الخميس، 30 ديسمبر 2010

إليَّ أيها الصديق!


إليَّ أيها الصديق!

المتاعب والأحزان والهموم من الحقائق الموجودة في الحياة بالفعل، ومن الصعب جدًا أن تجزم بأنه يوجد أشخاص لم يتجرعوا هذا الشراب المر المذاق ولو لمرة واحدة طوال حياتهم، وإن وجد مثل هؤلاء فهم ليسوا سعداء كما قد تتصور للوهلة الأولى، فبما أنهم لم يلمسوا يومًا نار الحزن ولم تكتوي أصابعهم او تكاد بهاـ فهم مؤكد لن يدركوا معنى السعادة، وإنما حياتهم في جملتها حياة روتينية تكاد تكون فارغة خاوية من أي معنى.
وقبل أن تحكم على هذا المنطق بأنه سوداوي في جملته وتفصيله فعليك أن تتذكر أن الأحزان لا تعني الموت أو الفقدان أوالحرمان فقط، ولا تعد النكبات إلا نوعًا أشد وطأةً من الأحزان، ولكن هناك أحزان طبيعية تنشأ بشكل طبيعي كالآمال المتكسرة على صخرة الأيام، المواقف والكلمات الجارحة، الصداقات الواهية التي انتهت تاركة آثارها المؤلمة هنا وهناك، الإعاقات والعيوب الخلقية على اختلافها حتى لو بدت في نظرك صغيرة ولا يُكترث بها، فهي على العكس في نفوس أصحابها، وقل في تفصيل الأحزان كثير.
ورغم ذلك ولو أنك سلمت بما أقول فسيكون من حقك بالفعل أن تتساءل عن حال هؤلاء الذين يبدون لنا سعداء، اولئك الدائمي الابتسام ، والذين هم في كثير من الأحيان مصدر سعادة لغيرهم، فترى المقربين منهم يثنون عليهم بأوصاف تجعلهم أشبه بقنديل من الأمل لا ينطفئ أبدًا، قنديل زيته هو الحب الخالص، من أين أتوا بمثل هذا الزيت؟ ومن أين أتوا بهذا القنديل الغريب الذي يظل مضيئًا لا يرعاه أحد سوى الله؟
هؤلاء الأشخاص ليسوا إلا أناس ناجحين من الناحية النفسية، يملكون قدرات مميزة جعلتهم قادرين على عزل أحزانهم في جانب خاص من جوانب حياتهم، جانب يصعب أن يصل إليه أحد، فقد سمت فيهم الروح كثيرًا حتى أن الأحزان بدت أشياء يحظر على الآخرين الإطلاع عليها، ربما رفع هذا الحظر عن واحد أو اثنين من أقرب المقربين لهم، ولكن مع ذلك تبقى هذه الأحزان دفينة في مكان ما لا يعرف عنها أحد، وعلى نار تلك الأحزان نضجت أفكارهم الغريبة، ترى لهم تطلعات خاصة، آمال لا محدودة، أهداف واسعة، والغريب أن هذه الأفكار ليست شاذة أو مستنكرة، وإنما أفكار سامية تشعر فيها بجمال الروح ونبل الهدف ومشروعية الوسيلة، ورغم هذا فهم غير منفصلين عن حياتهم والمحيطين بهم، إنهم هنا وهناك يبثون شيئًا من الأمل والثقة والسعادة في نفوس الآخرين، ومع الإمتنان والثناء الذي يحصلون عليه لا تبدوا عليهم مظاهر السعادة الجمة ولا تدفعهم للغرور، ويظل التواضع هو الخلق المسيطر في كل الأحوال.
ترى هل التقيت في حياتك بأحد هؤلاء؟ إن كنت قد فعلت فعليك أن تعيد تقييمك لشخص كهذا، لا تحسبه سعيدًا كما قد يبدو لك، ولهذا حاول أنت أن تمنحه السعادة بطريقة أو باخرى، وإن لم تلتقي بمثله فاعلم أنك إن وجدته فسيكون أفضل هدية يمنحك إياها القدر، إن الحياة بقرب هؤلاء متعة ، وإن كسبت صداقته فستلمس أجمل معاني السعادة التي تنبت من بين الأحزان كأنها عين الماء تتفجر وسط الصحراء القاحلة، أو هي الزهرة تنبت بين الأشواك.
ما أجمل أن يرزق المرء بصديق من هذا القبيل، هذا الصديق الذي كان وما يزال دومًا عملة نادرة لا تحصل عليها إلا بمحض المصادفة والنعمة الإلهية، فلا تحسب كل من هو مقرب إليك يشاركك الكثير من أحلامك ويقاسمك أفراحك وأتراحك بمثابة صديق، فالصديق انبل من أن تصفه بالكلمات، إنه من تتجاوز في علاقتك به الحب والأخوة لأبعاد أكثر عمقًا وروعة، فهل ألقاك يومًا أيها الصديق؟!

نسمه السيد ممدوح
29 ديسمبر 2010


هناك تعليق واحد:

  1. مقال رائع يانسمة ..اسلوب جميل ..افكار مرتبة ..وان حسن فهمي ..فهو يضرب بجمال مقصده في بحر اغترف منه بشار بن برد حين أنشد أبياته الشهيرة
    اذا كنت في كل الأمور معاتباً صديقك لم تلقَ الذي لا تعاتبه
    فعش واحدا أو صل أخاك، فأنه مقارف ذنبٍ مرة ومجانبه
    أذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه....
    دمت متألقة ..تحياتي

    ردحذف

اتبعني على Facebook