعارف والمعلومات فقط؛ وإنما يشمل أيضًا المهارات، فما مارسته وأنت طفل سيختلف تمامًا عما إذا ما مارسته في شبابك، ستشعر بتحسن في الأداء وسرعته، وستلمس نتائج أفضل، ومن بين المهارات مهارة الكتابة والخط، وهناك فارق كبير بين الكتابة والخط، فأنت عندما تكتب تركب الحروف والكلمات والجمل وليس مهمًا ما إذا كان رسم الحروف جميل، والمهم أن يكون التركييب صحيحًا، أما الخط فهو تحسين وتجميل للرموز المرسومة، بحيث لا تبدو أكثر وضوحًا فقط، وإنما تبدو أجمل أيضًا. وفي السنوات الأولى من حياة الطفل وعندما يلتحق بالمدرسة يكون التركيز منصبًا على الكتابة لا على الخط، والمطلوب من الطفل أن يحسن الكتابة بحيث يكون التركيب سليمًا والحروف مقروءة وهذا يكفي، وفي السنوات المتقدمة وبخاصة في السنتين الأخيرتين من المرحلة الابتدائية يبدأ الطفل في تعلم الخط، وللأسف يتجاوز الأطفال أو الكثير منهم هذه المرحلة وقد فصلوا تمامًا بين مادة الخط والخط كمهارة عامة لابد وأن يتعلموها ويتشربوها، ولهذا نجد الكثيرين ممن تخرجوا من الجامعة ولازال خطهم دون المستوى المطلوب.
إن ظاهرة سوء الخط تكاد تكون ظاهرة واسعة الانتشار لتعدد وتنوع أسبابها، فبعضها أسباب شخصية تتعلق بالشخص ذاته، ومنها مدى سلامة الحواس المسؤولة عن اتقان هذه المهارة، فالخط الحسن بحاجة لبصر جيد وعصب جيد وعقل جيد، وإن اختل واحد منهم أو وقع فيه القصور ساء الخط بالضرورة، ومنها أسباب خارجية تتعلق بالمعلم الذي يحاول تدريب الطلاب على تلك المهارة، ومنها ما يتعلق بوسائل تعليم هذه المهارة ومدى وضوحها، ومنها ما يتعلق بالأسلوب المتبع ومدى الاهتمام الذي توليه المدرسة والأسرة لهذا الأمر. وبالنسبة للطلاب الصغار الذين يتعلمون هذه المهارة فهم بحاجة لرعاية متكاملة، ومن الضروري أن تولي المدرسة مهارة الخط اهتمامًا متزايدًا ، ومن الأنشطة المساعدة في هذا المجال عقد مسابقة الخطاطين واختيار خطاط المدرسة، وتشجيع الطلاب على خط اللوحات بأنفسهم وتعليقها في المدرسة، وتشجيع المتميزين منهم على تدوين العبارات الهامة وأبيات الشعر بأنفسهم على جدران المدرسة تحت إشراف الأساتذة.
وعندما يتجاوز الشخص مرحلة التعليم في المدرسة يكون مطالبًا بالعودة مرة أخرى وبشكل شخصي لتعلم مهارة الخط واتقانها، والأمر ليس عسيرًا، فمع توسع مدى الإدراك يصبح الأمر أسهل بكثير، والمهم أن يدرك الشخص أن التعلم بحاجة لجهد، ولا يكفي أن تحضر نصًا قد كتب بخط حسن لتحاول تقليده حتى يتحسن اداؤك؛ ولكن عليك بمعاودة القراءة والتعلم حتى تتذكر أساسيات الخط، وتلك ستختصر لك الكثير من الوقت، وعن تجربة شخصية فقد غيرت من ملامح خطي خلال أسبوع واحد، حتى كأن المكتوب في نهاية الأسبوع قد خط بيد غير اليد التي عهدتها لسنين طويلة.
لا تستسلم للماضي، وطور من مهاراتك، ولا تحسب مهارة الخط مهارة فرعية، ولا تغرك التكنولوجيا والطباعة الإلكترونية، وتذكر أنك ستصبح أبًا أو تصبحين أمًا وبين أيديكما طفل تلقناه مباديء اللغة قراءة وكتابة وخطًا. 

نسمة السيد ممدوح
 28 مارس 2012

هناك تعليقان (2):

  1. المشكلة يااستاذة ان نظرة الناس للمتعلم ومن يفكر بهذا الشكل نظرة استهزاء ..
    تعلمنا ..وحاولنا ..وفي النهاية من هم اقل اصبحوا افضل
    يبدو ان الماضي هو الاخر بحاجة لان نمحوه..ونتصرف بطريقة اخرى ترضي المادة التي قتلتنا

    ربما تركت الموضوع قليلا لكن ماتحدثت عنه هو الدافع الاساسي لاي تطور

    ابدعتِ والله

    ردحذف
    الردود
    1. مرحبا يا علي، أرى أنك أصبحت اكثر انفعالاً وضيقًا بالواقع، الأمل موجود ولا تتبنى من الأفكار غير ما تجد ذاتك مجسدة فيها، لا تلبس شخصًاآخر فلن تجني غير الإحباط والضياع، ربما كان الكثيرون يهزؤون بمن ينحو هذا المنحى في التفكير والعمل، لكن الحقيقة ان من استسلم لواقعه وعبد المادة وفضلها على العلم هو الخاسر في النهاية، حتى لو جمع من الدنيا كنوزها، سيخسر عقله وروحه وعاطفته، إن انعاش عقولنا بالمعارف والمعلومات الجديدة، وانعاش خيالنا بالأفكار على تنوعها لهو زاد يساعدنا على مواصلة الحياة مهما بدت لنا فيها الصعاب والعثرات والمشكلات.

      ابحث عن ذاتك يا علي ولا تعبأ بالمجتمع، إن الكثرة لا تعني الصواب.

      حذف

اتبعني على Facebook