الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

المشاعر حقيقة لا حقيقة لها


المشاعر حقيقة لا حقيقة لها

العقل هو ذاك المدبر المفكر ، وهو قائدك في معركة الحياة، يضع الخطط للعمل والحركة، يرسم الأهداف ويقدر الأخطار، وإن كان عقلك حكيمًا، وقائدًا ذو روية، فمؤكد سيكون له مستشارين من حوله، والقلب سيكون بالطبع أحدهم، فالقلب يرى أطياف غريبة لا ملامح لها يعجز عن فهم كنهها العقل بفكره الجاد، فالعقل هو الرياضي البحت، يتعامل مع الحقائق الجافة من الأرقام والإشارات والرموز، أما القلب فهو ذاك الرسام، هو الفنان الذي يرى النور إشارة لمعنى، والنقطة السوداء رمز لكذا، وكلاهما لا يقوى على الحياة دون الآخر ولابد لهما من التآزر والتشاور على طول الخط.
والمشاعر حقيقة من الحقائق الغريبة في الحياة، إنها شيء إن وضع أمام العقل وحده حيره، وإن ظل يقلبه يمينًا ويسارًا جن جنونه دون فائدة، فهي شيء مبهم غريب، كلما قلبه تارة تغير لونه وشكله، ولا يدرك كنه ذلك الشيء سوى القلب، وحده يرى ملامحة جلية واضحة، فالمشاعر هي الحقيقة التي لا حقيقة لها بالفعل، وإنما هي لوحة مختلطة يرى فيها كل فنان شيئًا مختلفًا يحسبه الحقيقة، وهي وإن كانت كذلك أكثر عمقًا من المحيط، وغموضًا من الفضاء، فماذا تراك تفعل حيالها؟
فقط سلم بها دون أن تخضعها لمقياس العقل وحده، لا توجد مشاعر صحيحة وأخرى خاطئة، وإنما هناك حقيقة مشاعر مؤسسة على أعمدة قد تكون سامية في ذاتها ، حسنة في مظهرها، أو مشوهة في روحها، منفرة في ملامحها، والأعمدة لا تنبت من العدم، هناك أيد وضعتها هنا أو هناك، ولا لوم على البناء إن كان من ارسى الأساس يستحق اللوم بجدارة.
وما تبصره عيناك من كل ذلك ليس إلا نزرًا يسيرًا، ألم تقدم لأحدهم مساعدة بسيطة وتراها تترك داخله أثرًا يتجاوزها أضعاف مضاعفة؟! ألم توجه كلمة عارضة لأحدهم دون قصد فتكسره بأكثر مما تتصور، ولا تكتفي فقط بخدش جوهره؟! ألم تقدم هدية ثمينة لغيره وتراه يتقبلها ببرود وعيناه تقطر بالدمع الصامت؟! لا تحسب ذاك يعشق المبالغة، أو أن الآخر ممثل بارع، أو أن ثالثهم متكبر مغرور، أنت لا ترى غير مقدمات يأتي وراءها الكثير من الخفايا، قد لا تتاح لك فرصة معرفة المزيد لكن ثق أن وراء هؤلاء الكثير والكثير من الحقائق والأعمدة التي أسست مشاعرهم تجاهك في هذه اللحظة أو تلك، قد تكون قد غرست بيدك أحد تلك الأعمدة، قد تكون مسؤولاً عن مشاعر سلبية أو إيجابية، لكن تذكر ألا تحكم عليهم بعقلك فقط، وإن فعلت فأنت كالقاضي المستبد بالرأي لا يسمع لمستشاريه، وإن تحدثوا عمدًا صم هو أذنيه ونطق بالحكم.
فلا تكن قاضيَا ظالمًا فتقع يومًا فريسة لحكمه عليك.

نسمه السيد ممدوح
13 ديسمبر 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اتبعني على Facebook